كاتب بريطاني يكشف كيف تواطأت الدول الغربية في الذبح الجماعي بغزة

كاتب بريطاني يكشف كيف تواطأت الدول الغربية في الذبح الجماعي بغزة
الإثنين ٢٢ يناير ٢٠٢٤ - ١٠:٠٥ بتوقيت غرينتش

قال الكاتب البريطاني"أوين جونز"، إن ما يحدث في غزة من جرائم وإبادة هو ترجمة لما توعد به المسؤولون الإسرائيليون بعد هجمات السابع من أكتوبر.

العالم- فلسطين

واستعرض أوين في مقال بصحيفة "الغارديان" البريطانية تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تثبت نية الإبادة الجماعية في غزة.

وأكد أوين انخرط وزراء حكومة نتنیاهو واعضاء الكنيست وضباط الجيش وحتى الصحفيين في لغة الإبادة.

كما أنه انتقد الصمت الغربي الذي اعتبره مسؤولا كذلك عن ما يجري في غزة، مؤكدا أنه بدون الدعم الغربي، كان هذا الذبح الجماعي الذي تمارسه "إسرائيل" سيتوقف على الفور.

وفي ما يأتي نص المقال:

دائماً ما يبدأ الأمر بالكلام. عندما تذكر الإبادة الجماعية فإن ما يخطر بالبال لا يقتصر على الأفعال الشريرة، بل وكذلك على اللغة المحتضنة. يمكن للكلمات أن تلقي بظلالها الداكنة على أي بلد، فتثير الكراهية في أولئك الذين عادة ما يعتبرون أنفسهم معتدلين وإنسانيين وعاديين.

ولهذا السبب تجرم معاهدة الإبادة الجماعية لعام 1948 "التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية". مثل بريطانيا، كانت "إسرائيل" من البلدان الموقعة على المعاهدة، وبعد عامين من التوقيع ترجمت المعاهدة إلى قانون محلي. وتنص المعاهدة على أن أربعة أفعال تفضي إلى أن يعامل مرتكبها "كشخص مذنب بارتكاب الإبادة الجماعية": وأحد هذه الأفعال هو "التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية".

وكما أخبرني المحامي البريطاني دانيال ماتشوفر، فإن على "إسرائيل" التزاما قانونيا بمحاكمة أولئك الذين يحرضون على الإبادة الجماعية. ولكن بدلاً من ذلك، ومنذ جرائم الحرب الجسيمة التي ارتكبت ضد المدنيين الإسرائيليين من قبل "حماس" وغيرها من المجموعات المسلحة يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فقد انخرط وزراء الحكومة والبرلمانيون وضباط الجيش والصحفيون في لغة الإبادة. لهذه الظاهرة المرعبة بضعة سوابق تاريخية، لأن المحرضين على الإبادة الجماعية عادة ما يبذلون جهوداً مكثفة للتغطية على جرائمهم.

وكما أخبرني راز سيغال – الأمريكي الإسرائيلي الذي يعمل أستاذاً مساعداً لدراسة الإبادة الجماعية والمحرقة – فإن هجوم "إسرائيل" على غزة فريد "من حيث مناقشته كما أظنه – أي إبادة جماعية – لأن النية مرتبة بشكل واضح، وقد تجلى ترتيبها والحديث عنها عبر وسائل الإعلام والمجتمع والسياسة في إسرائيل".

في الوثيقة التي أعدتها جنوب أفريقيا للترافع في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها ضد "إسرائيل" بشأن الحرب على غزة هناك تسع أوراق مكرسة للتحريض على الإبادة الجماعية. تشير الأوراق إلى أن بنيامين نتنياهو استحضر مرتين الرواية التوراتية التي تتحدث عن التدمير التام للعماليق، حيث أعلن قائلاً: "ينبغي عليكم أن تتذكروا ما الذي فعله العماليق بكم، هذا ما يقوله كتابنا المقدس. ونحن فعلاً نتذكر". في فقرة لاحقة في التوراة، لا يوجد مجال للشك في تأويل النص الذي يقول: "والآن اذهبوا واضربوا العماليق، ودمروهم عن بكرة أبيهم وكل ما يملكون، ولا توفروا منهم أحداً، بل اقتلوا الرجل والمرأة والطفل والرضيع، والثور والحمل، والجمل والجحش". لم يكن ذلك تصريحاً لا مباليا. بل انظروا إلى الذبح غير المسبوق للأطفال الفلسطينيين، أو "الصغار والرضع"، ولاحظوا أنه بعد ستة أيام من استحضار حكاية العماليق في خطاب وطني، عاد نتنياهو وأشار إليها تارة أخرى في رسالة بعث بها إلى جنود وضباط الجيش.

ثم هناك "رئيس" الكيان إسحاق هيرتزوغ، الذي أعلن قائلاً: "إنه شعب بأسره هناك من يتحمل المسؤولية. ليس صحيحاً ما يقال عن أن المدنيين ليسوا على دراية، وليسوا ضالعين. ليس صحيحاً على الإطلاق". لا وجود هنا لأي خط يفصل بين المسلحين والمدنيين. أما وزير الحرب يوآف غالانت فلم يتورع عن تكرار الإثم. ففي التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر، وفي تعهد بلا خجل باللجوء إلى العقاب الجماعي، أعلن قائلاً إن إسرائيل سوف تفرض "حصاراً تاماً على قطاع غزة. لن يكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا وقود، وكل شيء سوف يتم إغلاقه". ومضى يقول: "إننا نقاتل حيوانات بشرية ولسوف نتعامل معهم على هذا النحو".

