آل خليفة في ظل بينيت: أهلاً بكم احتلالاً ثانياً!

آل خليفة في ظل بينيت: أهلاً بكم احتلالاً ثانياً!
الأربعاء ١٦ فبراير ٢٠٢٢ - ٠٧:٤٠ بتوقيت غرينتش

تقاطعت الذكريات في البحرين، ما استدعى حضور وجه الاحتلال الأصلي، ممثلاً في رئيس الوزراء الإسرائيلي "نفتالي بينيت"، إلى المنامة، ليبارك للملك البحريني "حمد بن عيسى" قيام مملكته في الذكرى الـ20 لإعلانها، وليشد على يده وهو يوغل في محاولة سحق الثورة التي بدت في ذكرى انطلاقها الحادية عشرة أكثر استعصاء على السحق، بعدما استطاعت في البداية الاستمرار في تحمل دبابات الاحتلال السعودي التي دخلت بعد شهر على اندلاعها، تحت ستار قوات «درع الجزيرة» في عام 2011.

العالم - البحرين

جاء بينيت، قبل كل شيء، لتفقد الجالية اليهودية التي «اخترعها» الملك، حتى يستدعي بها حماية "إسرائيل" لنظامه من شعبه، بعدما لم تكفه حماية القوات السعودية، ولا حماية الأسطول الخامس الأميركي، علما أن هذه الجالية تضم ما بين 36 و50 شخصا فقط، جلهم من أصحاب المناصب الذين يحتلون أكثر من مقعد في مجلس الشورى، أو يشغلون مهام سفراء.

نبش الملك تاريخ ما قبل الإسلام لاستحضار ماضي اليهود في بلاده، وتنصيبهم جالية مدللة على كل الجاليات، وعلى شعبه أولا، بعدما أخفقت حملات نزع الجنسية عن الكثير من المعارضين البحرينيين وتجنيس الهنود بدلا منهم، في خلق حقائق ديمغرافية جديدة يستند إليها حمد في الحصول على شرعية ما، حتى صار موضع تندر بأنه الحاكم الخليجي الوحيد الذي يذل شعبه ويستفزه بتدليل الوافدين من العمال الهنود.

وزاد ما يقدمه الملك لليهود، على ما يريدونه هم أنفسهم أو ما يستطيعون احتماله؛ فعلى سبيل المثال، أعيد ترميم الكنيس القديم الذي هدم في عام 1948، مع مغادرة معظم اليهود الذين وصل عددهم إلى 800 شخص في ثلاثينيات القرن الماضي، على رغم أن الجالية لا تستطيع جمع عشرة أشخاص فوق الـ13 عاما لإقامة الصلوات اليومية 3 مرات كما يفرض عليها دينها، بسبب قلة عدد أفرادها، ولذلك يحتفل منتسبوها بالسبت وبالأعياد في منازلهم.

ووصل الدلال الذي تتمتع به الجالية، إلى الحد الذي دفع رئيسها، إبراهيم نونو، إلى الحديث عن «الأمان» الذي تحظى به في البحرين، مقارنا إياها مع الغرب حيث يوجد ما وصفه بـ«معاداة السامية»، وهي مشكلة غير موجودة في المملكة، واصفا البلد الخليجي بأنه «مكان رائع لتنشئة أسرة يهودية».

الملك حمد «اخترع» جالية يهودية لاستدعاء حماية "إسرائيل" لنظامه من شعبه

لكن تضخيم الجالية اليهودية، واستعجال الاتفاقات الأمنية مع العدو، لهما جذر آخر لدى النظام البحريني. فمن المعروف أن هذا النظام لا يحتمل أي تواصل بين الولايات المتحدة ومجموعات المعارضة البحرينية، حتى لو كانت من المجتمع المدني، على رغم أن واشنطن ضالعة في حمايته من شعبه، وشريكة في محاولة سحق الثورة.

لكن حمد يخشى تشكيكا أميركيا في جدوى نظامه بالنسبة إلى مصالح واشنطن في المنطقة، إن هي أرادت رحيلا عن هذه المنطقة، ويظن أنها تحتفظ لذلك الغرض بجسور تواصل مع القوى الأخرى. ولذا، نظمت السلطة حملة على وسائل التواصل، ضد السفير الأميركي الجديد لدى المنامة، ستيفن سي بوندي، لأنه اجتمع ببعض ممثلي منظمات المجتمع المدني.

لكن في البحرين بالذات، بخلاف ما هو عليه الأمر في السعودية والإمارات، حيث الاعتراض مكتوم، ما زالت قدرة المعارضة على التعبير عن رفضها كبيرة جدا. ومثلت زيارة رئيس وزراء العدو مناسبة لإظهار تلك القوة، ففضلا عن تغريدة آية الله الشيخ عيسى قاسم التي قال فيها: «يا نفتالي بينيت... ذكرى 14 فبراير وشعب البحرين الأبي كله مقاومة لوجودك»، داس محتجون العلم الإسرائيلي في الشوارع خلال تظاهرة في الديه رفضا لزيارة بينيت، غير عابئين ببطش النظام، الذي ما كان ليصمد لولا الحمايات المتعددة، السعودية والأميركية والإسرائيلية.

وعلى رغم حملات القمع المستمرة بلا هوادة منذ عام 2011، وأحكام السجن والإعدامات بحق المعارضين، تمكنت المعارضة البحرينية من المحافظة على قوة دفع التحركات في الشارع، الذي لا يكاد يمر يوم واحد إلا ويشهد تظاهرات ضد النظام، عدا الرفض التام لحكم آل خليفة، بحيث يبدو جليا للمراقب أن الشعب في مكان والحكم في مكان آخر، وكأنه سلطة احتلال مسلطة من الخارج عليه.

لقد حاول نظام البحرين في بداية الانتفاضة، إضافة إلى سحقها بالدبابات السعودية بعد شهر من انطلاقتها في 14 شباط 2011، إزالتها من الوجدان الجمعي لشعب البحرين، عبر هدم دوار اللؤلؤة في وسط المنامة الذي مثل رمزا للثورة، بعد ثلاثة أيام من دخول القوات السعودية.

لكن بعد 11 عاما، تمثل الثورة، كما يبدو، تهديدا للنظام أكبر من أي وقت مضى منذ انطلاقتها. وفي المقابل، يجتهد آل خليفة في ابتكار صنوف القمع واستدعاء الحمايات الأجنبية لوأدها، وصولا حتى استدعاء الاحتلال الاسرائيلي الذي صار دائم الوجود في يوميات هذا النظام، إن من خلال المناورات مع الأسطول الأميركي الخامس في البحر، أو من خلال الاتفاقات الأمنية، أو من خلال المحاولات القسرية الفاشلة سلفا لتغيير طبيعة البلد، تارة عبر محاولة "تهنيده" بتجنيس الهنود، وطورا عبر السعي لـ"تهويده" ولو ببضع عشرات من اليهود، وتحويل الاحتلال السعودي، إلى احتلالين سعودي وإسرائيلي، بواسطة النظام نفسه.

المصدر: جريدة الأخبار