الصناعات الغذائية ودورها في مواجهة الحرب الاقتصادية

الصناعات الغذائية ودورها في مواجهة الحرب الاقتصادية
الإثنين ٢٠ يوليو ٢٠٢٠ - ٠٤:١٢ بتوقيت غرينتش

إن من الفرص الهامة التي أنتجتها ثورة التكنولوجيا والمعلومات في عصرنا الحالي هي سرعة تبادل المعرفة وسهولة الوصول إليها في الميادين كافة، مما جعل المعلومة حول أي شيء متوفرة بشكل فوري، فتيسرت بذلك سبيل من يريد التعلم اكتساباً للمعرفة وبناءً للمهارة.

العالم - مقالات وتحليلات

وما نريد أن نوضحه هنا هو سهولة تعلّم عمليات تصنيع الكثير من المنتجات الغذائية التي تحتاجها الأسرة، والتي تشمل (محضرات الفاكهة والخضار، المكسّرات، السكّريات والحلويات، الزيوت والدهون النباتية والحيوانية، المشروبات غير الكحولية، المياه المعبّأة في زجاجات، منتجات المخابز، محضرات الحبوب، محضرات اللحوم، المنتجات النشوية كالمعكرونة وأمثالها، الحليب ومشتقاته،...).

وما يميز تلك الصناعات الغذائية:

- مساهمتها الرئيسية في التنمية الصناعية للبلاد وما تعنيه من تحول من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج، وذلك لما تشكله من تكامل أمامي مع القطاع الزراعي يسمح بإنتاج بضائع مصنعة ذات قيمة مضافة مرتفعة، ويعزز التنمية الريفية بما تولده من فرص عمل، لا سيما في أوساط النساء، وذلك لاعتمادها على الكثافة في العمالة (labour-intensive).

- تعزيزها لسياسة الاكتفاء الذاتي من المنتجات الغذائية الأساسية التي يجب أن تنطلق من الأسرة الى المجتمع اللبناني.

- سهولة بناء المعرفة والمهارة للدخول الى عمليات إنتاجها عبر الشبكة الاجتماعية التراثية لمجتمعنا اللبناني، والشبكة العنكبوتية وما تحتويه من مواد تعليمية (مقالات، تجارب موثقة، أفلام تعليمية،...).

وما على المرء إلا أن يعقد العزم على ذلك ليبدأ بالتعلم وينتج بعد ذلك ما تحتاجه أسرته من هذه المواد الغذائية الضرورية.

أما إذا أراد توسعاً فبإمكانه أن ينتسب الى جمعية تعاونية ترعاها البلدية الذي ينتمي اليها، لتقوم هي بصقل مهارته، وتزويده بخبرات جديدة، ومساعدته على استصلاح أراضيه، وتوفير بعض الموارد التي تتطلبها تلك الصناعات بأسعار تشجيعية، والأهم من ذلك هو تسويق إنتاجه.

والفرصة الآن متاحة ولامعة وذلك نظراً للسمعة الطيبة التي تمتلكها الصناعات الغذائية اللبنانية على الصعيد الوطني والإقليمي ولاحتياج أصدقائنا في الدول التي تقع شرقنا إليها، وقد أفصح عن ذلك الأصدقاء العراقيون الذين زارونا منذ أسابيع علماً أن نسبة الصادرات منها الى الدول العربية الواقعة شرق لبنان شكّلت عام ٢٠١٨ م ما يقارب أل ٧٠% من إجمالي صادرات هذه الصناعات.

وعليه فإن على البلديات أن تؤازر المواطن اللبناني في سبيل تعزيز تلك الصناعات. ويكون ذلك من خلال:

-تشجيع المواطنين عليها، وإقامة الورش التدريبية لبناء المهارات المطلوبة لها.

-إنشاء التعاونيات الزراعية ضمن النطاق البلدي، وتنسيب المزارعين إليها لتمدهم بالخبرات والموارد المطلوبة.

-المساهمة في بناء المصانع لها لاستقبال الإنتاج الزراعي وتحويله الى منتجات غذائية ذات قيمة مضافة.

-العمل على إيجاد السبل الكفيلة لتسويق الإنتاج ضمن البلدية الواحدة، عبر مبدأ المقايضة بين القاطنين فيها، أو بينها وبين البلديات الأخرى ضمن نفس الاتحاد البلدي، أو فيما بين الاتحادات البلدية ضمن المنطقة الواحدة، وهذه عادة جيدة قد سار عليها المزارعون اللبنانيون في معظم القرن الماضي، حيث كانوا يبادلون محاصيلهم فيما بينهم دونما اضطرار لاستخدام النقد. وهي في الوقت نفسه هدف آخر غير مباشر لتلك الصناعات، يكمن في التخلص من هيمنة الدولار عبر ما تتيحه من مقايضة في الساحة المحلية.

فالبلديات يجب أن تكون في عداد جنود الجبهة الأمامية في مقاومة الحرب الاقتصادية على مجتمعنا اللبناني

وأما ما يفيض عن الحاجة المحلية فعلى وزارة الزراعة فتح أسواق خارجية له، تضمنها اتفاقات تجارية متوسطة وطويلة المدى، وتدعمها سياسات حمائية، ولا ترهقها روزنامات زراعية متضاربة غير مدروسة.

والاستثمار واعد في هذه الصناعات ذلك لأن لبنان ينعم بأراض زراعية خصبة كبيرة ومتنوعة، إذ تبلغ نسبة الأراضي الزراعية ٦٣% وفقاً لهيئة تنمية الاستثمار في لبنان (إيدال)، وهذه نسبة كبيرة مقارنة مع باقي دول الشرق الأوسط.

كما وأن على وزارتي الزراعة والصناعة المبادرة وبشكل سريع لصناعة وإنتاج ما تتطلبه الزراعة في لبنان من مبيدات وأسمدة زراعية، وأعلاف للمواشي ...من أجل أن تتحرر المنتجات الغذائية من الارتباط بالدولار، الذي تتطلبه عملية استيرادها في حال عدم إنتاجها محلياً، فتنخفض بذلك أسعارها وتستقر وتزداد قدرتها على المنافسة .

ومعلوم ما للإعلام من دور في ترغيب الناس من مواطني الدول الصديقة في الشرق بمأكولاتنا اللبنانية الطيبة لتدخل في عادات شعوبهم فتصبح جزءاً من ثقافتهم غير غافلين في الوقت نفسه عن مراقبة جودتها الغذائية والصحية على امتداد منظومتها الإنتاجية (مدخلات، عمليات تشغيل، مخرجات).

هذا رأي يُطرح في سياق الأفكار الآيلة الى تحقيق مبدأ الاكتفاء الذاتي والتخفيف من الاعتماد على الدولار، والمساهمة في التحول من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج في الميدان الزراعي.

فهل سيبقى يحلق نظرياً في المنتديات الفكرية والتخصصية، أم سيجد له آذاناً صاغية تعمل على تسييله في ساحة الواقع.

الاستاذ الجامعي علي حكمت شعيب