عطوان يجيب.. ما هي احتمالات نشوب حرب روسية تركية سورية مباشرة؟

عطوان يجيب.. ما هي احتمالات نشوب حرب روسية تركية سورية مباشرة؟
الأربعاء ٠٥ فبراير ٢٠٢٠ - ٠٥:١٥ بتوقيت غرينتش

أمهل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحكومة السورية حتى نهاية شهر شباط (فبراير) الحالي لسحب قواتها من محيط نقاط المراقبة التي أقامتها أنقرة في شمال غرب سورية، فجاء الرد "ميدانيا" وسريعا باستمرار تقدم قوات الجيش العربي السوري في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وسيطرتها على 20 بلدة وقرية خلال 24 ساعة، ووصولها إلى أطراف مدينة سراقب الاستراتيجية التي تحاصرها من ثلاث جهات، حسب تقرير للمرصد السوري الموالي للمعارضة.

العالم - مقالات وتحلیلات

يبدو أن الرئيس أردوغان ينسى، أن منطقة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة) المصنفة على قوائم الإرهاب، هي أرض سورية، وليست أراضي تركية، وأن من حق الجيش العربي السوري استعادتها إلى سيادة الدولة، تماما مثلما هو حق الجيش التركي في التصدي لقوات المعارضة الكردية الانفصالية، ومنعها من تحقيق مخططاتها في زعزعة استقرار البلاد.

مصدر عسكري سوري أكد اليوم في بيان رسمي "أن وجود القوات التركية على الأرض السورية غير قانوني، ويشكل عملا عدوانيا صارخا، وأن القوات السورية المسلحة على أتم الاستعداد للرد الفوري على أي اعتداء لهذه القوات".

الرئيس أردوغان يقول إنه أبلغ الرئيس فلاديمير بوتين أن بلاده سترد بأكبر قدر ممكن من الحزم في حال تعرضت قواتها لهجوم جديد من قبل الجيش السوري"، أثناء اتصال هاتفي معه، ولكنه لم يقل كيف كان رد الرئيس الروسي على هذا التهديد، ومن المرجح أن يكون رافضا لمثل هذه التهديدات، فروسيا هي التي أعطت الضوء الأخضر للجيش العربي السوري لبدء الهجوم.

***

الرئيس بوتين صبر أكثر من 18 شهرا على نظيره التركي، الذي تعهد بتنفيذ اتفاق سوتشي الموقع في أيلول (سبتمبر) عام 2018، ومن أبرز نصوصه الفصل بين الجماعات الإرهابية الأخرى غير الإرهابية، وعودة مدينة إدلب إلى السيادة السورية، ولكن الرئيس أردوغان لم يلتزم بالاتفاق وينفذ تعهداته المذكورة آنفا، واستمر في المماطلة في محاولة لكسب الوقت.

الجانبان الروسي والسوري التزما بالاتفاق، بما في ذلك السماح بإقامة 12 نقطة مراقبة عسكرية تركية في إدلب وريفها، والأهم من ذلك أن الروس بددوا كل مخاوف الرئيس أردوغان على أمنه القومي عندما أبعدوا الجماعات الكردية المسلحة عن الحدود التركية الجنوبية، ولكن الجانب التركي لم يلتزم من جانبه بتعهداته، وشنت قوات تابعة لهيئة تحرير الشام هجمات بالطائرات المسيرة على قاعدة حميميم الجوية الروسية قرب اللاذقية، الأمر الذي أثار غضب القيادة الروسية.

مشكلة الرئيس أردوغان الحالية المتفاقمة هي مع روسيا، أكثر مما هي مع القيادة السورية، وزاد منها تعقيدا عندما رد على اتهامه لروسيا بعدم وقف الهجوم السوري على إدلب وريفها بالذهاب إلى أوكرانيا ولقاء رئيسها، وبيع صفقة طائرات مسيرة لقواتها المسلحة بحوالي 200 مليون ليرة تركية، وأيد عودة إقليم القرم التي ضمتها روسيا للسيادة الأوكرانية هاتفا بأعلى صوته بـ"المجد لأوكرانيا" وهو الهتاف الذي يجسد قمة العداء لروسيا، في نكاية واستفزاز صريح للحلفاء الروس، يعتقد الكثير من المراقبين أنه استفزاز متسرع وفي التوقيت الخطأ، سيصعد التوتر مع روسيا، ويعطي نتائج سلبية في نهاية المطاف.

