أمريكا تصفع "إسرائيل"..ما القصة؟

أمريكا تصفع
الإثنين ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٣ - ٠٥:٥٠ بتوقيت غرينتش

لم ترقَ الأدلة التي قدّمتها حكومة الإحتلال إلى مستوى إظهار أن حماس كانت تستخدم مستشفى الشفاء كمركز للقيادة والسيطرة، بحسب تحليل الصحافة الأميركية للمرئيات وصور الأقمار الصناعية والمواد التي نشرها جيش الاحتلال الإسرائيلي علناً.

العالم - الأميركيتان

لم تنتهِ فصول مسرحية "مستشفى الشفاء" الهزلية، كما أرادها المخرج الإسرائيلي المسكون بهاجس القتل والتدمير وسفك الدماء، بالرغم من تسخيره كلّ القدرات والإمكانات الدعائية والإعلامية داخل الكيان وخارجه، وإتقانه أساليب التمثيل والتلفيق وتزوير الحقائق، بهدف شيطنة هذه المؤسسة الصحية الهامة، وربطها بالإرهاب.

لكن رياح الكيان الإسرائيلي لم تجرِ بما اشتهى قادتها القتلة. إذ إن كذبتها الكبرى التي بنت عليها روايتها طويلاً لاقتحام المستشفى وتدمير أجزاء منه، جرى كشفها على يد من تفترض أنهم حلفاؤها، مع قيام الصحافة الأميركية، وفي مقدّمتها شبكة "سي بي أس" و"واشنطن بوست"، بفضح مزاعم وخداع "تل أبيب" وتضليلها للرأي العام العالمي، بعد دخول عدد من الصحافيين للمشفى، ومعاينتهم بأم العين ما جرى هناك، ثم تقديمهم لاحقاً إثباتات وبراهين عينية، أدت إلى نفي ونسف رواية الكيان الإسرائيلي باستخدام حماس للمستشفى كمراكز قيادة وسيطرة.

كان مجمع الشفاء الطبي، المستشفى الأكثر تقدّماً والأفضل تجهيزاً في غزة. وعلى أثر المجارز والمذابح الإسرائيلية، أصبح المستشفى القلب النابض للنظام الصحي المتعثر في القطاع، فضلاً عن كونها تحوّلت ملاذاً لعشرات الآلاف من النازحين في غزة الذين هربوا من القذائف الإسرائيلية، واحتموا في باحاته.

ومع ذلك لم يسلم المستشفى من آلة العدوان الإسرائيلي، إذ قالت الأمم المتحدة نقلاً عن عاملين في المستشفى إنه قبل دخول الاحتلال المجمع، حفر الأطباء مقبرة جماعية لما يصل إلى 180 شخصاً. كما أن المشرحة توقّفت عن العمل منذ فترة طويلة. وعندما وصل أطباء منظمة الصحة العالمية لإجلاء أولئك الذين ما زالوا بالداخل ذُهلوا لما رأوه، وقالوا إن مكان الشفاء أصبح "منطقة الموت".

رسمت الصحافة الأميركية خصوصاً "واشنطن بوست" مساراً للنفق، من خلال تحديد الموقع الجغرافي للنفق داخل الشفاء، وعملت أيضاً على تحليل مقاطع الفيديو إطاراً تلو الآخر لتحديد اتجاه الشبكة وطولها.

ثم قاموا بتركيب مسارات الأنفاق على الخريطة الأصلية الصادرة عن جيش الاحتلال الإسرائيلي في 27 تشرين الأول/أكتوبر، والتي تُبيّن بحسب الاحتلال "المدى الكامل للبنية التحتية للقيادة والسيطرة التابعة لحماس". أما النتيجة التي خلصوا إليها فكانت:

أولاً: لا يبدو أن أياً من المباني الخمسة التي أبرزها "الجيش" الإسرائيلي متصلة بالأنفاق، ولم يتم تقديم أي دليل يوضح أنه يمكن الوصول إلى الأنفاق من داخل أجنحة المستشفى، كما ادعى هاغاري.

ثانياً: بالنسبة لوجود حمّامين صغيرين وحوض وغرفتين فارغتين بالنفق أسفل مبنى الجراحة، وقول هاغاري إن إحدى الغرف كانت "غرفة عمليات"، مستشهداً بالأسلاك الكهربائية كدليل، دحض الصحافيون هذه الأقوال، مؤكدين أن الغرف الفارغة ذات البلاط الأبيض لم تظهر أي دليل فوري على استخدامها، للقيادة والسيطرة أو غير ذلك. ولا توجد علامات على وجود سكن حديث، بما في ذلك القمامة أو حاويات الطعام أو الملابس، وما إلى ذلك من الأغراض الشخصية.

ثالثاً: بالرغم من أن هاغاري كان تبجّح بلغة الواثق بالإشارة إلى أنه "تم إخلاء هذه الغرفة، وجميع المعدات فيها عندما علموا أو فهموا أننا سندخل مستشفى الشفاء". غير أن المثير للسخرية هنا، أنه لم يوضح متى كان يعمل المقاومون في النفق، أو متى تمت مغادرتهم المزعومة. والأكثر أهمية، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، لم يستجب لطلبات التوضيح من قبل الصحافيين.

رابعاً: من المعروف أن إدارة بايدن، كانت قد رفعت السرية عن تقييمات المخابرات الأميركية التي قالت إنها تدعم مزاعم "إسرائيل"، إضافة إلى وقوف المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين بثبات وراء تصريحاتهم الأولية التي تتهم حماس باستغلال المستشفى.

لكنّ المفاجئ في الأمر، أن حكومة الولايات المتحدة، لم تنشر أياً من المواد التي رفعت عنها السرية علناً، ولم يشارك المسؤول المعلومات الاستخباراتية التي استند إليها هذا التقييم.

في المحصّلة، دفعت هذه الوقائع آنفة الذكر أحد كبار أعضاء الكونغرس الأميركي إلى التشكيك بكلام الإسرائيليين حول المستشفى، حيث أفصح للصحافيين عن موقفه مما جرى قائلاً، بشرط عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الأمر، "من قبل، كنت مقتنعاً بأن "الشفاء" هو المكان الذي تجري فيه هذه العمليات، أما الآن، فأعتقد أنه يجب أن يكون هناك مستوى جديد من التوضيحات. يجب أن يكون لديهم المزيد من الأدلة في هذه المرحلة".