ماذا يجري في لبنان؟

ماذا يجري في لبنان؟
الجمعة ٢٤ أبريل ٢٠٢٠ - ٠٨:٢١ بتوقيت غرينتش

بعد غياب التحركات الشعبية في لبنان بسبب أزمة كورونا  شهدت الشوارع في بيروت وبعض المناطق في الساعات الأخيرة تظاهرات و الاعتصامات احتجاجا على تدني سعر الليرة اللبنانية امام الدولار ألاميركي ما يهدد بانفجار اجتماعي قد يؤدي الى الفوضى كما حذرت شخصيات سياسية و اعلامية.

العالم_لبنان

معركة عودة الحريرو رأي العديد من الصحف اللبنانية و المواقع الاخبارية اليوم الجمعة أن مسؤولية تدهور السعر الليرة تعود الى سياسة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة و المصارف و الصيارفة الذين يتحكمون باسعار العملات.

فيما رأى البعض أن هدف اللعب بسعر العملة المحلية هو اسقاط حكومة "حسان دياب" و تحميلة المسؤولية تمهيدا لدفعها للاستقالة و عودة سعد الحريري رئيس الحكومة السابق.

وحسب موقع النشرة الاخبارية عادت محركات رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الى الدوران، وفي حين انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يزال متحمساً لعودته، وسيكسب دون شك تعاطف رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط ايضاً، وقد ينجح مجدداً في استمالة القوات اللبنانية وبعض الاحزاب الاخرى، فإنّه يصطدم بممانعة قويّة من رئيس الجمهورية وعدد من الاحزاب، فيما يبدو حزب الله اكثر حذراً في تبنّي هذا الخيار مجدداً، لانه سيعني حتماً فتح مواجهات سيّاسية مع اطراف لا يرغب في خوض معارك مجانيّة معها، كما انه سيظهر امام جمهوره وكأنه فشل في تحقيق بدايات موعودة ل​تعبيد طريق الاصلاح و​محاربة الفساد.

هذا في الداخل، اما في الخارج فقضيّة اخرى، لان وباء كورونا قلب الامور رأساً على عقب في مواضيع حساسة، وبات الاهتمام منصباً على معالجة الاوضاع الداخليّة للدول خصوصاً منها الكبيرة والمؤثّرة، وحتى شروط الولايات المتحدة الاميركيّة لمساعدة لبنان لم تعد تمثل الثقل الكبير، لان معاناتها الماليّة والاقتصاديّة وارتفاع نسبة البطالة بشكل قياسي في فترة زمنية قصيرة،وضعها امام مشهد دقيق دفع الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى اعادة حساباته والزمته فتح جبهات عديدة مع الفرقاء الاميركيين في مختلف الولايات.

باختصار، انّ الحرب بدأت بالفعل من اجل رئاسة الحكومة​، فهل ستصمد دفاعات دياب وتحصيناته للسراي الحكومي ام ستسقط امام الاندفاع الهجومي للحريري ومن معه في سبيل استعادة ما اختار ان يخسره بملء ارادته بفعل خطأ جسيم في الحسابات؟ والاكثر اهميّة يكمن في معرفة مصير هذه الحرب على لبنان بشكل عام، وقدرة ايّ من الطرفين على وضعه على السكّة الصحيحة لاستعادة نشاطه وقدرته على النهوض من جديد.

في الأيام الماضية، برزت الدعوة إلى رئيس الحكومة حسان دياب للإنتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، في مواجهة القوى التي تستهدف حكومته، سواء من داخل الحكومة أو خارجها، لكن الكثير من الأسئلة تطرح حول قدرته على ذلك في ظلّ التوازنات التي تشهدها الساحة المحليّة، والتي على ما يبدو لا تملك أي جهة، على الأقل حتى الآن، القدرة على قلبها أو الإخلال بها.

في هذا السياق، يواجه رئيس الحكومة أكثر من تحدٍّ، فهو يواجه قوى معارضة، حتى ولو لم تكن مجتمعة ضمن تحالف موحد، تسعى إلى عرقلة جهوده بأي شكل من الأشكال، في حين أنّ على طاولة مجلس الوزراء التي يرأسها بعض الأفرقاء الذين يخوضون معارك في ما بينهم لا تقدّم ولا تؤخر على مستوى عمل الحكومة، بالتزامن هناك الحراك الشعبي الذي لا يمكن أن يقبل تحت أيّ حجة بقاء الأوضاع على ما هي عليه اليوم.

