مسلسل الإساءات الغربية ضد الإسلام

مسلسل الإساءات الغربية ضد الإسلام
السبت ٢٢ يوليو ٢٠٢٣ - ٠٥:٢٠ بتوقيت غرينتش

مرة بعد مرة تعود الإساءات الغربية عموماً، والاوروبية خصوصاً، لتطل برأسها بصورة انتهاكات تستهدف رموزاً اسلامية مقدسة، وبما ينتهك المشاعر الدينية لمليار وسبعمئة مليون مسلم حول العالم، فمن رسوم مسيئة تمس شخص النبي محمد صلى الله عليه وآله، الى التعدي على حرمة وقدسية القرآن الكريم، وصولاً حتى الى اهانة الرموز القومية والأعلام الوطنية لبعض الدول العربية والاسلامية.

العالم - مقالات

ان هذه الانتهاكات الدنيئة لا بد لها ان تثير تساؤلات عدة حول الاهداف الخفية لهذه الاساءات من جهة، وحول الفجوة الثقافية والمجتمعية والمفاهيمية ما بين دول الشمال ودول الجنوب بصورة عامة من جهة اخرى.

ففي اطار الاهداف الخفية، (والتي تحددها الدولة العميقة الامنية والاستخبارية في هذه الدول، والمرتبطة حكماً بأجهزة الاستخبارات في دول الناتو والولايات المتحدة والإحتلال الاسرائيلي)، تظهر الى العلن النية المبيتة بتعميق الشرخ الحضاري وتعميم مشاعر الكراهية المتبادلة ما بين الشعوب المسلمة من جهة، والشعوب الاوروبية من جهة اخرى، وذلك على خلفية تصعيد مفهوم مشوه للحرية، واستفزاز رد فعل يجعل شعوب الدول الاسلامية تبدو وكأنها لا تتقبل حرية التعبير عن الرأي، او انها هي ذاتها تعبر عن رأيها المضاد بصورة عنفية - عشوائية - فوضوية.

من جانب آخر فقد تلقت العديد من الدول الاوروبية افواجاً كبيرة من اللاجئين الذين تسببت، وعبر دعمها للارهاب، بتدمير دولهم والاضرار باقتصادياتها الى حد يقارب الانهيار، وهذه المجتمعات الغربية التي تعاني من الانهيار الديمغرافي بحاجة لترميم البنى السكانية في مجتمعاتها الهرمة، وهنا فإن "استيراد" المهاجرين الشباب، وذوي معدل الخصوبة المرتفع، بحاجة الى ضبط على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي، وهنا فإن رصد ردود فعل المهاجرين على اهانة مقدساتهم تعطي مؤشراً لأجهزة هذه الدول الامنية لرصد تقبل المهاجرين لمعايير "الاندماج" التي يجب ان تتضمن تطويعهم لقيم التخلي النيوليبرالية، والتي تتضمن مسح الانتماء الديني والثقافي والمجتمعي، بما في ذلك القبول بالتحول والشذوذ الجنسي، والقبول بانتهاك المقدسات تحت يافطة "حرية التعبير عن الرأي".

اللافت للنظر ان مفهوم "حرية الرأي" في مثل هذه المجتمعات استنسابي ومزدوج في معاييره الى اقصى الحدود، ففي الوقت الذي يعاقب فيه قانون "فابوس- غيسو" بالسجن كل من يشكك، ولو عبر دراسة موثقة، برقم الستة ملايين الذين قضوا في "الهولوكوست"، فهو لا يرى اي انتهاك او داع للعقاب لدى اهانة المشاعر المقدسة لمئات الملايين من البشر، بل انه يحمي المنتهكين ويشجعهم.

ان قيام مواطن عراقي (مسيحي الديانة، وليس مسيحياً بالفكر والسلوك) بهذا الاستفزاز لا يبتعد عن مقاصد غربية - صهيونية لزيادة الشروخ في المجتمعات العربية على خلفية طائفية، وهو الامر الذي عمل عليه الاعلام العربي المتواطئ مع الغرب لسنوات عديدة تعزيزاً للانقسام المذهبي، واذكاءً لمدخلات التناحر الداخلي التي دفع بها الغرب واتباعه خلال حقبة "الربيع العربي".