من الواضح أن الرئيس أردوغان، بتصعيد الخلاف مع روسيا، يحاول اللعب على ورقة التناقضات بينها وبين الولايات المتحدة، وهذا ما يفسر مسارعة مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي إلى دعم الموقف التركي في إدلب، ولكن إدارة ترامب لن تكون حليفة للرئيس أردوغان، وتريد إضعافه لا نصرته، ودق إسفين الخلاف بينه وبين حليفه الروسي الجديد الذي زوده بمنظومات صواريخ "إس 400" وهرع لنجدته عندما انهار الاقتصاد التركي بفعل الحصار الأمريكي، وتزايد التفجيرات الإرهابية في المناطق السياحية التركية، لحرمان تركيا أمن دخل سياحي يصل إلى 35 مليار دولار سنويا.

الرئيس أردوغان يقول إن قواته المتواجدة في سورية، أو تلك التي يهدد بإرسالها لمنع سيطرة الجيش العربي السوري على مدينة إدلب تأتي في إطار اتفاق أضنة عام 1998 الذي يبيح لها التواجد على الأراضي السورية، ولكنه ينسى، ويبدو أنه كثير النسيان هذه الأيام، أنه انتهك هذه الاتفاقية عام 2011 عندما دعم قوات المعارضة المسلحة، وسهل مرور عشرات الآلاف من المقاتلين عبر الأراضي التركية، وتعهد في أكثر من خطاب وتصريح "بإسقاط النظام السوري"، شريكه في هذا الاتفاق.

الرئيس بوتين عرض على الرئيس أردوغان أكثر من مرة إحياء اتفاق أضنة الذي يحمي مصالح الجانبين التركي والسوري، وأمنهما القومي، وأول نصوصه عدم السماح للجماعات الإرهابية، أو دعمها لزعزعة استقرار البلدين، ولكن الرئيس أردوغان هو من رفض هذا العرض الروسي.

لا نعرف كيف سيتطور الخلاف الروسي التركي، ولكن ما نعرفه أن الرئيس بوتين الذي يقف خلف هذا الهجوم الذي يشنه الجيش العربي السوري ويدعمه لاستعادة إدلب وريفها، كما أن سلاح الجو الروسي الذي يوفر له الغطاء ويسيطر على الأجواء السورية بالكامل، مما يعني أنه سيتصدى لأي غارات جوية تركية لضرب القوات السورية المتقدمة.

نتائج تفاقم هذا الخلاف سيؤدي إلى انعكاسات خطيرة على مصالح تركيا، خاصة بعد تجاوز الرئيس أردوغان لكل الخطوط الحمر بزيارته لأوكرانيا، وإغضاب معظم دول حوض البحر المتوسط بإرسال أكثر من 4700 مقاتل بعضهم ينتمي إلى حركات وفصائل إسلامية متشددة للقتال في ليبيا، ونجح حوالي 1000 منهم في الهجرة إلى أوروبا، حسب تقارير وكالة "إسوشيتد برس" العالمية، فحجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا يقترب من 70 مليار دولار سنويا، وهناك خمسة ملايين سائح روسي يزورون المنتجعات التركية كل عام، علاوة على خط أنابيب غاز السيل التركي الروسي الذي جرى افتتاحه أخيرا ويسد 55 بالمئة من احتياجات تركيا من الغاز.

***

إحياء اتفاق أضنة هو المخرج الوحيد للجانبين السوري والتركي من هذه الأزمة، وتجنيب الرئيس أردوغان الكثير من المشاكل والأزمات، خاصة أن السوريين رحبوا بالعرض الروسي في هذا الإطار، ولكن إحياء هذا الاتفاق يتطلب لقاءات تركية سورية على كافة المستويات، والقمة خاصة، وهو ما يتهرب منه الرئيس التركي حتى الآن، وما هو مطلوب من الرئيس أردوغان تقديم مصالح تركيا الاستراتيجية على مشاعره الشخصية تجاه الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته، والإبقاء على علاقاته التحالفية مع روسيا، وأي خيار آخر يعني المزيد من الخسائر، وانتقال الحرب في سورية من حرب بالإنابة إلى حرب مباشرة لن تكون نتائجها في مصلحة تركيا، ناهيك عن مصلحة الحزب الحاكم وأردوغان شخصيا، أما سورية فليس لديها الكثير ما يمكن أن تخسره ولا يجب إغفال الدعم الروسي الإيراني لها، ووقوف مصر ودول خليجية الوشيك في خندقها.. والله أعلم.

* عبد الباري عطوان