أوروبا تدفع ضريبة تبعيتها المطلقة لأمريكا.. ركود إقتصادي وإضرابات وأزمات مجتمعية

أوروبا تدفع ضريبة تبعيتها المطلقة لأمريكا.. ركود إقتصادي وإضرابات وأزمات مجتمعية
السبت ١٠ ديسمبر ٢٠٢٢ - ٠٤:٥٢ بتوقيت غرينتش

"بروكسل لا تريد أن تفهم أنها بالنسبة لواشنطن، ليست سوى شريك صغير، بعد أن تورطت بضغط من الولايات المتحدة، في مواجهة مباشرة مع روسيا، على عكس مصالحها الاقتصادية والسياسية، وكلما قل استعداد الاتحاد الأوروبي لصياغة أولوياته الخاصة والدفاع عنها أمام الأمريكيين، قل اعتبارها على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي". هذا الكلام هو للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا.

العالم كشكول

كلام زاخاروفا، هو وصف في غاية الدقة للوضع الاقتصادي السيىء الذي تعيشه الشعوب الاوروبية اليوم، بسبب سياسة التبعية العمياء للحكومات الاوروبية، للقرار الامريكي، حتى ولو جاء هذا القرار على النقيض من مصلحة الشعوب الاوروبية، كما هو الحال في قضية تسعير الغاز الروسي، بينما في المقابل تنهب امريكا خزائن اوروبا عبر بيعها الغاز للاوروبيين باسعار مرتفعة جدا، مستغلة ازمة الطاقة العالمية.

ما قالته زاخاروفا عن آثار التبعية الاوروبية لامريكا، جاء مطابقا للارقام التي اعلنت عنها مفوضية الاتحاد الأوروبي، والتي توقعت بأن تدخل البلدان الاوروبية في ركود في الفصل الأخير من عام 2022، وكل عام 2023، بسبب ارتفاع اسعار الطاقة.

زلزال التبعية الاوروبية والحرب الاوكرانية، مازال يهدم العديد من المؤسسات والشركات الاروبية، لاسيما في بريطانيا والمانيا وفرنسا، اكبر اقتصاديات الاتحاد الاوروبي، الامر الذي كشف، ليس عن عورة سياسة الاتحاد الاوروبي غير المستقلة فحسب، بل كشف ايضا عن الخلل البنيوي الذي يعاني منه الاقتصاد الراسمالي الغربي، الذي اوشك على الانهيار امام تداعيات حرب، مازالت جميع الدول الاوروبية بعيدة عن نيرانها.

في بريطانيا تخطت نسبة التضخم 11%، وتشهد منذ شهور إضرابات غير مسبوقة، تشمل كل القطاعات من عمال البريد إلى موظفي الحكومة وعناصر الأمن وحتى موظفي منظمة غير حكومية تساعد المشردين، الذين أبدوا مخاوف من أن يصبحوا بدورهم مشردين!.

ومع تصاعد حركة الاضرابات، أعلنت الحكومة ، انه سيتم استدعاء تعزيزات من الجيش للقيام بمهام العمال المضربين في بعض القطاعات الحساسة، مثل شرطة الحدود وفرق سيارات الإسعاف.

وفي المانيا، التي تعتبر أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الاوروبي، فأن اقتصادها سيكون الأسوأ على مستوى الاتحاد، وبحسب مؤسسة "إي إف أو" في مدينة ميونخ بألمانيا، فإن من المتوقع حدوث ركود تصل نسبته إلى 0.3 في المئة. أما البنك الألماني "دويتشه بنك" فيبدو أكثر تشاؤماً من الآخرين ويتوقع حدوث كساد اقتصادي تصل نسبته إلى 3.5 في المئة.

وفي فرنسا، شهدت القدرة الشرائية للمواطنين اكبر تراجع لها منذ 40 عاما، بعد أن تسبب وقف روسيا تدفقات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، لأجل غير مسمى، في ارتفاع أسعار الغاز في القارة بنسبة 610% مقارنة بنفس الفترة خلال العام الماضي، مما ساهم في ارتفاع أسعار كافة السلع.

وبات الحصول في فرنسا على وقود للسيارات أمرا بالغ الصعوبة، حيث تمتد طوابير السيارات عدة كيلومترات أمام محطات الوقود، وزاد من تفاقم الازمة إضراب عمال النفط، الذي اصبح احد أصعب التحديات التي يواجهها الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون منذ إعادة انتخابه في مايو/أيار الماضي.

يبدو ان هناك مسؤولين اوروبيين، بدأوا يتذمرون علنا من التبعية المطلقة للسياسة الامريكية، فقبل ايام نقلت صحيفة "بولتيكو" عن مسؤولين أوروبيين قولهم ان امريكا تجني أرباحا ليس من الأزمة الأوكرانية فحسب بل ومن نقص موارد الطاقة بأوروبا عبر بيع المزيد من الغاز الامريكي على اوروبا وبأسعار مرتفعة، وكذلك بيعها المزيد من الأسلحة.

ولكن لا يبدو ان هذه الاصوات الاوروبية "الشاذة" يمكن ان تشكل تغييرا في السياسة الاوروبية الذيلية لامريكا، فالمسؤولون الاوروبيون مازلوا مندفعين وبشكل لافت في تنفيذ السياسة الامريكية، ضد روسيا، وهو اندفاع لم ولن يتوقف، الا في حال حصول ازمة مجتمعية حادة تطيح بكل شيء في اوروبا، على وقع استمرار الحرب الاوكرانية، التي تنفخ فيها امريكا، عندها فقط يمكن ان تتحرك النخب الاوروبية، للانعتاق من نير التبعية الامريكية.