توتر واستنفار عسكري واسع وانكفاء صهيوني في الحدود اللبنانية

توتر واستنفار عسكري واسع وانكفاء صهيوني في الحدود اللبنانية
الإثنين ٢٧ يوليو ٢٠٢٠ - ٠٩:٤٤ بتوقيت غرينتش

في ذروة التوتر على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة ، ووسط استنفار عسكري الصهيوني ، تسود حالة من الانكفاء الإسرائيلي المناطق القريبة من الحدود.

العالم_لبنان

وحسب الوكالات اليوم الاثنين، الانكفاء عن الحدود اللبنانية يشمل المستوطنين والوحدات العسكرية على اختلافها، الأمر الذي أثر على حركة التنقل بين المستوطنات ومراكز الانتشار العسكري، إلى حد المنع الكلي عن التنقل، وكذلك الوجود المباشر في عدد من المقاطع.

وكتبت صحيفة الاخبار اللبنانية تواصل القوات الاسرائيلية استنفارها الانكفائي في شمال فلسطين المحتلة، منتظرة رد حزب الله الذي بات محتوماً، بحسب التقديرات الاسرائيلية، مع الأمل بأن لا يكون منفلتا وإن طالت فترة الانتظار. في الموازاة، تعمل إسرائيل على تخفيف تبعات صورة التراجع إلى الخلف، ولا تطلق تهديدات رنانة تقلق المستوطنين وتسقط صورتها الردعية في ساعة الاختبار بعد تنفيذ الرد.

فاضافت الاخبار، المقاومون حيث يجب أن يكونوا، فيما العدو أبعد جنوده إلى حيث لا تراهم العين، لكي لا يكونوا أهدافاً للمقاومة. كانت الطائرات المسيّرة، والعشرات غيرها، وسيلة قوات الاحتلال لمحاولة تحديد النيّات العملانية للمقاومة. حتى ليل أمس، لم يكن قد جمع من المعطيات ما يتيح له إحباط أي استهداف لجنوده، فلم يكن أمامه سوى إخفائهم. وكما أن مسيّراته لم تمنحه إجابة حاسمة، كذلك قوات الـيونيفيل التي وصل توترها أمس إلى حدّ إطلاق النار في مواجهة رعاة لبنانيين في الوزاني. وبرأي صناع القرار في تل أبيب، وبناءً على التقدير الاستخباري، الرد على الاعتداء الذي أدى إلى استشهاد المقاوم علي محسن، قبل أسبوع، آت لا محالة.

في المقلب اللبناني، لا فائدة تضاف إنْ جرى التأكيد أنّ تبعات الرد - مهما عمل العدو على تعظيمها - تبقى أقل بكثير من تبعات امتناع حزب الله عن الرد. وهي حقيقة قائمة لا لبس فيها وغير قابلة للنقض، وأي بحث في إمكان الرد من عدمه، غير ذي صلة ومنفصل عن الواقع.

في جانب آخر، يشار إلى سياقات قد تكون هذه المرة مختلفة نسبياً عن مرات سبقت ردّ حزب الله على اعتداءات إسرائيلية أريد لها تغيير المعادلات أو كان من شأن الـ«لا رد» عليها تغيير المعادلات، علماً بأن الاستعدادات من ناحية العدو لتلقّي الرد واضحة وعلنية، وتترجم ميدانياً على أكثر من صعيد، كما ورد على لسان رئيس أركان القوات الإسرائيليية أفيف كوخافي خلال جولته شمالاً على الوحدات العسكرية، بضرورة الاستعداد لرد محتمل من حزب الله ومطالبة قيادة المنطقة الشمالية بتقليص تحرك القوات على الحدود كي لا تتحول إلى أهداف لحزب الله.

