لمصلحة من تخريب العلاقة مع حكومة السوداني؟

لمصلحة من تخريب العلاقة مع حكومة السوداني؟
الأربعاء ٠٩ أغسطس ٢٠٢٣ - ٠٨:٣٩ بتوقيت غرينتش

ابرمت ايران والعراق مؤخرا اتفاقا ثنائيا لمبادلة النفط العراقي بالغاز الايراني والاتفاق جاء بعد تشديد الحظر الامريكي على دفع الديون الايرانية من قبل العراق جراء استيراده الغاز الايراني.

العالم-العراق

وما زال يعاني العراق من اثار العقوبات الدولية التي فرضت عليه بسبب احتلال نظام صدام للكويت في اغسطس ١٩٩٠. كما تفرض الولايات المتحدة وصاية دولية على ايرادات مبيعات نفط العراق الذي يلزم بايداعه في حساب خاص في البنك الفيدرالي الامريكي.

ومنذ خروج الولايات المتحدة الامريكية، في عهد دونالد ترامب، من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات ظالمة على صادرات النفط الايرانية والتحويلات المصرفية، فقد منع العراق من تسديد الديون الايرانية الا باستثناءات كانت تمنحها الخارجية الامريكية لمدة ٣ اشهر لكل مرّة.

ولقد استمرت سياسة منح الاعفاءات لتسديد الديون الايرانية حتى مجيء حكومة السيد محمد شياع السوداني الذي رشحه ودعمه الاطار التنسيقي، الذي تصفه امريكا بانه حليف لايران، لتولي الحكم نهاية ٢٠٢٢ خلفا لحكومة الكاظمي. لكن واشنطن التي لم تكن مرتاحة لنجاح الاطار التنسيقي الشيعي بتشكيل حكومة تابعة له وترشيح شخصية وطنية مقبولة مثل محمد شياع السوداني، شددت من قبضتها على النظام المالي بعد اقل من اسبوع لتولي السوداني لمهامه في ٢٧ / ١٠ / ٢٠٢٢.

وتحججت واشنطن ببعض قضايا الفساد التي تورط بها فريق الكاظمي، وقامت بتشديد قبضتها على النظام المالي العراقي مع اول ايام حكومة السوداني. وهذا ما تسبب باضطراب السوق العراقية وارتفاع سعر الدولار بشكل جنوني.

وقتها تم قراءة الاجراء الامريكي بأنه ورقة تحذير للسوداني والاطار التنسيقي، بأن العصب الحساس للاقتصاد في العراق بيد امريكا لوحدها، ويمكن للعراق ان يواجه مصيرا كمصير لبنان الذي فرضت على نظامه المصرفي عقوبات ادت لانهيار اقتصاده المحلي.

وفي ظل هكذا اجواء، ومع اول يوم لتوليه المسؤولية، قام رئيس الوزراء العراقي بوضع ملف الديون الايرانية، التي تراكمت لحدود ١١ مليار دولار، على قائمة اولوياته لعدة اسباب:

١- لانها ديون مستحقة لدولة جارة وصديقة لقاء صادرات الغاز لعدة سنوات. والاعراف والقوانين تحتّم الايفاء بسدادها رغم المرونة التي تبديها الجمهورية الاسلامية مع العراق لدواع انسانية واخلاقية.

٢- ان التسديد ضروري لضمان امدادات الطاقة في فصل الصيف، لكن استخدام هذا الملف من قبل من يريدون تخريب اجواء الاستقرار السياسي الذي تعول عليه حكومة السوداني لتقديم الخدمات للشعب العراقي.

لقد اودعت حكومة السيد السوداني، مطلع العام الميلادي الجاري، مبلغ ٢ مليار دولار في مصرف التجارة العراقي تمهيدا لتسديده لإيران عبر احدى المصارف العمانية لتلبية الاستيرادات الغذائية والدوائية لايران لكن ما حدث ان الولايات المتحدة، التي تسعى لاعادة ايران لطاولة المفاوضات النووية، قامت باستخدام ملف الديون كورقة ضغط على الجمهورية الاسلامية. لذا عرقلت تسليم المبلغ الذي رصدته حكومة السوداني الى ايران بالآلية المتفق عليها عبر القناة العمانية.

وحسب ما افاد المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، فقد دفعت حكومة السيد محمد شياع السوداني، خلال ٥ اشهر من عمرها، ١.٦ مليار يورو. من هنا اعتبر تسديد جزء من الديون الايرانية خطوة تثبت مصداقية رئيس وزراء العراق في تسوية الديون، كما تثبت جرأته في تحدّي الحظر الامريكي على ايران. ولكن بعد تعثر سداد الدفعات اللاحقة من الديون الايرانية بفعل تشديد الحظر الامريكي وعرقلته لعمل القناة العمانية، انعكس ذلك على امدادات الغاز الى العراق، مطلع يوليو تموز الماضي، تزامنا مع فصل الصيف وتراجع ساعات التجهيز بالطاقة في اغلب المحافظات العراقية.

ومن اجل توفير الطاقة الكهربائية بأي ثمن، قرّر رئيس الوزراء تحدّي الحظر الامريكي على تسديد الديون الايراني، وابلغ المسؤولين في الجمهورية الاسلامية بحلّ ذهبي من شأنه ان يجهض ورقة الضغط الامريكية.

ووصف الحل الذي اقترحته السوداني بمبادلة النفط الخام بالغاز الايراني بأنه آلية واقعية وجريئة، لانه يسمح بتحدّي الحظر الامريكي والالتفاف عليه، كما يسمح بتوفير الطاقة للشعب العراقي في الصيف.

ولقد هاجم بعض المتسرعين هذا الاتفاق، الذي حظي بموافقة القيادة العليا للبلدين، باعتبار انه، بزعمهم، لا يحقق مصالح الجمهورية الاسلامية. لكن يجهل هؤلاء ان مثل هكذا اتفاقات يراد منها كسر الهيمنة الامريكية وتحقيق مصلحة البلدين، ولايمكن كشف تفاصيلها امام عدو متربّص لعزل هذين البلدين والشعبين الصديقين والشقيقين.

وكدليل على ذلك، فإن الاتفاق وبعد ايام قليلة من توقيعه اجبر ادارة بايدن ان تعطي ولأول مرة استثناء لحكومة السيد السوداني لدفع الديون الايرانية عبر الوسيط العماني. وهذا نصر تحقق بفضل الارادة الصلبة لكلا البلدين، وتعاونهما المستمر لتوطيد العلاقات الثنائية رغم الضغوطات الامريكية.