لبنان.. مطالب شعبية مشروعة ومحاولات لحرفها عن مسارها الحقيقي

الثلاثاء ٢٢ أكتوبر ٢٠١٩ - ٠٩:٤٧ بتوقيت غرينتش

تمكنت "الانتفاضة" الشعبية العفوية العابرة للطوائف من إجبار الحكومة اللبنانية على الرضوخ لضغط الشارع، فتوصلت إلى اتفاق على ورقة إصلاحات لمعالجة الأزمة والتخلي عن فرض أي زيادة ضرائبية على عامة الناس ومسارعة الحكومة إلى إقرار موازنة 2020 بـ 0,6 في المئة عجز.

العالم - لبنان

هذه الإصلاحات، على الرغم من أنها لا تلبي سوى جزء من مطالب المتظاهرين، إلا أنها ما كانت لتحصل لولا قلق الطبقة السياسية وخوفها من تدحرج الأوضاع نحو تهديد مصالحها ونفوذها السياسي، وأن قرار الحكومة هذا بيّن للناس أن السرعة في اتخاذ بعض الإجراءات كشف وفضح أن الحكومة كانت هي المسؤولة عن استمرار هذه الأزمات وعرقلة حلها..

قبل هذا الانفجار وأمام هذه المآسي كانت محاولات إصلاح من هنا وهناك لكنها اصطدمت بكتل المفسدين وحيتان المال والطغمة المستفيدة، التي كانت تشهر سيف الطائفية وحقوق الطوائف وتجهض محاولات الإصلاح، وأهمّ الطروحات هذه كان ما اقترحه السيد حسن نصر الله من "مؤتمر تأسيسي" لمراجعة النظام والبحث في إقامة نظام الدولة القوية العادلة، دولة المواطن والكفاءة وتكافؤ الفرص، ولكن حراس الطائفية ومستثمريها وممتصّي دماء الشعب باسمها رفضوا الفكرة وكادوا أن يفجّروا الأوضاع الأمنية ويفجّروا لبنان من أجل مصالحهم… وطوي الموضوع.

أما اليوم وبعد أن بلغ السيل الزبى وعجز اللبنانيون عن مزيد من التحمّل، فقد خرجوا إلى الشارع وأطاحوا كلّ الحدود والجدران التي قسّمتهم ونزلوا إلى الساحات مطالبين بحقوقهم المصادرة والمنهوبة. إنه انفجار شعبي عفوي جاء نتيجة منطقية لواقع بات لا يُحتمل وبالتالي يستحق هذا الانفجار كلّ الدعم والتأييد لأنّ فيه تأييد المظلوم بوجه الظالم، ولكن هنا تكمن مشكلة تحديد الظالم، لأنّ اتهام البريء من شأنه أن يخفف عن الجاني المرتكب.

وما بدا لافتا أن بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية تقوم بدور تحريضي مشبوه لحرف التظاهرات عن أهدافها المطلبية بالتصويب على المقاومة وكأنها جزء من تركيبة الفساد السائد لدى معظم المنظومة الحاكمة في البلاد، وغايتها لا تخفى على أحد وهو ضرب أي مشروع مناهض ومغاير لقوى تطلب الهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب وسلب ثرواتها وكسر إرداتها في تحقيق ما تصبو إليه من تحقيق لحرية وسيادة واستقلال.