مصر تترصد بقلق تحركات تركية وإماراتية في أفريقيا

مصر تترصد بقلق تحركات تركية وإماراتية في أفريقيا
الأحد ٢٧ فبراير ٢٠٢٢ - ٠٧:٤١ بتوقيت غرينتش

تتبّعت مصر تحركات وفد تركي رفيع المستوى زار ثلاث دول أفريقية أخيراً، في محاولة للوقوف على تفاصيل الزيارات، خصوصاً أنّها حصلت لمنطقة القرن الأفريقي التي تمثل أولوية قصوى للقاهرة في الوقت الراهن.

العالم - مصر

وذلك بسبب تصاعد توترات أزمة سد النهضة، على خلفية مواصلة إثيوبيا الإجراءات التي تصفها القاهرة بالأحادية، والتي كان آخرها تدشين المرحلة الأولى من توليد الكهرباء من السد.

وفي هذا الإطار، كشفت مصادر مصرية دبلوماسية وأخرى خاصة، في أحاديث لـ"العربي الجديد"، عن أن تكليفات صدرت للسفارات المصرية في السودان، وجيبوتي، والصومال، بجمع المعلومات الخاصة بلقاءات الوفد التركي، وتفاصيل الزيارات.

وذلك في وقت تستشعر فيه القاهرة القلق بسبب ما يمكن وصفه بانفلات زمام الأوضاع في السودان ومنطقة القرن الأفريقي من أيديها، وسط تحركات إماراتية وتركية في المنطقة، تتقاطع مع مصالح مصر، وذلك على الرغم من تأكيدات من أبوظبي، في وقت سابق، بعدم تعريض مصالح القاهرة للخطر، على حد تعبير المصادر.

وشهدت الأيام الأخيرة تراجعاً في مسار الاتصالات المصرية التركية، على وقع الخلافات بشأن المواقف الخاصة بملفات المنطقة وعلى رأسها ليبيا، وسط تباين واضح.

وفي الوقت الذي تدعم فيه القاهرة اختيار فتحي باشاغا من جانب مجلس النواب لرئاسة حكومة جديدة، تدعم أنقرة استمرار عبد الحميد الدبيبة في رئاسة حكومة الوحدة لحين إجراء الاستحقاقات الانتخابية.

وقالت المصادر، إن القاهرة طلبت تفسيراً من أبوظبي بشأن تحركات تقودها الإمارات أخيراً في منطقة القرن الأفريقي، مثلت تهديداً مباشراً للمصالح المصرية، كاشفة أنّ القاهرة فوجئت أخيراً بتحركات إماراتية تهدف إلى تقويض سلطة الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، التي قطعت القاهرة شوطاً كبيراً في إقامة علاقات جيدة معه، نظراً لحجم التأثير الكبير لدولته في أزمة سد النهضة التي تشغل صانع القرار المصري حالياً.

وأوضحت المصادر أن تقارير استخبارية، كشفت عن اتصالات إماراتية بعسكريين في جيبوتي، وشخصيات مشاركة في الحكم، هدفت إلى تقويض سلطات جيله، وممارسة ضغوط عليه، مشيرة إلى أنّ التحركات الإماراتية في هذا الشأن تخطت مرحلة الإضرار بالمصالح المصرية، إلى مرحلة أبعد من ذلك بكثير.

وفي 7 فبراير/شباط الحالي، زار جيله، القاهرة، على رأس وفد وزاري كبير، في زيارة شهدت توقيع عدد من اتفاقيات الشراكة والتعاون، وانصبت جلساتها المغلقة على قضايا الأمن في منطقة القرن الأفريقي، بخلاف أزمة سد النهضة الإثيوبي.

وبحسب المصادر، بذلت القاهرة جهداً كبيراً في تطوير العلاقات مع جيبوتي، باعتبارها أحد أوراق الضغط الهامة التي يسهل امتلاكها، فرض ضغوط كبيرة على إثيوبيا، حيث تعد المنفذ الرئيسي للتجارة الإثيوبية "الحبيسة"، من خلال ميناء جيبوتي، مشيرة إلى أنّ التحركات الإماراتية في منطقة القرن الأفريقي ومن قبلها السودان تهدد كافة الجهود المصرية.

في مقابل ذلك، كشفت مصادر خاصة، أن هناك ضغوطاً كبيرة تمارس على القاهرة من أجل حثها على الدفع بقوات عسكرية إلى منطقة الساحل الأفريقي، لمواجهة تمدد العناصر هناك.

