في الميزان الاميركي.. هذا جزاء من يحارب 'داعش'! 

في الميزان الاميركي.. هذا جزاء من يحارب 'داعش'! 
الإثنين ١٦ ديسمبر ٢٠١٩ - ٠٧:٣٣ بتوقيت غرينتش

منذ وصول الادارة الامريكية برئاسة دونالد ترامب الى سدة الحكم في الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني عام 2017، بدأت واشنطن تمارس بشكل فظ نزعة الهيمنة الاحادية على العالم من خلال شن الحروب الاقتصادية على الدول بهدف تركيعها.

العالم - كشكول

وفي سياق تطبيق هذه السياسة التي تعد انتهاكا للقانون الدولي، اعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على شخصيات عراقية بارزة بزعم ارتكابها انتهاكات لحقوق الانسان.

العقوبات التي كشفت عنها وزارة الخزانة الامريكية مؤخرا، استهدفت الشيخ قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، احدى فصائل الحشد الشعبي العراقي التي تشكلت بموجب فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقتها المرجعية الدينية في النجف الأشرف لمحاربة "داعش". كما شملت العقوبات ليث الخزعلي شقيق زعيم عصائب اهل الحق، ومدير أمن الحشد الشعبي حسين فالح اللامي.

الموقف العراقي الرسمي جاء منددا بهذه العقوبات، إذ عبر رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، عن استنكاره لإدراج اسماء قادة وشخصيات عراقية في قوائم العقوبات الامريكية. وقال في بيان، "رفضنا واستنكرنا ادراج اسماء قادة وشخصيات عراقية معروفة لها تاريخها ودورها السياسي بمحاربة "داعش" في قوائم عقوبات وممنوعات من قبل دول لنا معها علاقات واتفاقات".

نحن هنا، لسنا بصدد الكشف عن حيثيات قرارات ترامب التي تغيرت نسبيا في الشكل والمضمون مقارنة مع قرارات اسلافه إذ أن ترامب يعدّ أكثر الرؤساء الأمريكيين استخداما لسياسة الحصار والحظر ضد الدول وهو لم يستكمل بعد العام الثالث على دخوله البيت الابيض، وهذا الامر إن دل على شيء، فإنما يدل على أن ادارة ترامب استبدلت استراتيجية شن الحروب العسكرية التي اعتمدتها واشنطن خلال عدة عقود، بالحروب الاقتصادية لتحقيق مصالحها الاستكبارية على حساب الدول المستقلة وشعوبها الحرة نظرا للعجز الامريكي في تحقيق اي انجازات عسكرية في الميدان امام ارادة الشعوب ومقاومتها.

لكن ما ينبغي البت فيه هو اسباب ودلالات قرار ادارة ترامب بمعاقبة قيادات وشخصيات عراقية تنتمي الى الحشد الشعبي الذي لعب دورا بارزا ومحوريا في محاربة جماعة "داعش" الارهابية واجتثاث جذورها في العراق، الامر الذي يثير تساؤلات عدة كونه يتعارض ويتنافى تماما مع شعارات واشنطن حول ضرورة القضاء على جماعة "داعش" الارهابية واخواتها وقيام هذه الدولة بتشكيل تحالفات دولية تحت هذه الذريعة وفي إطار دعم جهود محاربة الارهاب.

وفي هذا السياق، ينبغي الانتباه الى عدة ملاحظات على سبيل المثال لا الحصر، ليتبين بأن الحرب الامريكية على "داعش" ليست سوى مسرحية تمثيلية هدفها تنفيذ المخططات والمؤامرات الخطيرة التي تحيكها امريكا وربيبتها "اسرائيل" بمساندة عملائهما ومرتزقتهما ضد الدول الاسلامية وشعوبها في منطقة الشرق الاوسط.

اولا.. منذ ظهور جماعة "داعش" التكفيرية التي نشأت بعد انهيار تنظيم "القاعدة" الام وتبلورت على هيئة تنظيم ارهابي أكثر عنفا ودموية، تحوم الشكوك حول الجهة التي قامت بتأسيس هذه الجماعة الارهابية وتمويلها، لكن مع إمعان النظر على الجرائم التي ارتكبتها "داعش"، والتي تصر على استخدام اعمال العنف والقتل والسبي بأسوأ اشكالها وتغطية هذه الجرائم على وسائل الاعلام الغربية بشكل واسع، يتكشف انها تهدف الى تشويه صورة الاسلام والدليل على ذلك انه تمت شيطنة المسلمين من خلال تسمية "داعش" على انها جماعة "إسلامية" وأن لها "دولة".

