هل هناك قاعدة أميركية في لبنان؟

السبت ١١ ديسمبر ٢٠٢١ - ٠٢:٢٢ بتوقيت غرينتش

لم يكن غريباً على كلّ عابر قرب مقرّ السفارة الأميركية في منطقة عوكر شرق بيروت رؤية المساحات الشاسعة المخصّصة للبناء. ولم يكن غريباً إدراك أنّ عملية البناء غير تقليدية، ولا تتعلّق بسفارة عادية، بل بسفارة يُفترض أن تحتلّ مركزاً أساسيّاً في الاستراتيجية الأميركية للشرق الأوسط وشرق المتوسّط و هناك سؤال هل هناك قاعدة أميركية في لبنان؟

العالم_لبنان

السكان المجاورون للسفارة يشهدون أنّ وتيرة أعمال البناء لم تتراجع قطّ منذ البدء بها، على الرغم من أزمة كورونا. وهو ما تجلّى واضحاً من خلال الارتفاع المستمرّ للطوابق في المنشآت. ويتحدّث البعض عن حركة سير لا تنتهي من وإلى السفارة، إلى درجة الاستنتاج أنّها ليست سفارة، بل قاعدة ضخمة هي الثانية بعد العراق في الشرق الأوسط.

وفي انتظار موعد افتتاح السفارة في عام 2023، تبدو الأعمال العسكرية الأميركية في قاعدة حامات الجويّة اللبنانية قائمة على قدم وساق، إضافة إلى وجود مراكز أميركية في مناطق عدّة، خصوصاً بين قضاءي جبيل والبترون شمال شرق بيروت.

يقول المتابعون لهذه الحركة إنّها تجيب على الكثير من الأسئلة التي طُرحت في العامين الماضيين عن الانسحاب الأميركي من لبنان. وهي رسالة يتقصّد الأميركيون توجيهها إلى خصومهم، وتحديداً حزب الله وحلفاءه. ولعلّ الصور المنشورة عن حجم السفارة في عوكر جاءت لتجيب كلّ مَن حاضر خلال الأشهر الماضية حول الانسحاب الأميركي من لبنان، وعن خسارة المحور الأميركي المواجهة في المنطقة وفوز محور الممانعة.

و نشر اليوم السبت موقع "اساس ميديا" لا يعني هذا الكلام أنّ الولايات المتحدة لم تعدّل في سياستها اللبنانية. لكن في حين بدا هذا التعديل انسحاباً، كان في الواقع تراجعاً في مكان ما، وتقدّماً خطواتٍ إضافية في مكان آخر. وبدلاً من توكيل تنفيذ سياستها إلى حلفائها الذين "فشلوا في المهمّة الموكلة إليهم منذ سنوات، تحوّلت إلى لاعب أصيل أساسيّ في الداخل اللبناني، ومؤثّر في السياسة اللبنانية.

بحسب المعلومات والكلام المعلن والمتداول عن السياسة الأميركية في لبنان، فإنّ الخارجية الأميركية تعمل في لبنان على "المدى الطويل". حتى إنّ الموظّفين في السفارة يدركون أنّ إقامتهم ستدوم طويلاً. واللافت، وفق مراقبين، أنّ عمليّة البناء لم تتأثّر بالانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت في العام الماضي، ولا بأزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية في الداخل الأميركي.

كلّ ذلك يُضاف إلى الدعم الأميركي للجيش اللبناني الذي يتّخذ مساراً تصاعدياً على اعتبار أنّ المؤسسة العسكرية هي المؤسسة الجامعة التي يُفترض بها وحدها أن تواجه "السلاح المتفلّت"، وهي البديل عن "السلاح خارج إطار الدولة.

انطلاقاً ممّا سبق، يقول المراقبون إنّ الكباش الأميركي - الإيراني على لبنان أمر واقع

الثابتة الأولى هي حتميّة انسحاب القوات الأميركية من العراق في موعد أقصاه 31 كانون الأول الحالي. لكنّ الانسحاب لا يعني خروجاً من الشرق الأوسط. ففي عام 2011، غادر الأميركيون العراق، قبل العودة للقتال ضدّ داعش في عام 2014. يُضاف إلى ذلك بقاء المصالح الأميركية في كردستان وفي الجنوب العراقي، حيث ثقل فصائل المقاومة العراقية. مما يعني بقاء 2400 عسكري أميركي على الأراضي العراقية بحسب مصادر رسمية أميركية.

الثابتة الثانية هي عدم ارتباط وجود الأميركيين في سوريا بوجودهم بالعراق في الشكل، على اعتبار أنّ العراق الرسمي حليف وثيق للأميركيين، وجيشه يخضع لتدريبات أميركية متلاحقة، فيما يعمل الأميركيون في سوريا على مساعدة "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، وفصائل أخرى، شرق الفرات وغربه. وترفض واشنطن أيّ انفتاح عربي على دمشق، في إطار تمسّكها بالقرار 2254 كمشروع حلّ للقضية السورية. لذلك تبقى علاقاتها مع روسيا ميزاناً للتعامل في الملفّ السوري على قاعدة ترسيخ النفوذ الروسي في سوريا والنفوذ الأميركي في لبنان عشيّة التنقيب عن الغاز قبالة شواطئ البلدين.

الثابتة الثالثة أنّه لا يمكن للأميركيين في خضمّ تعثّر مفاوضات فيينا، وفي ظلّ سيطرتهم على مفاصل أساسية في العراق وسوريا، أن يسمحوا بإقامة روابط قوية بين لبنان وايران، على اعتبار أنّ مصالحهم المترابطة في شرق المتوسط، بين لبنان وقبرص واليونان وإيطاليا، لا تسمح لهم بترف التفريط بهذه الوضعيّة.

لذلك، إذا أراد اللاعبون على الساحتين السياسيّتين الداخلية والإقليمية، على حدٍّ سواء، قراءة مسار الاشتباك أو الصراع في لبنان والمنطقة، فعليهم قراءته انطلاقاً من تحوُّل الأميركي من لاعب بالوكالة عبر حلفائه إلى لاعب بالأصالة، وغير ذلك أوهام فقط.