طموح وآفاق... مشهد سياسي جديد بانتقال تاريخي للسلطة في موريتانيا

طموح وآفاق... مشهد سياسي جديد بانتقال تاريخي للسلطة في موريتانيا
الأحد ٢٢ ديسمبر ٢٠١٩ - ٠٥:٤١ بتوقيت غرينتش

مرت أحداث موريتانيا لعام 2019 بمحطات سياسية كان محورها الأساسي دخول البلاد إلى عهد جديد بإنجاز حلم التناوب السلمي على السلطة، واستلام الرئيس الغزواني للحكم.

العالم - موريتانيا

وانطلقت تحضيرات العهدة الرئاسية الحالية للغزواني، مع الأسابيع الأولى لعام 2019، بإعلانه مرشحا للحزب الحاكم، مرورا بمحطة انتخابات واقتراع يونيو/حزيران الرئاسي، وتنصيبه رئيسا جديدا للبلاد مطلع أغسطس/آب 2019، وصولا لحراك وتجاذبات الحزب الحاكم حول ما يعرف بـ"المرجعية".

وما بين بدء الغزواني أولى خطواته لدخول القصر الرئاسي مطلع عام 2019، وانتهاء بانتخاب قيادة للحزب الحاكم المزمع في الـ29 ديسمبر/كانون الأول الجاري، محطات سياسية، كان أهمها المشاورات بين الغزواني ومرشحي وقادة المعارضة التي كان عنوانها تطبيع الحياة السياسية، واستعادة الثقة بين مختلف الأطراف.

الفريق الحكومي

خطوة التنصيب واستلام المهام من طرف الغزواني أشفعت سريعا بالإعلان عن تشكيل فريقه الحكومي برئاسة وزيره الأول، إسماعيل بده الشيخ سيديا، القيادي في الأغلبية، والوزير السابق وخبير الاقتصاد القادم حديثا من العمل بمؤسسات دولية.

حكومة ضمت 25 وزيرا رأى المراقبون أنها مثلت محاولة للجمع بين الالتزام بالتوازنات الاجتماعية ومبدأ الكفاءة والخبرة في تسيير القطاعات الوزارية.

وميز الحكومة الجديدة غياب الاهتمام بالتمثيل السياسي في خطوة رآها البعض سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ موريتانيا تكرس توجها جديدا للتعاطي مع الشأن العام.

بيان للحكومة الجديدة بعد أول اجتماع لها برئاسة الغزواني ووزيره الأول شهر أغسطس/آب الماضي، أكد هذا التوجه والمعايير الجديدة في تشكيل الحكومة، مشددا على "أنها حكومة كفاءات مكلفة بالعمل على تنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس، وستمنح الصلاحيات والإمكانيات المناسبة، وسيحمل أعضاؤها المسؤولية الكاملة".

وأوضح البيان نفسه أن الرئيس الغزواني حث الحكومة على المبادرة باتخاذ التدابير الناجحة اللازمة من أجل تحقيق تحسن سريع وملموس في ظروف معيشة المواطنين، خاصة في القطاعات الحيوية الأكثر مساسا بذوي الدخل المحدود.

وكما كسبت الحكومة سريعا رضا جميع الأطراف المشكلة للأغلبية بما فيها الحزب الحاكم، تمكنت الحكومة أيضا بسهولة أكبر من نيل ثقة البرلمان بأغلبية ساحقة بفضل سيطرة هذا الحزب على الأغلبية البرلمانية.

خطوة مثلت فاتحة عهد جديد أمام الحكومة لممارسة مهامها على أرض سياسية مدعمة بأغلبية برلمانية، وشرعية انتخابية شعبية أفرزتها صناديق اقتراع انتخاب الرئيس الغزواني الذي أعلن تشكيل هذه الحكومة ووزيرها الأول.

وفيما كانت الخطوات تتلاحق لتوطيد بناء مسار مرحلة استلام الغزواني للرئاسة إداريا وفنيا، كان ترتيب البيت الداخلي لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم يجري في مسار موازٍ مانحا القوة والدعم للغزواني ومقدما الذراع السياسية للرئيس الجديد.

الحزب لم يفوّت فرصة لتجديد هذا الدعم للغزواني عبر قياداته وأطره المنتخبة منذ إعلان دعم الرئيس الغزواني إبان مرحلة الترشح، مرورا برضاه عن تشكيل الحكومة، وصولا لاعتبار البرنامج السياسي للغزواني "مرجعيته" الحصرية والوحيدة.

متطلبات مواكبة الغزواني سياسيا من طرف حزب الاتحاد من أجل الجمهورية لم تقتصر على إعلان الدعم في أكثر من مناسبة، بل تضمنت تنظيم لقاءات بين قيادات الحزب والأغلبية لوضع تصور جديد يعزز من انخراط الحزب بشكل أكبر في دعم الغزواني، أو ما سمي بـ"تشكيل ذراع سياسية" للغزواني.

ورغم ما شهدته الفترة الأخيرة من تجاذبات حول المرجعية، على خلفية حضور الرئيس السابق ولد عبدالعزيز لاجتماع لجنة تسيير الحزب، الذي لقي معارضة قوية من قيادات الحزب ومنتخبيه؛ فإن هذا الإجماع ظل منعقدا داخل الحزب على دعم الغزواني.

إجماع ووحدة صف خلف الغزواني سيتعززان أكثر ويتوطدان عند انتخاب الحزب الحاكم لقيادة جديدة خلال المؤتمر العام المنتظر في الـ29 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ليبدأ بذلك مرحلة جديد في مسار دعم الحزب للرئيس الغزواني وتوجها جديدا من الحزب لترتيب بيته الداخلي، وتحديث آليته وفق متطلبات هذه المرحلة، ليظل كما كان الحزب الأكبر في البلاد، والأكثر تمثيلا في البرلمان والمجالس المحلية.

آفاق 2020

يعطي أسلوب التعاطي الرسمي الموريتاني مع القضايا السياسية الراهنة مع نهاية عام 2019 بالساحة السياسية الموريتانية فكرة عن ملامح استشراف آفاق عام 2020 بالنسبة للبلاد.

أسلوب يكشف عن استمرار التوجه خلال 2020 في نهج سياسي يطبعه الهدوء وانفتاح الفرقاء السياسيين تجاه بعضهم بعضا، وكذلك بروز أغلبية سياسية حاكمة تحرص على بقائها متماسكة حول نواتها المركزية المتمثلة في الحزب الحاكم، بالإضافة إلى ميلاد نهج جديد ينحو نحو تحييد التأزيم والصراع السياسي، لصالح الاهتمام أكثر بالسياسات التنموية ومعالجة الاختلالات الاجتماعية.

وهو ما يتجسد في استمرار وتيرة اللقاءات الدورية بين الغزواني وقادة المعارضة، ونهج التشاور معهم وإشراكهم في مختلف القضايا والمستجدات التي تهم الساحة الوطنية.