سد النهضة.. بوابة 'إسرائيل' للتغلغل في دول حوض النيل

سد النهضة.. بوابة 'إسرائيل' للتغلغل في دول حوض النيل
الخميس ٠٧ نوفمبر ٢٠١٩ - ٠٩:٤٠ بتوقيت غرينتش

بينما تداولت وسائل إعلام إسرائيلية أخبارا بشأن مشاريع مياه وطاقة مشتركة بين تل أبيب والقاهرة، تناولت معاهد الأبحاث الأمنية والإستراتيجية بعمق أطماع "إسرائيل" في التغلغل بأفريقيا ودول حوض النيل في ظل أزمة سد النهضة.

العالم - أفريقيا

ومع إصرار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي تربطه علاقة وطيدة بنظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على إنشاء سد النهضة على النيل الأزرق، ظهرت مخاوف في مصر التي طلبت وساطة إسرائيلية لدى أديس أبابا لتفادي إمكانية أن تواجه أزمة ذات أبعاد تاريخية.

فالنقص المتزايد في المياه خلال العقود الأخيرة أجبر مصر على مواجهة مجموعة متنوعة من التحديات الناشئة عن هذه القضية والبحث عن حلول. ووفقا لباحثين إسرائيليين، فقد أثبتت مصر و"إسرائيل" خبرتهما في الترويج للقضايا التي لا ترتبط مباشرة بالأمن، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمصالح الاقتصادية الهامة.

توسيع التطبيع
ويتفق المحللون على أن انفتاح مصر على المساعدات الخارجية في التعامل مع أزمة المياه التي تعصف بها، إلى جانب الخط العملي الذي يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسي حول هذه القضية، يخلق إمكانية توسيع التطبيع بين تل أبيب والقاهرة.

ويعتقدون أن تل أبيب توظف أزمة سد النهضة لتعزيز نفوذها في أفريقيا وحلفها مع حكومة الرئيس السيسي، عبر توظيف المعرفة الإسرائيلية في مجالات إدارة المياه وإعادة التدوير وتحلية المياه والزراعة الصحراوية، إذ لديها القدرة على التعاون في مختلف المجالات التي قد تسهم في تعميق علاقات السلام بين البلدين.

وبشأن الحديث عن مشروع تزويد "إسرائيل" بمياه النيل عبر قنوات وخطوط من سيناء، استعرض الباحث بمعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب الدكتور أوفير فينطال طرح الرئيس الراحل أنور السادات عقب التوقيع على اتفاقية كامب ديفد، فكرة الترويج لمشروع تدفق مياه النيل من مصر إلى "إسرائيل" كبادرة لتقريب "القلوب" بين الشعب المصرص والمستوطنين.

وعلى الرغم من أن طرح السادات حينها كان على سبيل المزاح، يعتقد فينطال أن الظروف الإقليمية اليوم تتيح للبلدين فرصة لإحياء هذه الرؤية والفكرة التي تم التحفظ عليها في القاهرة، مبينا أنه يجب على "إسرائيل" تشجيع المبادرة والعمل في مجال المياه مع الوزارات الحكومية ذات الصلة، إلى جانب شركات القطاع الخاص ورجال الأعمال.

وأوضح أن مشاركة تل أبيب والقاهرة للاعبين إقليميين آخرين مثل الأردن والسعودية والسلطة الفلسطينية في المشاريع الإسرائيلية المصرية بمجالات المياه والطاقة، قد تضيف إليهم قيمة وتزيد من فرص نجاحها.

ويرى الباحث الإسرائيلي أنه بمجرد الانتهاء من بناء السد الذي تم الشروع في تشييده عام 2013، سيكون أكبر سد في أفريقيا، وقد يكون له تأثير كبير على إمدادات المياه في مصر، علما بأن نحو 90% من مياه النيل التي تصب باتجاه مجرى النهر في مصر مصدرها النيل الأزرق، إذ تبلغ الحصة السنوية لمصر من مياه نهر النيل 55 مليار متر مكعب، بينما يحصل السودان على 18.5 مليارا.

ويعتقد نائب مدير معهد القدس للدراسات الإستراتيجية والأمنية الدكتور عيران ليرمان أن قضية سد النهضة تعتبر من أبرز القضايا الديناميكية الإقليمية المعقدة التي تشكل أبرز التحديات لاستقرار حكم ونظام السيسي في مصر.

وقد يضع سد النهضة مصير اتفاقية مياه النيل لعام 1929 أمام الكثير من علامات الاستفهام، ويرجح ليرمان أن السيسي من خلال الوساطة الدولية لدى إثيوبيا والمباحثات الثلاثية بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا في واشنطن، يسعى جاهدا لخلق جو أكثر ودية مع إثيوبيا بشأن مستقبل السد.

وخلافا لموقف الرئيس الراحل محمد مرسي الذي هدد بالحرب واستعمال القوة العسكرية لضمان أمن المياه القومي لمصر إذا أقدمت إثيوبيا على منع جريان المياه في النهر، يقول ليرمان إن "السيسي العسكري ركز على المسار الدبلوماسي بالشروع في محادثات حول ملء خزان السد"، وتم تعيين مستشارين أجانب لتقييم تأثير هذه الخطوة الأحادية من قبل أديس أبابا.

وضع فريد
وفيما يتعلق بإمدادات المياه في مصر، فإن "إسرائيل" في وضع فريد يمكّنها من تقديم الدعم والمساعدة، إذ سبق أن تعاونت تل أبيب مع القاهرة في قضايا التنمية الزراعية من قبل. وتكون الحلول مشاريع إسرائيلية لتحلية المياه وإعادة تدويرها في سيناء والبحر الأحمر، إذ يمكن التغلب على أي معارضة لذلك بذريعة التطبيع مع "إسرائيل"، من خلال وساطة دولة ثالثة وبمساعدة مبادرات التعاون المتوسطي، حسب ليرمان.

ودخلت "إسرائيل" الصراع على مياه النيل في أفريقيا من بابه الواسع مستغلة التغييرات الإقليمية، حسب الباحث في معهد "متفيم" لدراسات السياسة الخارجية لـ"إسرائيل" في الشرق الأوسط موشيه طرديمان الذي يرجح أن القاهرة طلبت من تل أبيب التدخل لدى أديس أبابا للتسوية والإبقاء على كامل الحصة السنوية لمصر من مياه النهر.

ويرى الباحث الإسرائيلي أن المعركة الثالثة والأخيرة بين دول حوض النيل -مصر والسودان وإريتريا وإثيوبيا- تدور حاليا، وأن القاهرة طلبت من تل أبيب ممارسة نفوذها على إثيوبيا ومساعدتها في حلحلة الأزمة.

ويؤكد طرديمان أن وضع "إسرائيل" في حوض النيل والبحر الأحمر هو الأفضل من أي وقت مضى، إذ عززت تل أبيب نفوذها السياسي والعسكري والاستخباراتي، ودورها ككيان اقليمي، مبينا أنه في ظل أزمة سد النهضة ولأول مرة في التاريخ، تحافظ "إسرائيل" على علاقات دبلوماسية كاملة أو اتصالات سرية بمستوى واحد مع جميع بلدان البحر الأحمر، باستثناء اليمن.

الجزيرة