الحياد اللبناني.. بين الواقع والنظرية

الحياد اللبناني.. بين الواقع والنظرية
الأحد ١٩ يوليو ٢٠٢٠ - ٠٦:٣١ بتوقيت غرينتش

كل من يتابع الداخل اللبناني هذه الأيام يرى الانقسام الكبير الحاصل في المجتمع اللبناني بعد تصريحات ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، عن "نظام الحياد الناشط والفاعل"، الذي اعتبره خلاص لبنان من الأزمات التي يمر بها.

العالم - كشكول

مع تتبع تصريحات البطريرك الراعي منذ يوم الخميس عندما أطلق فكرة الحياد في القصر الجمهوري بعد لقائه الرئيس اللبناني ميشال عون، وحتى اليوم، يمكنه أن يستخلص منه عدة تناقضات وثغرات ربما لم يلتفت إليها الراعي عند اطلاقه نظريته لحياد لبنان.

فالراعي تحدث عن حياد البلاد عن المحاور والاحلاف الأقليمية والدولية، واعتبر أن "الحياد يعني أن نلتزم القضايا العربية المشتركة – والدفاع عنها- من دون الدخول في صراعات سياسية وعسكرية أو الدخول في أحلاف"، واعتبر أنه يعني الانفتاح على جميع الدول، لكنه نفسه عاد ليعترف بأن التدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية –الكثيرة-، فكيف للبنان السير في مسار الحياد والابتعاد عن الاحلاف الدولية والاقليمية في ظل هذا الكم الكبير والكيف المتنوع من التدخلات، التي وصلت إلى حد الضغط على الحكومة اللبنانية من أجل تنصيب أشخاص معينين في وظائف حكومية خاصة؟، وهل يمكن لبلد كلبنان أن عيش بمعزل عن القضايا العربية، والخوض فيها، في ظل الارتباط الوثيق الذي يجمع بين بعض الاحزاب الداخلية وبعض البلدان العربية؟، -والتي تعد طرفا من الأطراف التي تتدخل في الشأن اللبناني، الذي تحدث عنه البطريرك-.

بلد كلبنان لا يمكنه العيش منفردا ومنعزلا عن العالم، كان هذا كلام الراعي عندما تحسّر على مكانة لبنان في العالم، معتبرا ان لبنان اليوم يعيش منعزلا عن العالم؛ كلام البطريرك هذا قد يتعارض مع فكرته لحياد لبنان عن الأحلاف السياسية في القضايا العربية، فلبنان يعيش في محيط عربي مليء بالصراعات الداخلية، والصراعات فيما بينهم، فهل يمكن للبنان أن يحيد نفسه عن مثل هذه الصراعات؟، وهو يعتبر شريكا أساسيا في مسألة الأمن العربي.

أما عن القضية العربية المركزية وهي القضية الفلسطينية، فقد استثنى الراعي "العدو الاسرائيلي" من الدول التي يجب على لبنان الانفتاح عليها، بسبب حالة العداء الموجودة بين لبنان وبين الكيان الصهيوني، إلا أنه أسف لوجود هذا العداء "اليوم". فكيف يمكن للبنان الحياد في ظل وجود نحو 200 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان؟، وهل يمكن الحياد في موضوع الوجود الاسرائيلي على الحدود الجنوبية للبنان، وما معنى التأسف على العداء الموجود مع عدو يحتل أرض لبنانية، ويرى في لبنان أرضا هو أحق بها من أهلها؟!.

البطريرك الراعي الذي دعى الداخل إلى الحياد، ناقض نظريته بتحميل فريق سياسي لبناني كل مسؤولية ما آل إليه حال البلاد، عندما اعتبر أن حزب الله يمارس نوعا من الهيمنة على الحكومة وعلى السياسة اللبنانية، حسب قوله، عازيا ذلك إلى دخول الحزب في حروب وأحداث عربية ودولية لا يريدها لبنان بالأساس، -في اشارة مباشرة إلى دخول الحزب في الأزمة السورية-؛ ولكن، لم يذكر البطريرك موقف بعض الاحزاب والتيارات اللبنانية المعادية للحكومة السورية، والتي دعمت بشكل مباشر الجماعات المسلحة ضد الجيش السوري، وموّلت وأسندت هذه الجماعات بالسلاح والعتاد، أفلا يعني هذا انحياز البطريرك لحلف سياسي معين سواءا داخليا أو عربيا؟!.

ما يدعونا للوقوف عنده هو قول البطريرك في أن "الله يدعونا اليوم لنحافظ على طبيعتنا وهويتنا ورسالتنا"، كلام ينم عن مسؤولية دينية عالية في ايصال رسالة السماء إلى البشر، ولكن، أليس من الهوية العربية والطبيعة البشرية الدفاع عن المظلوم والوقوف في وجه الظالم، ألم يدعو الله البشر إلى تحمّل مسؤولية وقف إراقة الدماء في أرضه؟، كيف للبطريرك أن يكون حياديا في اعتداء بلد على بلد آخر وارتكابه للجرائم والقتل والتنكيل بأهله؟.

الحياد الذي يطالب به البطريرك على ما يبدو جاء وفق نظرة محدودة ومختصرة جدا، وتلبي مطالب بعض الأطراف في الداخل أو الخارج، كما أنها بعيدة كل البعد عن معادلات المنطقة والعالم اليوم، ما يمثل الانحياز بكل أركانه وأشكاله. لا سيما أن نظرية البطريرك لا يمكن أن تخرج عن إطار التنظير السياسي، والأفكار النظرية وفق المعطيات والوقائع التي يشهدها لبنان والمنطقة والعالم.

وفي الخلاصة يحق لنا أن نسأل البطريرك الراعي هل يمكن لنظريته أن تجيب عن هذه التناقضات التي أوجدتها؟، كما يبقى السؤال الأهم المطروح، لماذا طرح البطريرك هذه النظرية وفي هذا التوقيت، وهل لطرحه في هذا التوقيت أن يخرج لبنان من أزمته، وهل جاء طرحه بمعزل عن مسألة توجه لبنان شرقاً؟.