جنوب اليمن يتخلص من خطأ ليقع بأفدح منه

جنوب اليمن يتخلص من خطأ ليقع بأفدح منه
الثلاثاء ٢٨ أبريل ٢٠٢٠ - ٠٤:٢١ بتوقيت غرينتش

أعلن ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" في اليمن، الخميس، حالة الطوارئ والادارة الذاتية في مناطق الجنوب اليمني، ومنذ ذلك اليوم بدأ بتعزيز مواقعه في هذه المناطق خاصة في عدن وطرد مسؤولي حكومة المستقيل الفار عبد ربه منصور هادي والقوات التابعة له، من المواقع والمؤسسات الحكومية في العديد من المحافظات الجنوبية.

العالم-كشكول

على الرغم من أن الحليفين الرئيسيين في تحالف العدوان على اليمن (السعودية والامارات) لم يتخذا حتى الآن أي إجراء عملي حاسم ضد قرار المجلس الانتقالي إعلان حالة الطوارئ والادارة الذاتية في عموم مناطق الجنوب اليمني، مما اعتبره البعض أن القرار جاء بمباركة وضوء أخضر من الدولتين؛ إلا أن مجرد القرار الذي اتخذه المجلس الانتقالي وقيامه ببعض الخطوات العملية لتنفيذه، يسدد بحد ذاته ضربة موجعة للتحالف السعودي من عدة اعتبارات نحاول ان نتناول قسما منها في هذه السطور.

قرار فك الارتباط بالعدوان السعودي ومرتزقته يصب في الطريق الصحيح غير أن البيانات والخطوات التي يستوحى منها الانفصال عن الشمال فانها تعد بمثابة التخلص من الخطأ والوقوع في الخطأ الأفدح، ومع أن قادم الأيام ستكشف للجميع ما اذا كانت بعض الأطراف الجنوبية تواطأت مع الامارات في اتخاذ هذا القرار، الا أن التخلص من العدوان السعودي ومن كل تبعاته وأدواته وعملائه ومرتزقته لا يكون بالانفصال وتقسيم اليمن، وانما بالتنسيق مع سائر الاطراف اليمنية وفي مقدمتها حركة انصار الله في صنعاء لبناء يمن جديد موحد تختفي فيه أنواع التخلف والاضطهاد والتمييز والفساد والظلم التي تسبب بها النظام السابق المدعوم سعوديا، ورسخها التحالف السعودي- الاماراتي بعدوانه على اليمن.

أقل ما يمكن قوله في هذا الصدد، هو انه لو كان في العدوان السعودي خير لليمن، لما أعلن الانتقالي رفضه ورفض كل تبعاته وفي مقدمتها تسلط أيتام النظام السابق وعلى رأسهم الرئيس المستقيل الهارب عبد ربه منصور هادي على شؤون مناطق الجنوب، غير أن خطوة الانتقالي بالتخلي عن حكومة هادي التي تدعمها السعودية، واعتبارها فاقدة للشرعية جاءت متأخرة وبعد 5 سنوات من تدمير العدوان السعودي ومرتزقته البنى التحتية في اليمن، وقتل مئات الألوف من اليمنيين واصابة وتهجير الملايين.

ما كان على الجنوبيين أن يصدقوا الوعود المعسولة التي قدمتها السعودية ومرتزقتها لهم بتحسين أوضاعهم، فكان الهدف الرئيسي من هذه الوعود هو ايجاد الاختلافات والتفرقة بين أبناء الشعب اليمني وإذكائها ليسهل لهم شرذمة اليمن الموحد وتدميره وقتل أبنائه. ولا ندري كيف انخدع الجنوبيون بالوعود التي اطلقها العدوان السعودي ومرتزقته لهم، فإذا كانوا قد ذاقوا الويلات على يد النظام السابق الذي ترأسه الخائن علي عبدالله صالح، أليس هادي ومسؤولي حكومته هم من ورثوا الحكم البائد باعتبارهم أبنائه "الشرعيين"، أليست السعودية هي التي كانت تتبنى بالكامل الحكم السابق وتقدم له كافة أنواع الدعم كما هو الحال بالنسبة لحكومة هادي؟ السعودية كانت ولا تزال وراء كل الولايات التي يعاني منها اليمن أمس واليوم، ورغم كل ذلك صدّق الجنوبيون بها وبوعودها.

