أخطاء شائعة عن معالم تاريخية سورية.. تعرف عليها

أخطاء شائعة عن معالم تاريخية سورية.. تعرف عليها
الخميس ٠٩ أبريل ٢٠٢٠ - ٠٣:١٤ بتوقيت غرينتش

اشتهرت الدولة العثمانية بقوات الإنكشارية التي تكوّنت بالدرجة الأولى، من أولاد مسيحيين تم جمعهم خلال الغزوات والمعارك، حيث كان يتم أخذ الأطفال من أهاليهم، بموجب نظام يدعى (الدفشرية)، فيما سمي “ضريبة الأبناء “وكانت تجري عملية جمع الغلمان المجندين بشكل دوري كل ثلاث أو أربع سنوات، فيتم فصلهم عن ذويهم وأصولهم وتربيتهم وإعادة برمجتهم وإطلاقهم في ساحات القتال التي قد تستهدف ذويهم الذين انفصلوا عنهم.

العالم- سوريا

في سوريا يعاني الإنسان السوري إجمالا، بحكم علاقته القاصرة مع تاريخه من نظام (الدفشرية)، فهو منفصل عن أصوله ومبرمج بشكل يهيّئه ليكون خصما لانتماءاته وهويته، لذلك كان من السهل قبوله لمعلومات شائعة خاطئة عن تاريخ المناطق التي يعيش فيها أو يزورها أو ينتمي إليها، ونستعرض منها:

يعتقد كثيرون أن “حصن سليمان” في محافظة طرطوس، يعود إلى أصول يهودية، وفقا لهذه التسمية الغامضة وغير المعروف متى وكيف ألصقت بهذا المكان الأثري، طبعا أصبح من الثابت اليوم أن هذه التسمية خاطئة وملفقة، خاصة بعد تجاوز الرواية التوراتية للتاريخ، وأن الاسم الحقيقي هو “معبد خيخي” وهو معبد آرامي لا صلة لليهود به.

كما يسود الاعتقاد لدى العامة (من خلال ملاحظة شخصية)، أن ملعب عمريت هو “ملعب روماني” وتجري هذه المقولة على الألسن فيما يشبه المعلومة البديهية التي لا تحتمل التدقيق، طبعا صار معروفا اليوم وفق الدراسات المختلفة (كتاب نسيب صليبي عن عمريت، وكذلك كتاب محمد رئيف هيكل) أن هذا الملعب فينيقي وقد تم بناؤه في منتصف الألف الثاني ق.م قبل أن ينقل الفينيقيون تقاليدهم الاجتماعية والدينية والفنية إلى مستعمراتهم في الجزر اليونانية بعدة قرون، كما أنه سابق للغزو الروماني لمنطقتنا بحوالي ألف عام.

هناك مقالات كثيرة تتحدث عن حي القنوات في دمشق (تنتشر بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي وخارجها)، وأغلبها ينسب اسم الحي إلى “قناة رومانية محمولة على قناطر حجرية تتم من خلالها سقاية المدينة القديمة”، مع العلم أن دمشق ونظامها المائي يعودان وفق المراجع التاريخية إلى زمن سابق لمجيء الرومان بآلاف السنين، بما في ذلك القناة المحمولة على الأعمدة الحجرية، التي تمتد خلال أسوار دمشق ما يعني أنها بنيت بالتزامن أو قبل بناء أسوار المدينة في العهد الآرامي، لاحقا أجرى الرومان بعد دخولهم دمشق ترميما لها لا أكثر، كما رمّموا وكرّسوا معبد حدد ليصبح معبدا للإله الروماني جوبيتر (الجامع الأموي لاحقا)، لكنهم لم يبنوا القناة الحجرية كما لم يبنوا المعبد.

وفي مدينة بانياس على الساحل السوري يوجد بقايا قنوات فخارية ضخمة تصل نهر بانياس بقناتي ري وسقاية تتفرّعان ضمن مدينة بانياس، وكانتا لا تزالان قائمتين حتى مجيء الفرنسيين، كذلك هناك صورة عامة مضللة حول الأصول الرومانية لهذه الأقنية التي تمثّل نظام هيدروليكي متقدم، مع العلم أن بانياس وفق الأب الياس يعقوب في كتابه “خراب مرقية-عكاز الساحل” هو تحوير يوناني للاسم الآرامي “بلانيا”، وتعني الحمامات أي أن بانياس وقنواتها الفخارية وأنظمة الاستحمام والري والسقاية فيها سابقة لليونانيين وللرومان أيضا، خاصة وأن هناك الكثير من الحمامات الأثرية لا تزال قائمة على ضفاف نهر بانياس في وادي ينحدر عن جبل قلعة المرقب شمالا.

وحول مدينة حرّان (المحتلة) ودورها كمركز للفلسفة خلال الفترة الهلنستية والرومانية والإسلامية إلى حد ما، يشاع أن حران اكتسبت أهميتها باعتبار أن الفلسفة اليونانية الاسكندرانية استوطنت فيها بعد أن حاصر انتشار المسيحية في الإمبراطورية الرومانية الفلاسفة، وبعد عزل الإسكندرية عن محيطها المتوسطي نتيجة الفتح الإسلامي لمصر، الجانب المهم الذي يجري القفز فوقه على الدوام هو أن المدارس الفلسفية اليونانية نبتت وأينعت اعتمادا على الفلسفات المشرقية القديمة، التي تتلمذ على يدها كبار فلاسفة اليونان كفيثاغورس وأفلاطون وزينون (الذي مات متمسكا بفينيقيته) وفق الدكتور فؤاد زكريا في كتابه “التفكير العلمي”، وعلى منوال الفلسفة اليونانية ونبوغها كالفطر من دون أرضية مشرقية يتداول الكثيرون، نخبا وعامة، الحديث عن الديمقراطية اليونانية التي ظهرت فجأة في القرن الخامس ق.م، وهي إشاعة زائفة كذلك الأمر فنّدها المؤرخ يوسف الحوراني في كتابه “لبنان في قيم تاريخه” مرجعا إياها إلى تأثيرات فينيقية .

في المجمل أن كل هذه المحطات إذا ارتصفت معا تضعنا على مسار يفضي إلى حقيقة فقدان الثقة، الضياع، الانسلاخ عن الذاكرة، حتى نكاد نتحول إلى جنود انكشاريين اختطفتنا التحولات الدرامية العنيفة من أحضان انتماءاتنا العميقة، وأعادت برمجتنا لنكون ناكرين لتلك الانتماءات.