شينكر من لبنان.. بين قوة التصريحات وهزيمة الواقع

شينكر من لبنان.. بين قوة التصريحات وهزيمة الواقع
الجمعة ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٠ - ٠٦:٤٦ بتوقيت غرينتش

حل ساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر ضيفا ثقيلا على لبنان، باحثا عن بعض جمر فتنهم السابقة لينفخ في أتونها، والتحريض على بعض المكونات اللبنانية، وتشويه القوى والشخصيات الوطنية اللبنانية التي أبت الدوران في المحور الصهيوأميركي، ومنعت تحقق حلم هذا المحور في "شرق أوسط جديد" وفق الرؤية الاميركية والاسرائيلية.

العالم - يقال أن

شينكر الذي كان أعلن عن زيارته إلى لبنان وبرنامجها الذي خلى من أي لقاءات دبلوماسية، واقتصر على بعض ممثلي (الحراك الشعبي) كشف عن النوايا الحقيقية من زيارته لبيروت، عندما أعلن عن نيته لقاء بعض الشخصيات السياسية اللبنانية وقيادات حزبية من قوى 14 آذار إضافة إلى بعض النواب المستقيلين.

تناقضات كثيرة طرحها المسؤول الأميركي يمكن من خلالها فهم الهدف الحقيقي لواشنطن من الزيارة بعد اخرى للرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون الثانية إلى لبنان، وتشكيل نواة حكومة جديدة، يعول عليها قسم كبير من الشعب اللبناني، فعلى الرغم من الحديث عن شبه توافق أميركي – فرنسي حول الملف اللبناني، يتضمنه بعض الخلافات، ومحور هذه الخلافات هو المقاومة وموقعها السياسي في البلاد، إلا أن قدوم شينكر إلى لبنان فور مغادرة ماكرون، يضيف بعض الحقائق إلى التفاهمات الأميركية الفرنسية في لبنان.

اولى تناقضات المسؤول الاميركي كانت اعتباره ان انتخاب شريحة من الشعب اللبناني لحزب من الاحزاب وتمثيلها عبر هذا الحزب في البرلمان لا يعطي لهذا الحزب شرعية!، ليطرح سؤال مهم نفسه هنا، ما الشرعية التي يتحدث عنها مدعي الديمقراطية، أليس تمثيل شريحة كبيرة من الشعب وانتخابها لحزب معين عبر انتخابات شرعية تمت مراقبتها دوليا وأمميا دليل على الديمقراطية التي يدعونها الغرب من الاميركيين والاوروبيين؟، أم ان الشرعية التي يبحث عنها شينكر هي الشرعية نفسها التي يمنحونها لعملائهم وما يعتبرونهم حلفاءهم من أدوات في المنطقة من الأنظمة الرجعية والسلطوية والدكتاتوريات فاقدي الديمقراطية؟.

الحياد الذي أعتبر شينكر أن بلاده تعمل على تأمينه للبنان، كان هو أول من أطلق عليه رصاصة الرحمة عندما دخل إلى البلاد عبر بوابتها الرسمية، ولكنه تجاهل لقاء المسؤولين السياسيين اللبنانيين؛ تصرف ينم عن عنجهية تجاه المسؤوليين اللبنانيين وكأنه يزور إحدى الولايات الأميركية. هذا الاستكبار الأميركي دليل واضح على عدم إعتراف الأميركي بالحياد أصلا، إلا أنه وجد في هذا المفهوم "قميص عثمان" الذي من شأنه إدخاله إلى الواقع السياسي اللبناني وبقوة من جديد.

شينكر تحدث عن أهمية تطبيق القرارات الدولية كافة في لبنان، مطالبا بتسليم سليم عيّاش المتهم بالوقوف وراء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري 2005، وفق حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كلام شينكر هذا جاء بعد ساعات على إعلان الخزانة الأميركية فرض عقوبات على المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية "فاتو بنسودا"، بسبب التحقيق في تورط جنود أميركيين بجرائم حرب بأفغانستان؛ فهل الاميركيون مهتمون بالمحاكم الدولية وقراراتها فعلا؟.

انتقائية لقاءات شينكر والتي تقتصر على ممثلي المجتمع المدني وبعض قيادات الأحزاب اللبنانية دليل واضح على عدم إعتراف الأميركي بالحلول الوطنية والداخلية للأزمات اللبنانية، فقد أعلن صراحة أنه سيتكلم مع من سيلتقيهم، أو ما يحلو له تسميتهم "بالشعب" حول الكيفية التي سيتبعونها للتخلص من السياسيين، بمعى تقديم نفسه مستشارا ربما لتقديم رؤى وآراء حول كيفية تنفيذ مثل هذه الاجندة، دون الأخذ بعين الإعتبار أن أكثرية الشعب اللبناني ربما لا يرغب بوجوده في لبنان اصلا، كما يوضح جليا لمن التبس عليه الامر أن الاميركي نصّب نفسه ولي أمر الشعب اللبناني، وفق سيناريو واجندات اميركية يتم العمل على تسويقها لبنانيا.

الطرح الاميركي للبنان كان واضحا وعلى لسان اكثر من مسؤول اميركي، "لا يجب ان يشارك حزب الله في اي حكومة لبنانية مقبلة". بهذه الكلمات اُختصر الموقف الاميركي من اي حكومة لبنانية مقبلة، موقف متشنج وغير مرن، على عكس الطرح الفرنسي الذي اعترف بدوره بالقاعدة الشعبية الكبيرة للمقاومة في البلاد، وتمثيلها الكبير برلمانيا، ما اعطى الطرح الفرنسي شيءا من الليونة ومقاربة للواقع بشكل أكبر. (وهذا جاء نتيجة مشاهدات ماكرون العينية ربما خلال تواجده في الشارع اللبناني، ورؤية حجم ما يمثله معارضو وجود حزب الله في الحكومة).

ربما تقاطع الطرحان الاميركي والفرنسي للبنان بعد الصفعة التي تلقاها الغرب من حكومة تصريف الاعمال برئاسة حسان دياب، في اعلان نيته التوجه شرقا، وبدء العمل فعليا مع الصين وروسيا على اقامة استثمارات صينية روسية تقدر بمليارات الدولارات، ليأتي التحرك الغربي (الاوروبي الاميركي) سريعا نحو لبنان، في محاولة لتقييد حركة لبنان نحو الشرق، والحفاظ على الاستثمارات والمصالح الاقتصادية والاستثمارية والاحتكارية والاستراتيجية للغرب في لبنان.