الاطراف والاحزاب الجنوبية التي جربت التحالف السعودي الذي قام بشن عدوان غاشم على اليمن منذ اكثر من خمس سنوات، ووصلت الى قناعة بأنه لا جدوى منه سوى الويلات والحرب والمصائب والمحن، ينبغي ان تستكمل قرار الانتقالي -بعد التخلي عن مرتزقة العدوان وعلى رأسهم هادي وحكومته- بالوقوف بوجه التحالف السعودي وقطع كافة أنواع التعاون معه خاصة تلك التي تصب في ترسيخ وجوده وتمد في عمره، وذلك من خلال التحشيد والتكاتف والتعاضد مع جميع أبناء اليمن. هنا تجدر الاشارة الى أن من أكبر الاخطاء التي يرتكبها بعض اليمنيين هو تمييزهم للعدوان واعتقادهم بوجود عدوان سيء وآخر جيد، ولكن لا فرق بين الامارات والسعودية كلاهما ارتكبا الجرائم ضد اليمنيين وهما حريصان على أن لا يخرج اليمن عن دائرة التخلف والتبعية، وبالتالي من الخطأ ان يعتقد الجنوبيين أن الاماراتيين أفضل من السعوديين.

لم يفت الأوان بعد، فاذا كانت الاطراف الجنوبية صادقة في البحث عن سبيل يخلص اليمن برمته من مشاكله وليس الجنوب فحسب، فان الطريق الى ذلك هو التحالف مع الشمال وحكومة الانقاذ الوطني في صنعاء، واساسا العدوان لن يكون بوسعه فعل شيء اذا تحالف الجنوبيون مع الشماليين، بل هذا هو المعيار الرئيسي لمعرفة صدق الأحزاب الجنوبية في تخلصها من العدوان. تجربة حكومة الانقاذ الوطني في صنعاء والجيش اليمني واللجان الشعبية تمثل تجربة رائدة وفريدة في هذا الاطار، فبعد أن طردت العدوان ومرتزقته من صنعاء وعشرات المدن اليمنية، بدأت بوضع اللبنات الأساسية لبناء اليمن الجديد رغم شحة الامكانيات والحصار الخانق الذي يفرضه العدوان عليها، ومن المؤكد أن التجربة ستكون أكثر نجاحا بل ستبهر حتى العدوان فيما لو تكاتف اليمنيون وتعاونوا على انجاحها.

كما حان الوقت ليدرك سائر اليمنيين الذين انخدعوا ايضا بوعود السعودية وانضموا الى صفوف مرتزقة هادي بأن خيارهم الوحيد للتخلص من المشاكل والمحن ليس في الرياض وانما في الاتفاق مع سائر اليمنيين سواء الجنوبيين او الشماليين، وكما يتعين على الجنوبيين التخلي عن علاقاتهم مع العدوان ومرتزقته، فعليهم أيضا ان يتخلوا عن العدوان السعودي ولا يتصوروا أن السعودي أفضل من الاماراتي، والحل الوحيد للازمة السياسية في اليمن هو ان تتوصل جميع الاطراف والاحزاب اليمنية الى نتيجة بأن ابناء اليمن هم الذين يجب أن يحكموا بلدهم دون غيرهم والطريق للوصول الى ذلك هي الوحدة فيما بينهم والاتفاق على طرد العدوان والمحتل من الاراضي اليمينة، وبالنسبة للحكم ينبغي الانتباه الى ان حجم المشاركة في الحكم تخضع للتفاوض بين جميع اليمنيين، ولا شك ان المشاركة التوافقية في الحكم يجب أن تكون مؤقتة وانتقالية، لكي لا تتكرر تجربة العراق ولبنان في اليمن، والسبيل المفضل هو اجراء انتخابات حرة يترشح لها المنتمون للاحزاب والمستقلون على حد سواء، والأغلبية الفائزة تشكل الحكومة وتدير البلاد.

*صالح القزويني