ثانيا.. بالرغم من تعدد مسمياتها تظل تلك الجماعات التكفيرية الارهابية بدءا بـ"القاعدة" ومرورا بـ"داعش" ووصولا بـ"جبهة النصرة".. الخ، ادوات صنعتها امريكا لاستخدامها في مشاريعها التدميرية في الدول الاسلامية ومنها مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي اطلقته واشنطن خلال الاعوام السابقة لنشر الفوضى الخلاقة وتغذية الحروب والصراعات لصرف الانظار عن العدو الرئيس لشعوب المنطقة كيان الاحتلال الاسرائيلي، قبل ان يفشل وتطلق مشروعها الجديد في ظل ادارة ترامب تحت مسمى "صفقة القرن" الرامية الى تصفية القضية الفلسطينية والاعتراف بالكيان الاسرائيلي كدولة ودفع دول المنطقة الى تطبيع العلاقات معها.

ثالثا.. الشاهد على كون "داعش" صنيعة أمريكية، هو اعترافات جاءت على لسان عدد من المسؤلين الامريكيين، وفي مقدمتهم سمسار البيت الابيض دونالد ترامب الذي قال صراحة خلال حملته في انتخابات الرئاسة الأمريكية قبل فوزه بالرئاسة إن سياسات الادارة الامريكية (باراك اوباما) أدت إلى خلق الأزمات وتزايد الصرعات في الشرق الاوسط، متهما اوباما ووزير خارجيته هيلاري كلينتون بأنهما وراء تأسيس جماعة "داعش". كلينتون هي الاخرى التي أقرت من جانبها وبوقاحة، ان "داعش" هي صنيعة أمريكية وكتبت في كتابها "خيارات صعبة"، أن الإدارة الأمريكية قامت بتأسيس "داعش"، لتقسيم منطقة الشرق الأوسط.

وفي ضوء هذه المعلومات، فيمكن الحديث وبأدلة قطعية أن واشنطن ليست معنية بمحاربة "داعش" الارهابية واخواتها بتاتا وأن الهدف من تشكيلها تحالفا مزعوما ضد "داعش" هو تغطية تواجدها العسكري في المنطقة والتدخل في شؤون دولها تحت مسمى مكافحة الارهاب. ومن هذا المنطلق فان اسباب معاقبة من شاركوا في محاربة "داعش" في العراق واضطلعوا بدور قيادي في القضاء عليها تكون واضحة وضوح النهار ولا يبقى مجال للشك او الاستغراب من فرض الادارة الامريكية عقوبات على قياديين في الحشد الشعبي الذي تتألف قوته من مكونات الشعب العراقي.

ومن الواضح ان واشنطن، توصلت الى نتيجة مفادها انه من الصعب هزيمة محور المقاومة في العراق من خلال الحروب العسكرية التي تمثلت في الاشهر الماضية بقصف مواقع ومعسكرات الحشد الشعبي عبر تعاون عملاء امريكا في المخابرات العراقية، لذلك لجأت الى تفعيل مخطط تنفيذ العقوبات على قادة ومقاتلي الحشد الشعبي ومحور المقاومة بذرائع واهية حسب المعطيات الجديدة.

وما كان للمخطط الامريكي هذا ان يرى النور، لولا وجود المجرمين من بقايا "داعش" وايتام "صدام المقبور"، كما نشهد اليوم حضورهم ونشاطهم الخطير وهم يمتطون موجة التظاهرات المطلبية المحقة للشعب العراقي ومحاولة حرفها عن مسارها الحقيقي وتحويلها الى مظاهر للعنف والدمار والفوضى، وفي نهاية المطاف تحميل مسؤوليتها على ابناء الشعب العراقي.

وفي الختام، يجب على الامريكيين واذنابهم في العراق ان يعرفوا ان الشعب العراقي عصي على الارهاب والدواعش بوعيه وبصيرته الفائقة في مواجهة مؤامرات الاعداء وبفضل توجيهات المرجعية الدينية التي لم تتخل يوما عن العراق والعراقيين وخير دليل على ذلك هو استقبال المرجع آية الله السيد علي السيستاني في منزله بالنجف الاشرف، عددا من جرحى الجيش العراقي وتبادل الحديث معهم وخصهم بعنايته والتقاط الصور معهم تكريما لهم، وذلك بمناسبة الذكرى الثانية لاعلان بيان النصر على جماعة "داعش" الارهابية.

ابراهيم علي