اما على مستوى الفجوة المجتمعية - الثقافية - المفاهيمية ما بين دول الغرب والمجتمعات الاسلامية، فمن الواضح ان "الريليجيوفوبيا" وضرب الانتماء الديني (بما يخص الاديان جميعها) هو واحد من التوجهات الهادفة لمسح الهويات والانتماءات المختلفة، وتعبيد الطريق امام العولمة التي تقدس قيمة وحيدة هي المال، والذي يتحكم به فعلياً الاحتياطي الفيدرالي الامريكي.

من جانبٍ آخر، فإن "الاسلاموفوبيا" الثقافية والتي تتجلى في ممارسات كإحراق القرآن الكريم، هي عنوان ومدخل للتمييز العنصري الثقافي، اي كراهية واضطهاد حَمَلة الثقافة الاسلامية كأفراد، ولاحقاً ايضاً التمييز العرقي ضد من يحملون سمات عرقية ومورفولوجية تنتمي الى المجتمعات الاسلامية، وليس بعيداً عن ذلك بالمحصلة حوادث عنف وقتل، كتلك التي استهدفت شاباً جزائرياً بالقتل على خلفية مخالفة مرورية.

ان الرد على هذه الانتهاكات يجب ان يكون على المستوى الشعبي والسياسي والثقافي بل والقضائي ايضاً.

فعلى المستوى الشعبي كانت هناك هبة قوية في دول ومجتمعات عربية عدة، وهذه الاحتجاجات فعالة ومؤثرة على مستوى الاعلام والرأي العام، وبالتالي ايضاً على المستوى السياسي، مع التأكيد والحرص على عدم ممارسة العنف ضد سفارات واعضاء البعثات الدبلوماسية، وحتى الوافدين الشرعيين والسياح الذين يحملون جنسيات الدول المعنية بحدوث الانتهاكات، باعتبارهم اولئك جميعاً من "المستأمنين" في ديار المسلمين، ويدخل في رد الفعل الشعبي المطلوب حملات المقاطعة لبضائع الدول المعنية كوسيلة ضغط على حكوماتها.

اما على المستوى الرسمي فيمثل الضغط الدبلوماسي الذي بادرت اليه دول كالجمهورية الاسلامية الايرانية والجمهورية العراقية عاملاً فعالاً ايضاً، لا سيما اذا اضيفت اليه اجراءات اقتصادية وسياسية عقابية، فالمصالح الاقتصادية هي اللغة التي تفهمها بعض الحكومات التي لا تجد لديها اللغة المبدئية والاخلاقية أذناً صاغية.

اما على المستوى الثقافي، فمن الضرورة بمكان تعميق لغة الحوار مع الاوساط الفكرية والاكاديمية والاعلامية، وذلك على الرغم من ان شريحة واسعة من هذه النخب لديها اجنداتها المسبقة والمعروفة وغير القابلة للنقاش، ولكن مع ذلك فعرض وجهة النظر القائلة بأن "حدود حريتك تقف عند حقوق الآخرين" يجب ان تُشرح من جديد، وذلك من باب الايضاح بأن الاختلافات الثقافية بين المجتمعات هي امر واقع يجب التعامل معه باحترام، فالاختلاف، وحتى الخلاف والتضاد، لا يقتضي الاهانة او العنف، سواء تمظهر هذا العنف بالشكل المادي او المعنوي او اللفظي.

اما على المستوى القضائي، فالبحث في "الاختصاص العالمي" لأجهزة القضاء في الدول العربية والاسلامية امر جدير بالدراسة، فمحاسبة القائمين على اهانة المشاعر الاسلامية المقدسة في الاطار القضائي امر ضروري، والسعي لاحقاً الى تسلُّم المدانين او المتهمين ضمن اطار اتفاقيات ثنائية او جماعية هو آلية اضافية تعمل على تعزيز الردع تجاه كل من يمكن ان يفكر بالاقدام على اهانة المسلمين ومقدساتهم، سواء تمت هذه الانتهاكات داخل اراضي الدول المسلمة ام خارجها.

(د. أسامة دنورة - كاتب و محلل سياسي)