أين الخلل.. لماذا لم تحرك الأجساد الممزقة لأطفال غزة الضمير الغربي؟

أين الخلل.. لماذا لم تحرك الأجساد الممزقة لأطفال غزة الضمير الغربي؟
الإثنين ٠٦ نوفمبر ٢٠٢٣ - ٠٧:٠٠ بتوقيت غرينتش

عندما يطالب وزراء في الحكومة الكيان الاسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو، وبشكل علني، بمحو غزة من الوجود، وابادة اهالها، والقاء قنبلة نووية عليهم، حتى بعد قتلهم 10000 من اهلها 80 بالمائة منهم اطفال ونساء، تساءل الكثيرون عن سر الدعم الامريكي والغربي، للكيان الاسرائيلي، رغم كل هذه التصريحات، والابادة الجماعية، وهو تساؤل في محله، نظرا للهالة التي صنعها الغرب له، كمدافع عن حقوق الانسان والحيوان والديمقراطية والكرامة الانسانية.

العالم – مقالات وتحليلات

في خضم متابعة ما يرتكبه الكيان الاسرائيلي من فظاعات في غزة، ليس فقط امام عيون العالم "الغربي المتحضر"، بل بدعم وتشجيع مباشر من هذا "العالم" الذي صدع روؤسنا لقرون طويلة، بثورته الصناعية وعصر النهضة وبعصر الانوار والحداثة وما بعد الحداثة و..، وقفت كثيرا امام التساؤلات العفوية للمتابعين من العرب والمسلمين، عن الاسباب التي تقف وراء التأييد الغربي الاعمى، للتوحش والاجرام الاسرائيلي البشع، الذي ينقل بالصوت والصورة، من دون ان تحرك مشاهد الجرائم الدموية، ضمائر زعماء هذا الغرب، الذين مازالوا يتحدثون وباصرار عن دعمهم المطلق لـ"اسرائيل"، وكأن الذين يموتون في غزة ليسوا بشرا؟.

هناك راي يقول ان الكيان الاسرائيلي هو قاعدة غربية متقدمة في قلب العالم الاسلامي، ووجدت من اجل الدفاع عن مصالح الغرب، وتشتيت وشرذمة العرب والمسلمين ومنعهم من استعادة مجده، عبر استنزاف ثرواتهم وقواهم في صراع مع هذا الكيان الذي تم زرعه في فلسطين، لذلك لن يتخلي الغرب عن هذه القاعدة مهما كلف الامر، وهذا الامر صحيح.

ولكن هناك رأي اخر، يعيد اسباب هذا الدعم الاعمى للغرب وخاصة امريكا للكيان الاسرائيلي، الى عامل ديني، وهذا العامل يعتبر من اكبر العوامل التي تجعل الغرب لا يغمض عينيه ازاء المجازر الاسرائيلية ولا يدعمها فحسب، بل انه ينظر من خلال هذا العامل الى الفلسطينيين والعرب المسلمين، على انهم "شر مطلق يجب استئصاله"، وهنا يكمن الجواب على كل التساؤلات المطروحة في هذا الشأن.

يجب ان نوضح هنا، اننا نقصد بـ"النظرة الدينية"، تلك القائمة على عقيدة الصهيونية المسيحية، والتي يعتنقها جماعة من المسيحيين الذين يؤمنون بأن قيام "دولة إسرائيل" عام 1948 كان ضرورة حتمية لأنها تتمم نبوؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، لذلك يعتقد الصهاينة المسيحيون أنه من واجبهم الدفاع عن "اسرائيل"، ويعارضون أي نقد أو معارضة لها خاصة في امريكا حيث يشكلون جزءاً من اللوبي المؤيد للكيان الاسرائيلي. ولا نقصد لا من قريب او بعيد المسيحية كدين وكاتباع، فهؤلاء هم ايضا ضحايا الكيان الاسرائيلي والدعم الغربي، مثلهم مثل اخوانهم المسلمين، فالكنائس في غزة دمرت فوق رؤوس المؤمنين المسيحيين، كما دمرت المساجد فوق رؤوس المؤمنين المسلمين.

يمكن ان نسرد قائمة طويلة عن هذا الموضوع والنظرة الدينية الصهيونية المسيحية الى الكيان الاسرائيلي، الا اننا سنكتفي بتصريحين لشخصيتين معروفتين سياسية وفنية ، الاول رئيس مجلس النواب الامريكي مايك جونسون والاخر الممثل الامريكي المعروف جون فويت والد الممثلة أنجلينا جولي، اللذان كشفا في تصريحين علنيين، انهما مع الابادة الجماعية التي تنفذها "اسرائيل" في غزة، لان "الكتاب المقدس" يدعوهما الى الوقوف الى جانب "اسرائيل".

رئيس مجلس النواب الامريكي الجديد مايك جونسون، وفي اول تصريح له عن العدوان على غزة، اشار الى ما يطرحه الشباب الامريكي، عن الاسباب التي تدعو امريكا للوقوف بهذا الشكل الاعمى الى جانب "اسرائيل" وهي ترتكب الفظائع هناك، حيث قال ما نصه:" بصفتي مسيحي أؤمن ان الكتاب المقدس يأمرنا بدعم إسرائيل". اما فويت الذي رد على ابنته انجيليا بشدة، لمجرد ان ابنته دعمت غزة، من خلال مقطع فيديو نشره على منصة "إكس":" أشعر بخيبة أمل كبيرة لأن ابنتي، مثل العديد من الناس الآخرين، لا تفهم مجد الله. الأمر هنا يتعلق بتدمير تاريخ أرض الله، الأرض المقدسة، أرض اليهود. على الجيش الإسرائيلي أن يحمي أرض إسرائيل وشعبها. هذه حرب...أنتم أيها الحمقى تقولون إن إسرائيل هي المشكلة؟ إسرائيل تعرضت للهجوم، وهذه الحيوانات تريد أن تمحو اليهود والمسيحية".

هؤلاء ليسوا جهلة، ولا اقلية في امريكا بل تيار قوي، وضع على عينيه عصابة تمنعه من رؤية الحقيقة، كما يميز بين البشر، فكل من معه يستحق الحياة، وكل من يعتقد انه ضده يجب ان يموت، ولا يستحق الحياة، وإلا كيف نرى هؤلاء يطالبون بحرق غزة على من فيها، من اجل اطلاق سراح 240 أسيرا إسرائيليا، ويتجاهلون مليونين و400 الف انسان، مسجونين ومختطفين ومحاصرين من قبل "اسرائيل"، منذ نحو 16 عاما، دون ان يرتد "للعالم الغربي المتحضر طرفا"، لذلك نرى انه عندما لا يخفي المسؤولون والشخصيات والنخب الامريكية والغربية، ميولهم الدينية ونظرتهم الدينية، والتي يحددون على اساسها سياستهم واستراتيجياتهم، نراهم يحذرون العرب والمسلمين من التحدث بلغة دينية، ويروجون للحكم العلماني واللاديني، ويعتبرون ان لغة دينية هي "ارهاب اسلامي"، كما نرى اليوم كيف يلصقون هذه الصفة بكل نظام او حركة مقاومة اسلامية بالارهاب، لذلك علينا ان نستوعب درس غزة وان ونعيد قراءة كل ما ترشح من فكر من الغرب الينا، وكأنه آخر ما توصل اليه العقل البشري، ونتناوله بالنقد والتمحيص، وفقا لثقافتنا الاسلامية السامية، التي يجب ان نفتخر بها ونعتز بها ونجعلها نبراسا يضىء طريقنا في الحياة.

منيب السائح