وسط مخاوف من تكرارها.. حادثة الرياض تنسف احلام بن سلمان

وسط مخاوف من تكرارها.. حادثة الرياض تنسف احلام بن سلمان
الثلاثاء ١٢ نوفمبر ٢٠١٩ - ٠٥:٢٣ بتوقيت غرينتش

عملية الطعن التي جرت خلال عرض مسرحي بالعاصمة السعودية الرياض، في حادثة هي الأولى من نوعها منذ أن بدأت المملكة المحافظة سياستها الجديدة المتعارضة تماما مع ما كانت تنتهجه في السابق، اثارت مخاوف من تكرار هذه الحوادث وسط مسار تصادمي بين التيارات السياسية وانقسام اجتماعي حاد تشهده السعودية في ظل حكم ولي العهد محمد بن سلمان.

العالم - تقارير

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية، مساء الاثنين 11 نوفمبر/تشرين الثاني، مقاطع فيديو وصوراً تظهر رجلا وهو يهاجم ممثلين وممثلات كانوا يرتدون ملابس ضيقة ولامعة بعد اقتحامه عرضا مسرحيا في الرياض.

السلطات السعودية اعلنت انها اوقفت رجلا قام بطعن ثلاثة فنانين خلال عرض موسيقي في الرياض فيما بث التلفزيون الرسمي صورا للرجل وهو يقتحم خشبة المسرح في حديقة الملك عبدالله خلال عرض موسيقي لما بدا أنه فرقة أجنبية.

وقال متحدث باسم الشرطة أن الأجهزة الأمنية "تعاملت مع حالة اعتداء بالطعن على رجلين وامرأة من أعضاء فرقة مسرحية خلال تقديمهم عرضاً حيّاً لإحدى الفعاليات المقامة على مسرح حديقة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بحي الملز بالرياض".

وحديقة الملك عبدالله هي واحدة من المواقع التي تستضيف فعاليات موسم الرياض التي تستمر لشهرين، وهو جزء من حملة حكومية للترويج لسياسة الانفتاح التي ينتهجها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وكان محمد بن سلمان قد اتخذ سلسلة قرارات منذ وصوله الى السلطة في يونيو/ حزيران عام 2017، سمح بموجبها بإقامة المهرجانات والحفلات الموسيقية وجلب المغنين من شتى اقطار العالم مما يعتبر المنتقدون انه انفصال عن احكام الشريعة وينشر الاباحية التي تروج لها الثقافة الغربية ويشكل خروجا عن القيم الاخلاقية والتقاليد والاعراف التي يعتمدها المجتمع السعودي منذ عقود.

ويتعرض المنتقدون ومن بينهم دعاة وشيوخ لحملة اعتقالات شرسة وهجمات تطالهم عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فيما يحذر المراقبون من انها قد تزيد حالة الاحتقان في صفوف المعارضين الذين يجدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع السلطات.

ويرى المراقبون ان حادثة الطعن التي هي الأولى من نوعها منذ أن بدأت المملكة المحافظة بتخفيف القيود الموضوعة على ما يسمى الترفيه قد لا تكون الاخيرة في السعودية لأنها تمثل امتدادا للخط المحافظ الذي يرفض الرضوخ لما يطلق عليه بحالة التفسخ الاخلاقي التي تجسدت في الغناء والمرأة والاختلاط والحفلات الموسيقية الصاخبة.

الصدام بين التيارات السياسية في السعودية

واثار ما يسمى اصلاحات ابن سلمان غضب المحافظين في السعودية، لا سيّما هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر او ما يعرف بالحسبة التي تضفي الطابع الديني للملكة وتراجع نفوذها في السنوات الأخيرة خلف أضواء الهيئة التي تحمل شعار الترفيه، المتمثل بالحفلات الغنائية والمهرجانات، ما يعد الوجه المقابل تماما والمعاكس لهيئة الحسبة.

وفي عروض انطلقت منذ عامين، استضافت السعودية حفلات لفنانين عالميين مثل فرقة "بي تي اس" الكورية الجنوبية ومغنية البوب جانيست جاكسون ومغني الراب فيفتي سنت.