إنطلاقاً من ذلك، تجزم مصادر سياسية مطلعة بأن أكثرية اللبنانيين تتمنى منذ اليوم الأول النجاح لرئيس الحكومة في مهمته، نظراً إلى أن الظروف الإقتصادية والإجتماعيّة لا تحتمل أيّ فشل، فالتداعيات ستكون كارثيّة على مختلف المجالات، لكن في المقابل الأوضاع تفاقمت سوءاً في الشهرين الماضيين، وبالتالي باتوا يحمّلون الحكومة جزءاً كبيراً من المسؤوليّة، نظراً إلى أنّها هي من تتولى إدارة البلاد في المرحلة الراهنة

من وجهة نظر هذه المصادر، لا يتحمّل دياب مسؤوليّة ما يحصل، لكن في المقابل المطلوب منه القيام بالكثير من الإجراءات لمواجهتها، خصوصاً أنّ البلاد لم تعد تحتمل أيّ تأخير، في حين أنّ القوى السّياسية المتضرّرة من وجودها قرّرت فتح معركة ضدّه مستغلة الأوضاع القائمة، وهو ما يفسّر مختلف الدعوات التي توجّه له لفتح المعركة قبل الإنقضاض عليه من قبل تلك القوى، التي تختلف على كل شيء إلا على فكرة تضرّره من إحتمال نجاح تجربته في إدارة البلاد، نظراً إلى أنها ستعري ممارساتها على مدى سنوات طويلة.

في المقابل، لدى مصادر نيابيّة في قوى الثامن من آذار نظرة تشاؤميّة حول واقع الحكومة الراهنة، فهي تؤكد أولاً أن أحداً لن يكون قادراً من القوى السياسية المعارضة على المسّ بدياب، طالما أنه يحظى بتأييد كل من "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، لكنّها في المقابل تشير إلى أنّ حتى هذه القوى لن تكون قادرة على حمايته في حال تعاظمت النقمة الشعبيّة بوجهه، خصوصاً مع تردّي الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة.

وفي حين تؤكّد أن بعض القوى السّياسية تستعى إلى إستغلال المشهد للتصويب على حكومة دياب، تلفت هذه المصادر إلى أن وقاحة هؤلاء لا مثيل لها، فهم المسؤولون عمّا وصل إليه لبنان ويمنعون الحكومة من القيام بأيّ إجراء، ويطرحون أنفسهم كمنقذين في حال قرّر رمي ورقة إستقالته بوجههم، وتضيف: "هؤلاء يظنّون أن هناك من لا يزال يصدق وعودهم الكاذبة، بينما أيّ تحركات شعبيّة من المفترض ألاّ تستثنيهم.

بالعودة إلى السؤال الأساسي، أيّ قدرة رئيس الحكومة على الهجوم، لا تبدي المصادر نفسها حماسة كبيرة على هذا الصعيد، نظراً إلى التوازنات القائمة في البلاد، والتي لا يبدو أنّ الأفرقاء الداعمين له لديهم الرغبة في قلبها أو الإخلال بها، فهؤلاء يعتبرون أنّ أيّ معالجة من المفترض أن تكون بالشراكة مع الجميع، على قاعدة أن الكل يتحمّل المسؤوليّة، بينما الآخرين يعتبرون أنّ نجاح دياب، كتجربة لا كشخص، يضرّ بهم، وبالتالي المطلوب التخلّص منه بأسرع وقت ممكن.

في المحصّلة، أخطر ما يتهدّد دياب هو الواقع الذي وصل فيه إلى السراي الحكومي​، حيث هناك حراك شعبي يريد منه الإنجاز بأيّ طريقة، في المقابل هناك قوى سيّاسية معارضة قرّرت الدخول في مواجهة معه، أما من بين حلفائه على طاولة مجلس الوزراء من يريد التخلص منه ومن يقف في الموقع الوسطي غير الراغب بدخول مغامرة الحلول الجذريّة.

العالم_لبنان