خمن البعض وهم يشاهدون عبر "تيك توك" الجنود الإسرائيليين يدمرون بابتهاج البنى التحتية المدنية بأن الجيش ربما يعاني من انهيار في الانضباط. ولكن الأرجح من ذلك هو أن الجنود إنما كانوا يستمعون لوزير الدفاع غالانت عندما قال للجنود إنه يحرر القوات الإسرائيلية من كل الضوابط ويرفع عنها كل القيود.

وثمة مسؤول كبير آخر اسمه "إسرائيل كاتز"، يشغل الآن منصب وزير الخارجية، وقد أعلن في العام الماضي عندما كان وزيراً للطاقة: "كل السكان المدنيين في غزة مأمورون بالمغادرة حالاً. لسوف نفوز. لن يتلقوا قطرة مياه واحدة، ولا بطارية واحدة، إلى أن يغادروا العالم". أما وزير التراث أميهاي إلياهو، فعارض تقديم المساعدات الإنسانية على أساس أننا "لا نقدم المساعدة الإنسانية للنازيين". كما أنه اقترح ضرب غزة بالقنبلة النووية، معلناً أنه "لا يوجد شيء اسمه مدنيون غير ضالعين". فما كان من نتنياهو إلا أن أوقفه عن العمل.

بل لقد شارك بعض ضباط الجيش راغبين. في مقطع فيديو موجه إلى سكان غزة، أنب اللواء غسان عليان أهل غزة على احتفالهم بتطرف "حماس" متوعداً إياهم بأن "الحيوانات البشرية سوف يتم التعامل معها كما ينبغي. لقد فرضت إسرائيل حصاراً تاماً على غزة، فلا كهرباء ولا ماء، بل دمار فقط لا غير. أردتم الجحيم، ولسوف تحصلون على الجحيم".

وطالب لواء متقاعد آخر، اسمه غيورا إيلاند، يعمل مستشاراً لوزير الدفاع، بمنع البلدان الأخرى من تقديم المساعدة لغزة، وطالب كذلك بأن يترك أهل غزة بواحد من خيارين، البقاء والتضور جوعاً أو المغادرة. كما أنه دعم الرأي القائل بأنه ينبغي تحويل غزة إلى مكان غير صالح للحياة، سواء بشكل مؤقت أو بشكل دائم، وأعلن أن النساء لسن بريئات لأنهن "جميعهن أمهات أو شقيقات أو زوجات المجرمين القتلة من ’حماس’"، ودعا إلى إحداث "كارثة إنسانية" والتسبب في "جائحات شديدة" من أجل تحقيق أهداف الحرب، فما كان من وزير المالية بيتسالئيل سموتريتش إلا أن غرد قائلاً إنه يتفق "مع كل كلمة".

والحقيقة أن وثيقة جنوب أفريقيا لا تتضمن كل شيء، فمنذ أن نشرت، ظهرت نماذج جديدة، وهي أكثر من أن تحصى. فحتى بعد أن أصدر المدعي العام الإسرائيلي تحذيراً إلى زملائه بأن "ينتبهوا إلى ما يتلفظون به من كلمات"، معبراً بوضوح عن خشيته من أن "إسرائيل" قد تتعرض للتجريم عشية انطلاق التحقيقات داخل محكمة العدل الدولية، كرر نائب رئيس الكنيست نسيم فاتوري ما كان صرح به سابقاً من تأكيد على أنه "ينبغي حرق غزة".

يقال إن نتنياهو حذر وزراءه من أن عليهم أن يتوخوا الحذر ويبدوا قدراً من الحساسية. ومع ذلك، ما من يوم تطلع عليه الشمس إلا ويشهد المزيد من النماذج التي تثبت وجود نية مسبقة على ارتكاب الإبادة الجماعية والتحريض عليها. كان ينبغي أن ينعكس ذلك في التغطية الإعلامية، ولكن بالرغم من كل القرائن ما زال الجميع منغمسين في وهم أن هذه الحرب تشن فقط ضد "حماس"، ولا تجد سوى بعض النقاش الهامشي حول مسألة التناسب. لا ريب في أنه بدون الدعم الغربي، كان هذا الذبح الجماعي الذي تمارسه "إسرائيل" سيتوقف على الفور. ولهذا ينبغي علينا أن نطرح للنقاش مسألة التواطؤ: فحياة الناس تتوقف على ذلك.

ليس المقصود هو مجرد انتقاد أولئك الذين ما زالوا يشجعون على ارتكاب هذه الأفعال البغيضة، والذين لو كنا نعيش في مجتمع يقدر قيمة الحياة البشرية، لكانوا الآن في عداد من يعتبرون بلا أخلاق، منحطين إلى أسفل سافلين. وكما أعلن بول سارتر ذات مرة: "كل كلمة لها عواقبها، وكذلك هو حال الصمت". نحن هنا أمام أفدح الجرائم في عصرنا، نراها ترتكب أمام أعيننا، وصفها لي الناشط الفلسطيني عمر البرغوثي بأنها "أول إبادة جماعية في العالم تبث على الهواء مباشرة". يندر أن تجد جريمة بهذه الجسامة لا يجد مرتكبوها حرجاً في استعراضها على الملأ بكل أمانة.

ومع ذلك، فإن كثيراً من أولئك الذين أدانوا، "حماس"، ليس لديهم ما يقولونه إزاء ما ترتكبه "إسرائيل"، على الرغم من الضلوع المباشر لحكامنا نحن في ذلك. إن هذا لفحش، وإن ما يُعبر عنه من حين لآخر من ضيق وأسى لن يغسل العار. بل إن الإذعان الضمني هو ما يسمح باستمرار هذا الرعب. يمكن للكلمات أن تكون خطيرة، وكذلك أيضاً هو الحال عندما تغيب الكلمات.