وقالت المصادر، إن القاهرة تلقت طلباً أميركياً، للدفع بقوات عسكرية إلى منطقة الساحل الأفريقي، بهدف المشاركة في "عمليات الحد من توسع التنظيمات الإرهابية هناك"، وذلك في ظل حالة الانسحاب الفرنسي، وعدم الرغبة من جانب القوى الأوروبية في مواجهة الأزمة.

وأوضحت المصادر، أن المقترح الأميركي لم يلق قبولاً من جانب المؤسسة العسكرية في مصر، التي تخشى من المخاطرة بالدخول إلى ساحة معارك لا تعرف أبعادها بشكل جيد، وسط معارك أقرب لحرب الشوارع، لافتة إلى أن القاهرة عرضت تدريب الكوادر الأمنية والعسكرية بدول منطقة الساحل الأفريقي.

وبحسب المصادر، فإن الزيارة التي قام بها قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال كينيث ماكينزي، لمصر في التاسع من فبراير الماضي، والتقى خلالها وزير الدفاع محمد زكي، جرى خلالها بحث المطلب الأميركي، وتوسيع قاعدة التعاون.

وأطلقت الولايات المتحدة، مطلع الشهر الحالي، برنامج تدريب من ساحل العاج، للقوات الأفريقية، على مكافحة الإرهاب، يضم أكثر من 400 جندي من دول غرب أفريقيا، بهدف تعزيز مهارات القوات التي يتعرض بعضها لهجمات من قبل الجماعات المسلحة المرتبطة بـ"القاعدة" و"داعش".

وأفاد قائد العمليات الخاصة الأميركية في أفريقيا، الأميرال جيمي ساندز، خلال افتتاح البرنامج، بأن "التركيز الرئيسي ينصب على تبادل المعلومات".

وجاء انطلاق البرنامج في ظل اضطرابات يسيطر خلالها مسلحون تابعون لـ"القاعدة" و"داعش" على مناطق واسعة، وسط تزايد الانقلابات وانسحاب القوات الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي.

وكانت مصادر مصرية خاصة قد كشفت أنه من ضمن المسائل الرئيسية التي بحثها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع نظيره السنغالي ماكي سال، في القاهرة، في نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، مسألة "تدخّل مصر بفاعلية" في منطقة الساحل الأفريقي لمحاربة الإرهاب.

وأشارت المصادر إلى أن "الأمر ذاته بحثته القيادة المصرية مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال زيارته إلى القاهرة في يناير الماضي".

ويأتي ذلك، مع تراجع الدور العسكري الفرنسي في مالي، ومنطقة الساحل الأفريقي عموماً، والصعوبات التي تواجهها قوة "تاكوبا" الأوروبية في المنطقة.

وأوضحت المصادر أن مصر "ترغب في توسيع الدور الذي تؤديه في أفريقيا، من خلال التدخّل بفاعلية في عمليات محاربة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، بعد تسع سنوات من فشل المحاولات الفرنسية، التي أعاقت الجهود المصرية السابقة في هذا المجال، والتي بدأت في مارس/آذار 2015، حيث قامت بالتدخل العسكري المباشر في كل من مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى".

ورجّحت المصادر أن يكون "العرض المصري، الذي اتفق مع رغبة سنغالية، بالمساعدة في جهود محاربة الإرهاب في الساحل الأفريقي، جاء بعد تنسيق مع فرنسا، التي تريد إنهاء وجودها العسكري في المنطقة بعد سنوات من الفشل العسكري والخسائر المادية والبشرية".

وأوضحت أن "السيناريو المرسوم، يمكن تنفيذه على أرض الواقع، عبر تشكيل قوات عسكرية أفريقية مشتركة، ولكن الدور الفرنسي لم يتم تحديده بشكل واضح حتى الآن".

وأشارت المصادر إلى أن المقاربة المصرية تعتمد على فكرة تحويل التجمع الاقتصادي المسمى بتجمع "دول الساحل والصحراء" (25 دولة)، الذي أنشئ عام 2002، إلى تجمع عسكري لمحاربة الإرهاب، ولذلك انبثقت عن اجتماع الدول الأفريقية، اجتماعات لوزراء الدفاع الأفارقة، استضافتها مصر في عام 2015 وأصبحت تعقد سنوياً.

وأضافت المصادر أن تجمع "دول تجمع الساحل والصحراء تسعى للحصول على تدريبات عسكرية متقدمة على الأراضي المصرية، باعتبار أنّه الأسلوب الأنسب للحرب على الإرهاب، وتشارك مصر في تلك الرؤية".

وذكّرت المصادر بأنّ "مصر عادة ما تروج لنجاحها في ما يسمى بالحرب على الإرهاب على أراضيها، وأنه يمكن أن يكون نموذجاً دولياً في هذا المجال".