الاتفاق النووي..

الاوروبيون بين مطرقة المصداقية وسندان الاملاءات الاميركية 

الاوروبيون بين مطرقة المصداقية وسندان الاملاءات الاميركية 
الثلاثاء ٠٤ فبراير ٢٠٢٠ - ٠٦:٠٨ بتوقيت غرينتش

حتى لا نبخس زيارة منسق السياسة الخارجية الاوروبية جوزيف بوريل الى ايران حقها، من المنصف القول انها تحمل اشارات ايجابية وان لم تصل الى حد البناء عليها لمرحلة قادمة بعد ما شهدته الفترة التي اعقبت تنصل الولايات المتحدة من التزاماتها في الاتفاق النووي. 

العالم - كشكول

اتت زيارة بوريل الى طهران بعد تطورات ليست بالعادية في الملف. فايران كانت اعلنت انتهاء الخطوات التي اتخذتها لخفض التزاماتها في الاتفاق النووي. والدول الاوروبية الثلاث الكبرى (المانيا فرنسا بريطانيا) اعلنت تفعيل ما يعرف بآلية فض النزاع الخاصة بالاتفاق والتي تمهد لاحالة الملف الى مجلس الامن الدولي. لترد ايران محذرة من خيار انهيار الاتفاق النووي نهائيا في حال ذهبت الدول الاوروبية الثلاث في هذا الاتجاه. كل ذلك ترافق مع تهديد اميركي للاوروبيين بفرض عقوبات عليهم في حال الاستمرار في الاتفاق النووي.

على ضوء هذه المستجدات جاءت زيارة بوريل، الذي من الواضح انه لم يصل الى طهران لطرح مطالب واسئلة على الايرانيين. بل اتى ليسمع مطالب ايران مقابل العودة الى ما قبل الثامن من ايار مايو (تاريخ تنصل دونالد ترامب من الاتفاق). فبالنسبة للايرانيين لا قديم يعاد ولا جديد يذكر بالنسبة لموقفهم من مستجدات الملف النووي. فالغاء اجراءات الحظر الاميركية وتعويض طهران عن الخسائر الناتجة عن هذه الاجراءات هي الخطوة الاولى التي يجب ان تتخذها واشنطن لتعود ايران في المقابل عن اجراءات خفض الالتزام بالاتفاق النووي. وعليه فان بوريل لم يسمع موقفا مغايرا لما سبق.

اما بالنسبة للطرف الاوروبي، فان الايرانيين لا يرغبون باي قديم يعاد، بل بسماع جديد يذكر بالنسبة لموقف الدول الاوروبية التي ما زالت رهينة للضغوطات الاميركية ولم تقدم اي خطوة او اجراء جدي وفعلي وملموس لطمانة طهران بالنسبة للاتفاق النووي. وهو ما سمعه بوريل حتى قبل وصوله الى طهران، حيث اعتبرت الخارجية الايرانية ان موقف الاوروبيين وعدم تقديمهم ما يطمئن يدل على عجزهم امام الاميركي. وعليه فان ما يبنى عليه في المرحلة المقبلة هو ما يستطيع الاوروبيون تقديمه، وما يجب ان يكون مختلفا عن السابق. والخطوة الاولى يمكن ان تكون تفعيل الية اينستكس والتي ستمهد فعليا لعملية اعادة الثقة بالطرف الاوروبي. وهو ما يحتاجه الاوروبيون الذين باتوا يدركون جيدا ان تعاطيهم مع قضايا اخرى ودول اخرى في المنطقة لا يمكن تطبيقه مع ايران، وان المطلوب في الحالة الايرانية خطوات جدية بعيدا عن الابتزاز والترهيب والترغيب. خاصة وان ايران ما زالت تؤكد استعدادها للعودة عن خفض التزامها في حال وفاء الاوروبيين بالتزاماتهم.

لكن الامر لا يتوقف على اثبات النية الحسنة لدى الاوروبيين. فهذه النية الحسنة وان وجدت امامها عقبة تتمثل بالضغوط الاميركية والتهديد بفرض عقوبات على الدول الاوروبية المعنية بالاتفاق النووي. وهنا تجدر الاشارة الى وجود رغبة اوروبية بالابتعاد عن الموقف الاميركي حيال الاتفاق النووي خصوصا، لكن المصالح الاقتصادية والضغوط الهائلة التي يتعرض لها هؤلاء تضعهم في موقف حرج، بحيث يعلمون من جهة ان ايران التزمت بكامل تعهداتها في الاتفاق وبشهادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وطبقا لبرنامج المراقبة الذي وضعته للاشراف على تنفيذ الاتفاق النووي (وهو يعتبر من اكثر برامج المراقبة صرامة لدى الوكالة). كما يعلمون من جهة ثانية ان تماهيهم الكامل مع واشنطن لن يؤمن لهم مكاسب اكثر من تفادي العقوبات الاميركية.

وبناء عليه يجب على الاوروبيين ادراك حقيقة انهم باتوا بين مطرقة اثبات مصداقيتهم فعلا وليس كلاما وبيانات، وبين سندان العقوبات الاميركية والاملاءات التي تفرضها واشنطن عليهم. فايهما سيكون الخيار النهائي؟ هذا الامر يقرره الاوروبيون وحدهم.

حسين موسوي