"الساحل الإفريقي"..ملاذ آمن للإرهاب!

الأحد ١٣ ديسمبر ٢٠٢٠ - ٠٧:٠٤ بتوقيت غرينتش

تشهد منطقة الساحل والصحراء الإفريقية تصاعداً مستمراً في وتيرة الهجمات الإرهابية، بعدما نقلت العديد من جماعات الإرهاب مركز ثقلهم إلى المنطقة.

العالم - افريقيا

وهذا ما أثار تحذيرات من خبراء من أنها قد تصبح نسخة جديدة من منطقة "تورا بورا" الأفغانية، وأنها تمثل "أرض الميعاد" لتلك الجماعات مع مخاوف من أن تتحول إلى دولة إرهابية، كما فعل تنظيم «داعش» في سوريا والعراق.

أبرز التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة، الممتدة بعرض القارة الإفريقية أسفل شريط الصحراء الكبرى من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، هي تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب"، وجماعة «نصرة الإسلام»، وجماعة «بوكو حرام»، وتنظيم «داعش»، الذي نقل مركز ثقله من الشرق الأوسط إلى إفريقيا، وفق نشرة مؤشر الإرهاب العالمي، التي صدرت في نوفمبر المنصرم، وأيضاً بحسب ما أكده خبراء في شؤون التنظيمات الإرهابية لـ"الرؤية".

30 ألف إرهابي

قال الخبير المغربي في الحركات الإسلامية والمنظمات الإرهابية، إدريس قصوري إن التنظيمات الإرهابية تبحث عن الدولة الضعيفة، أو الدولة السائرة في طريق النمو والإصلاح لتنقضّ عليها، وتؤسس دولتها الإرهابية، إذ تستغل التناقضات الداخلية.

وأوضح قصوري، أن منطقة الساحل الإفريقي "تعد أرضاً خصبة بالنسبة لداعش ولباقي التنظيمات الإرهابية، إذ تشهد صراع القبائل حول الحكم، وتعاني من نزاعات إثنية ودينية، إضافة إلى أن صحراءها الكبيرة غير المراقبَة تسهل على أفراد تلك التنظيمات الإرهابية التنقل بين دول الساحل الإفريقي، كما يتخذون منها مكاناً للتدريب والاختباء".

وأشار إلى أن تلك التنظيمات تستغل الأزمة في ليبيا والتحديات في الدول الأخرى في الشمال الإفريقي التي تحد منطقة الساحل.

ومن جهته، أفاد الباحث المغربي في قضايا التطرف العنيف، إبراهيم الصافي، في حديث مع "الرؤية" أن «داعش وباقي التنظيمات الإرهابية يعتبرون منطقة الساحل والصحراء الكبرى وإفريقيا عموماً، أرض ميعاد جديدة لهم، وملاذهم الآمن، إذ تتحدث إحصاءات الأمم المتحدة عن هروب 30 ألفاً من أفراد تلك الجماعات إلى منطقة الساحل الإفريقي، قادمين إليها من سوريا والعراق».

وأرجع الصافي أسباب نقل "داعش" ومنظمات إرهابية أخرى لمركز ثقلها إلى الساحل الإفريقي، "إلى كونها هشة أمنياً، وحدودها غير مراقبة، ما يسهل عملية تنقل أفراد تلك التنظيمات في المنطقة، التي تعرف انتشار الجريمة المنظمة، وتهريب البشر والمخدرات والمعادن»، وأضاف «إن الناشطين في الجريمة المنظمة يمكن أن يسهلوا دخول الإرهابيين إلى الساحل الإفريقي، ويمدونهم بالأسلحة، مقابل أن يحمي الإرهابيون نشاطهم غير المشروع في المنطقة".

الاستفادة من كورونا

كما أبرز الصافي، صاحب كتاب "الذكاء الجهادي وتفكيك آليات هندسة الإرهاب»، أن «التنظيمات الإرهابية تلك يمكن أن تستغل انشغال الدول بمحاربة وباء كورونا، لتستقطب موالين جدد لها إلى منطقة الساحل الإفريقي".

وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام، جان بيير لاكروا، كشف في إحاطة لمجلس الأمن عن "أن هناك محاولات من قبل الجماعات الإرهابية وغيرها في المنطقة، للاستفادة من جائحة كورونا، من أجل تقويض سلطة الدولة، وزعزعة استقرار الحكومات".

ومن جانبه، قال الخبير المغربي في شؤون الجماعات الإرهابية، إدريس الكنبوري،إن "لجوء تلك الجماعات والعصابات والجماعات الخارجة عن القانون، إلى الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي، راجع إلى امتداد صحرائها عبر آلاف الكيلومترات، وهي صحراء غير خاضعة لأي دولة أو سلطة، ومن الصعب تغطيتها أمنياً أو إخضاعها للمراقبة، وبالتالي فهي بمثابة تورا بورا إفريقيا".

وأضاف الكنبوري "تحول تنظيم داعش من الشرق الأوسط إلى الساحل الإفريقي، يعني أنها منطقة آمنة بالنسبة إليه، ولديها مستقبل في الإرهاب العالمي"، مردفاً أنه يعتقد أن "تلك المنطقة ستصبح قريباً مصدر التهديد الإرهابي العالمي، وستشكل خطراً على أوروبا ومنطقة المتوسط، نظراً لقربها الجغرافي منها".

وفي هذا الجانب، أوضح الكنبوري «أن الاتحاد الأوروبي يعي الخطر الذي تشكله عليه منطقة الساحل الإفريقي، ولذلك يرسي مشاريع تنموية وأمنية هناك، لكي تتولى تلك البلدان شؤون نفسها، ويتم الحد من الهجرة غير الشرعية».

ومن جانب آخر، استبعد الباحث إبراهيم الصافي إمكانية السيطرة الكاملة لـ«داعش» وباقي المنظمات الإرهابية الناشطة في الساحل الإفريقي على تلك المناطق، قائلاً: أنظمة الحكم لا تزال قائمة في دول تلك المنطقة، والمنظمات الإرهابية الموجودة هناك لا تمتلك إلا الأسلحة الخفيفة، ولا تتلقى دعماً مالياً وعسكرياً واستراتيجياً، من طرف بعض الدول، عكس تنظيم داعش الذي كان يمتلك أسلحة ثقيلة في سوريا والعراق، وتلقى دعماً مالياً من دول إقليمية، تغاضت عن أنشطته الإرهابية، كما كانت تركيا تسهل عملية وصول الإرهابيين إليه عبر حدودها مع سوريا، في حين أن هناك إرادة دولية، تتمثل في التدخل العسكري لبعض الدول في الساحل الإفريقي، لعدم السماح لتلك المنظمات ببناء دولة إرهابية هناك.

مواجهة الإرهاب

ولمواجهة التنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل الإفريقي، أسست دول الساحل الخمس وهي: موريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، وتشاد، والنيجر، قوة مشتركة وذلك خلال قمة دول الساحل الخمس، التي عقدت في العاصمة المالية باماكو في يوليو 2017، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واتفق رؤساء تلك الدول على أن تتكون القوة المشتركة من 5000 عنصر، بكلفة مالية قدرها 400 مليون يورو.

واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تقرير قدمه إلى مجلس الأمن في نوفمبر المنصرم، «أن تلك القوة المشتركة قد حققت تقدماً على مستوى مواجهة حالة انعدام الأمن، التي لا تزال تعاني منها منطقة الساحل الإفريقي».

كما تتواجد في منطقة الساحل الإفريقي مجموعة من البعثات العسكرية، التي تتقاسم الهدف نفسه مع القوة المشتركة المذكورة، وهي بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي المعروفة باسم «مينوسما»، وقوة برخان الفرنسية، وبعثة الاتحاد الأوروبي، والقوات الخاصة «تاكوبا»، التي تقرر تشكيلها في مارس 2020، على يد فرنسا ومجموعة من حلفائها الأوروبيين والأفارقة.