كما تداول رواد مواقع التواصل مقاطع فيديو لحفلات الرقص المختلط في السعودية، أثارت جدلا واسعا، وتساؤلات كثيرة حول الغاية منها، خصوصا أنها تأتي وسط انتقادات دولية للمملكة بانتهاكات لحقوق الإنسان وقمع منتقديها.

وكانت المملكة تحت المجهر في ما يتعلق بحقوق الإنسان منذ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي العام الماضي على أيدي سعوديين في اسطنبول.

ويقول الخبير في معهد البحوث للدراسات الأوروبية والأميركية كانتان دي بيمودان ومقره من اليونان، "الليبراليون والمحافظون في المملكة على مسار تصادمي، وهذا على الأرجح أشد ما يقلق المسؤولين السعوديين".

ويضيف "بعد هذا الهجوم يمكننا أن نتوقع حملة أكثر حدة ضد هؤلاء الذين يعارضون الدفع السعودي في مجال الترفيه".

ويحذر بعض المسؤولين السعوديين من أن إدخال مثل هذه الإصلاحات في مجتمع محافظ للغاية، ينطوي على مخاطر.

وكشف المحلل السعودي علي الشهابي ان السلطات اتخذت موقف المتشدد من الشيوخ والدعاة خشية تصريحات تحريضية ضد سياسة الانحلال الجديدة.

واصبح الشارع السعودي يشهد اعتقالات تعسفية بحق المنتقدين والدعاة لمجرد انتقادات وجهوها لما يسمى هيئة الترفيه، وقد اشارت مصادر تتبع احوال المعتقلين في السعودية ان السلطات اعتقلت في الآونة الاخيرة العديد من دعاة السعودية.

ونشر مسؤول هيئة الترفيه تركي آل الشيخ تهديداً علنياً على حسابه في "تويتر" ضد كل من يحاول أن ينتقد أو يبدي رأيه على مواقع التواصل بعمل هيئة الترفيه، واصفاً ذلك بـ "التجاوز على عمله".

وفي وقت سابق هذا العام، أبلغ نشطاء حقوقيون عن توقيف الداعية السعودي عمر المقبل بعد انتقاده هيئة الترفيه لاستضافتها مثل هذه الحفلات الموسيقية، قائلا إنهم "يمحون الهوية الأصلية للمجتمع السعودي".

الانقسام الاجتماعي في الشارع السعودي

وكانت السلطات السعودية قد أعلنت في 7 نوفمبر الحالي أنها ألقت القبض على ثلاثة شبّان رشوا مادة بيضاء على مجموعة من الفتيات أثناء عبورهن الشارع في منطقة تبوك.

وجاء ذلك بعد تداول نشطاء التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو من كاميرات المراقبة، وهي تظهر رش مادة مجهولة صوب الفتيات من سيارة أثناء عبورهن الشارع.

كما قام مجهولون، في 25 تشرين الاول/اكتوبر الماضي، بتحطيم تماثيل لهياكل بشرية عملاقة وضعتها هيئة الترفيه السعودية لدى افتتاح موسم الرياض في أحد شوارع العاصمة.

ويظهر مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي التمثال الضخم الذي يضم عدداً من الهياكل البشرية وقد تحطمت رؤوسها ولحقت بها أضرار أخرى.

وفي يوليو/تموز الماضي، تسبب الغضب الشعبي والرفض المتصاعد على مواقع التواصل الاجتماعي بإعلان مغنية الراب الأمريكية، التي توصف بالإباحية، نيكي ميناج انسحابها من حفل غنائي كان مقررا لها في السعودية.

وفي وقت ذكرت هيئة الترفيه السعودية أنها تخطط لتضخ 61 مليار دولار في هذا القطاع في العقود القادمة رغم مخاوف من ان يتحول الغضب الشعبي الناجم عن هذه الفعاليات الى هجمات وحوادث، يرى البعض في هذا الانفتاح الهائل الذي يقوده ولي العهد محمد بن سلمان تحت مسمى الترفيه محاولة لإسكات النقمة الشعبية على التراجع الاقتصادي وازدياد نسب البطالة في المملكة.