بريكس.. لا لبلطجة الدولار

بريكس.. لا لبلطجة الدولار
السبت ٢٦ أغسطس ٢٠٢٣ - ٠٣:٤٨ بتوقيت غرينتش

الحديث عن إسقاط دكتاتورية الدولار عن عرش الاقتصاد العالمي، كان يعتبر ترفا فكريا، الا انه وبعد ان فرضت مجموعة "بريكس"، التي تضم خمسة من اكبر الاقتصاديات الناشئة في العالم، وهي الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا، وجودها على الاقتصاد العالمي، ولاسيما بعد إنضمام ست دول الى المجموعة مؤخرا، ومن بينها ايران، بات الحديث عن إنهيار عرش الدولار، هو حديث اليوم ولا خلاف فيه، الا حول موعد هذا الانهيار.

العالم – قضية اليوم

رغم ان الدعوة الى التخلص من الدولار، بعد ان حولته امريكا الى سلاح لفرض هيمنتها على العالم، والتخلص من الدول الرافضة لهذه الهيمنة عبر محاصرتها وتجويع شعوبها، لم تكون دعوة جديدة او محصورة بمجموعة بريكس، الا ان الاستخدام المفرط لامريكا لهذا السلاح خلال العقود الاخيرة والذي تجاوز ما بات يوصف بالارهاب الاقتصادي، لاسيما ضد ايران بعد انتصار الثورة الاسلامية، وضد روسيا بعد حرب اوكرانيا، وضد الصين لافشال نهضتها الاقتصادية، بعد ان تحولت الى منافس قوي لامريكا والغرب، جعل من مجموعة بريكس، المتحدث الرسمي باسم الدول التواقة للتحرر من النظام الاقتصادي العالمي الحالي الذي تتحكم به امريكا، والانتقال الى نظام اقتصادي عالمي قائم على التعددية والعدالة والمساوة.

يرى الخبراء ان "التطبيق العملي" لشعار بريكس بالتخلص من الدولار يعود الى أوائل 2022، عندما فرض الغرب عقوبات على روسيا، بعد الحرب في اوكرانيا، وهو ما ادى تجميد نسبة كبيرة من احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية، وحذف المصارف الروسية الكبرى من شبكة "سويفت"، وهي شبكة تتحكم بها امريكا والغرب، وهو ما دعا روسيا للاعلان عن نيتها بيع نفطها بعملتها الوطنية الروبل، وبالفعل باعت نفطها الى الهند بالروبل في مارس/آذار 2023.

روسيا حققت بهذا الاجراء أمنية لطالما راودت دول الجنوب، التي كانت تطالب بالتعامل بالعملات المحلية في التعاملات التجارية والمالية، بين دولها، لمواجهة المشاكل الناجمة عن هيمنة الدولار، منذ ان تحول الى عملة رئيسية في المعاملات المالية والتجارية على مستوى العالم، بعد ان تم فرضه كعملة لتسعيير وتقييم النفط.

اليوم وبعد انضمام دول نفطية الى بريكس، مثل ايران والسعودية والامارات، الى جانب روسيا، فان بريكس، ستستحوذ على حصة كبيرة من انتاج النفط في العالم، فهذه الدول الاربع، وفقا لبعض التقارير، تنتج اكثر 25 مليون برميل يوميا، الامر الذي سيحفز ويشجع دول بريكس على تسعير النفط بغير الدولار، وهو ما يعتبر خطوة كبيرة على طريق قد يكون طويلا، الا انه سينتهي حتما بالتخلص من الدولار، و وضع حد لعصر "البترودولار".

يرى خبراء الاقتصاد، انه حتى لو لم يتحقق هدف مجموعة بريكس، المتمثل بالتخلص من الدولار، بالسرعة التي تتمناها دولها، الا ان هذه الدول يمكن ان تُفشل، او حتى ان تقلل من تأثير العقوبات التي تفرضها امريكا على دولها، التي تضم ما يزيد عن 40 بالمئة من سكان العالم، و تنتج أكثر من 30 بالمئة من الانتاج العالمي، وحققت نموا بنسبة 31.5 بالمئة.

مجموعة بريكس، اثبتت ان الدولار ليس قدرا، وان بامكان دول العالم وخاصة الدول النامية والفقيرة، ان تتخلص منه، اذا ما اتحدت وتوحدت وتمكنت من انشاء مؤسسات وبنوك بديلة، عن مؤسسات وبنوك النظام الاقتصادي الامريكي الجشع، وهو ما فعلته بريكس، عندما اسست "بنك التنمية الجديد"، الذي اصبح البديل للمؤسسات المالية الدولية التي تهيمن عليها امريكا، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فبنك التنمية الجديد، يقدم قروضا لاعضائه بالعملات المحلية، مبتعدا عن استخدام الدولار، تاركا وراء ظهره النظام الاحادي القطب، متهجا نحو نظام متعدد الأقطاب، يتنفس فيه الفقراء الصعداء، بعد ان جثم الدولار على صدورهم لاكثر من 7 عقود.

كل ما قلناه حتى الان، لخصه سفير جنوب أفريقيا لدى الصين سيابونجا سيبريان كويلي، بعبارة موجزة، عندما قال: نحن لسنا ضد الدولار، ولكن نحن ضد استخدامه "للبلطجة" على الآخرين، وفرض عقوبات عليهم، لا تستند إلى الأمم المتحدة، وتسبب مشاكل لنا جميعا.

*أحمد محمد