ماذا يفعل نتنياهو في اغلى الفنادق الفلسطينية؟

ماذا يفعل نتنياهو في اغلى الفنادق الفلسطينية؟
الأحد ٢٧ أغسطس ٢٠٢٣ - ٠٣:٢٥ بتوقيت غرينتش

انتقلت عائلة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو للسكن في فندق "والدورف أستوريا" اغلى الفنادق في القدس المحتلة.

العالم- الاحتلال

هذا ليس صدفة، بل هذا مكر من التاريخ، فقد أقيم هذا الفندق في أحشاء بناية فندق بالاس، المقر التاريخي للمجلس الإسلامي الأعلى والحركة الوطنية الفلسطينية،

وكان الحاج أمين الحسيني، رحمه الله، قد جند التمويل، وبادر إلى بناء الفندق باسم المجلس الإسلامي الأعلى الذي كان يرأسه، وأوكل التخطيط للمهندس المعماري التركي المبدع نحاس بيك.

جرى تشييد العمارة، التي افتتحت عام 1929، على الطراز العربي الإسلامي الأندلسي، وشملت 200 غرفة، منها 50 جناحًا فاخرًا، وارتفعت إلى علو أربعة طوابق، وكان فيها ثلاثة مصاعد وتدفئة مركزية وهواتف ومراحيض وحمامات في كل غرفة، وكان الفندق، في حينه، أفخر فنادق القدس، وعمد الحاج أمين الحسيني على منح مبناه طابعًا عربيًا أصيلًا للتأكيد على هوية المكان، وللتشديد على هذه الهوية نقش فوق المدخل بيتًا من الشعر لشاعر الحماسة الأموي المتوكل الليثي: "نبني كما كانت أوائلنا… تبني ونفعل مثلما فعلوا".

لقد بني الفندق الاستعماري "والدورف أستوريا"، بعد هدم وتفريغ الأجزاء الداخلية التي كانت مبهرة بجمالها، وتم الإبقاء على الغلاف الخارجي لفندق بالاس الفلسطيني، بالضبط كما تجري عملية قحف الكوسا. كانت تلك جريمة معمارية من الطراز الثقيل وتمثيلًا في الجسد المعماري وتفريغه من محتواه حرفيًا، وليس مجازًا فقط. وتمثل هذا الانحطاط الأخلاقي في إنشاء مشهد همجي لقوس نصر، بانسجام "معماري" مع سياسات الاستعمار الاستيطاني الإحلالي، حيث جاءت العمارة الإسرائيلية الجديدة لتركب فوق العمارة الفلسطينية، وتقهرها وتعتلي فوقها بخيلاء المستعمر المزهو بنفسه وجرائمه التي تحدد هويته.

قبل سنوات قلت في الكنيست لنواب قاطعوني: "كنا قبلكم وسنبقى بعدكم!" – أي كنا قبل الصهيونية، وسنبقى بعد أن تزول، فطلب نتنياهو حق الكلام، واعتلى المنصة للرد علي وقال: "الجزء الأول من كلام زحالقة غير صحيح والجزء الثاني لن يكون".

وقد تباهى بهذه القصة في كتابه الجديد، الذي نشر عشية الانتخابات الأخيرة، وها هو اليوم يدخل فندق بالاس الفلسطيني، الذي شيده الحاج أمين، وفوق مدخله نحت "بنى هذا النزل المجلس الإسلامي الأعلى بفلسطين سنة 1929".

لقد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، دافيد بن غوريون، السكن في بيت عائلة جمل الفلسطينية، تفاديًا لرمزية سكن رأس السلطة في الكيان الصهيوني في بيت عربي هجر أهله، وتلاه في ذلك وللسبب نفسه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، ليفي أشكول، الذي لم يقبل السكن في بيت عائلة عبد الغني في القدس الغربية، أما رئيس الوزراء القصيرة ولايته، يئير لبيد، فقد انتقل إلى السكن في "فيلا سلامة"، التي بناها رجل الأعمال الفلسطيني حنا (جو) سلامة عام 1932.

يمكن القول عن لبيد بأنه فاقد للوعي التاريخي، لكن لا يمكن قول ذلك عن نتنياهو، الذي يعرف تمامًا مغزى ومعنى انتقاله للسكن في عمارة شيدها أصلًا الحاج أمين الحسيني، فهذا بالنسبة لعقليته تأكيد على النصر على الحاج، وعلى ما يمثله، وعلى ما هو منحوت فوق مدخل الفندق الذي انتقل إليه.

قودنا هذا العدوان "المعماري" إلى التشديد على الضرورة الوجودية للمقاومة الثقافية في هذا المضمار أيضًا، عبر فضح الجرائم المعمارية من جهة وبناء هوية معمارية فلسطينية (وعربية) حديثة من جهة أخرى. لقد استطاعت قوانا السياسية والأهلية، بفضل نضال عنيد استمر لسنوات طويلة منع إقامة عمارة "مركز التسامح" فوق مقبرة "مأمن الله"، التي تقع في الجهة المقابلة من الشارع، على بعد أمتار قليلة من بناية فندق "بالاس".

وكانت لجان التخطيط الإسرائيلي أجازت هذا المركز، وصادقت على الشروع ببنائه، وكاد يتم ذلك لولا المظاهرات والمسيرات والنداءات والعمل المتواصل الدؤوب، الذي أجبر القائمين عليه على التراجع، والإبقاء على المقبرة التاريخية كما هي. علينا أن نتصدى للجرائم المعمارية في كل موقع، وأن نبني بالمقابل عمارتنا الحديثة، لا اجترارًا للماضي، ولا نسخًا عن الآخرين، بل تعبيرًا عن واقعنا وأحلامنا وحاجاتنا وذوقنا الجمالي، بالاستفادة من الإرث الحضاري والتفاعل مع الآخر الغربي والشرقي، ولنا في الحداثة الكاتالونية مثال يحتذى به.

*جمال زحالقة