بالطبع، تصدر عن إسرائيل تهديدات باتت تُعد تقليدية في حالات مماثلة. وهذه التهديدات يراهن العدو عليها - نظرياً في حد أدنى - لتقليص حافزية الطرف المقابل للعمل ضده. وفي حساب النتيجة النهائية للرد والرد على الرد، وما يمكن أن يعقبهما، تبقى تهديدات إسرائيل المتفلتة في مرحلة انتظار الرد، جزءاً لا يتجزأ من النتيجة النهائية، وتؤسّس سلباً للمستقبل، خاصة إن لم تقرن أقوالها بأفعال.
على هذه الخلفية جاءت التهديدات بالرد على الرد عامة جداً، من دون تفصيلات، ولا تشمل تهديدات متطرفة تختار كلماتها بعناية في محاولة للتأثير في وعي الطرف الآخر، على شاكلة إرجاع لبنان عشرين وثلاثين وخمسين عاماً إلى الوراء، وصولاً إلى إرجاعه إلى العصر الحجري.

في ذلك أيضاً، تأتي رسائل إسرائيل إلى حزب الله، عبر وسطاء، بأنها لم تكن تعلم أن الشهيد علي محسن كان موجوداً في الموقع الذي استهدفته في سوريا الأسبوع الماضي. هذه الرسالة التي نشرت قناة «الميادين» أبرز ما جاء فيها، تلقّاها الجمهور اللبناني والمستوطنون أيضاً على أنها رسالة تراجع إسرائيلي أمام حزب الله (وهي كذلك)، ومحاولة من تحت الطاولة للتأثير في مستوى ردّه عبر تأكيد انتفاء القصد الإسرائيلي المسبق لاغتيال محسن، علماً بأن مضمون الرسالة، وإنْ جاء مصحوباً بتهديدات، هو في حدّ ذاته ثمن قد يفوق في كثير من جوانبه الرد المادي نفسه، خاصة أنه يأتي في مرحلة انتظار الرد الذي تدرك إسرائيل حتميّته.

واحد من التعليقات اللافتة إزاء رسالة التراجع ورد في صحيفة ميكور ريشون، التي قالت إنها لا تتساوق مع مواقف قالها رئيس أركان قوات الاحتلال الاسرائيلي أفيف كوخافي، في الغرف المغلقة في الماضي القريب، أي قبل سقوط الشهيد محسن: أيّ ضرر يلحق بشعرة واحدة من رأس جندي أو مدني إسرائيلي، فسيكون الرد عليه بلا قيود وساحقاً». وبحسب مراسل الصحيفة للشؤون العسكرية، كوخافي غير معني بسياسة الاعتذار التي انتهجها الذين سبقوه في المنصب. النتيجة هنا تؤكّد وجود «سياسة الاعتذار، كما صحّة تقارير سابقة نشرت في لبنان في مرحلة انتظار ردود سابقة تتحدث عن رسائل تهدئة بمستوى اعتذار صدرت كما يرد في تقرير الصحيفة من رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت، وممن سبقه في المنصب بني غانتس، الذي يتولى حالياً منصبي رئيس الحكومة البديل ووزير الأمن. وفي ذلك دلالات ردعية كبيرة جداً عن مراحل سابقة، ومؤشرات إلى المرحلة الحالية.

واضح أن إسرائيل تخوض معركتين منفصلتين ومتحدتين في الوقت نفسه، شكلاً ومضموناً: معركة الصورة ومحاولة فرض الإرادة في مرحلة انتظار الرد، ومعركة الرد نفسه، وهو ما يخيّم عليه لا يقين نسبي من ناحية إسرائيل، ليس بما يتعلق بحتمية قرار الرد وتنفيذه، بل بما يتعلق بشكله وأسلوبه ومستوى إيذائه وتوقيته.

في المواقف، اكتفى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي طلب من وزرائه الصمت، بالرد على أسئلة الإعلام العبري وتساؤلاته، قائلاً: «نعمل طوال الوقت لمنع التهديدات الإيرانية من سوريا، ونحن مستعدون للسيناريوات كافة»، فيما أكد وزير الأمن بني غانتس أن إسرائيل غير معنية بتصعيد الوضع، محذراً في الوقت عينه الأعداء من اختبار القوات الاسرائيلية. أما رئيس الأركان أفيف كوخافي، فشدد خلال لقائه نظيره الأميركي مارك ميلي على أن القوات الاسرائيلية ستعمل ما يجب لإزالة أي تهديد قد يعرّض "إسرائيل" للخطر.