الغارديان: ليبيا قد تتحول إلى ساحة معارك متعددة

الغارديان: ليبيا قد تتحول إلى ساحة معارك متعددة
الإثنين ١٢ سبتمبر ٢٠١١ - ٠١:٥٤ بتوقيت غرينتش

قد تتحول ليبيا الآن إلى ساحة معارك متعددة لا تقتصر على صراعات بين عناصر حلف الأطلسي والمقاتلين ميدانياً، بل تشمل أيضاً صراعات بين القوى الخارجية التي تدخلت في الحرب– مثل الفرنسيين المصممين على إثبات تفوقهم السياسي والاقتصادي؛ والإيطاليين الذين يعتبرون ليبيا أرضاً تابعة لهم؛ والبريطانيين الذين يريدون الحفاظ على عقودهم؛ والأتراك الذين يسعون إلى إعادة إحياء نفوذهم في هذه المنطقة.

بعد ستة أشهر من المقاومة المنيعة، والخطابات النارية، والتهديدات المخيفة، والأعمال الوحشية الدموية، سقط القذافي أخيراً في شر أعماله، لكنّ سقوطه هذا لا يعني نهاية القصة بأي شكل، بل إنه ينذر ببداية فصل أكثر تعقيداً من تاريخ بلده، فبينما تحاصر الدبابات آخر معاقله في مدينة سرت، ترتفع وتيرة الحرب الباردة من أجل تحديد مستقبل البلد.

لقد هُزم العدو المشترك واختفى من الساحة المحلية، فعادت الآن الاختلافات الكبرى بين الأطراف التي توحّدت ضده إلى واجهة الأحداث.

لقد برز معسكران متناقضان الآن لسد الفراغ الذي خلّفه رحيل القذافي، إذ يتمثل المعسكر الأول بالمجلس الوطني الانتقالي المؤلف في معظمه من وزراء سابقين وكبار المسؤولين الذين انشقوا عن نظام القذافي، ويتمتع هذا المعسكر بتأييد حلف شمال الأطلسي وتشتق سلطته الراهنة من دعم العواصم الغربية.

أما المعسكر الثاني، فيتألف من القادة السياسيين والعسكريين المحليين الذين لعبوا دوراً حاسماً في تحرير مختلف المدن الليبية من سطوة قوات القذافي.

تجمّع آلاف المقاتلين والناشطين الآن تحت راية مجالس عسكرية محلية، مثل مجلس طرابلس الذي تأسس غداة تحرير العاصمة، وقد انتُخب حديثاً عبدالحكيم بلحاج رئيساً للمجلس، وما يثير السخرية هو أن بطل تحرير طرابلس هو الرجل نفسه الذي نُفي قبل سنوات مع معارضين ليبيين آخرين، بمساعدة وكالة الاستخبارات البريطانية ووكالة الاستخبارات المركزية خدمةً للقذافي الذي كان حليفهما المقرّب في تلك الفترة.

فلا يمكن التعبير عن الشرخ القائم بين الفريقين بطريقة أفضل مما فعل مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس ووزير العدل السابق، عشية الانتصار في طرابلس، فوسط أجواء البهجة والاحتفالات، ظهر عبدالجليل ليحذر من وجود “أصوليين متطرفين داخل صفوف الثوار”، وهدد بالاستقالة إذا لم يسلموا أسلحتهم، فسرعان ما قام زميله عبدالرحمن شلقم- لا يزال يرأس الوفد الليبي في الأمم المتحدة وعمل كوزير خارجية في عهد القذافي- بانتقاد بلحاج معتبراً أنه “مجرّد واعظ وليس قائداً عسكرياً”.

وعاد عضو المجلس الوطني الانتقالي عثمان بن ساسي ليكرر هذا التصريح حين قال عن رئيس المجلس العسكري المُنتخَب: “هو لم يكن شيئاً… لا شيء! هو وصل في اللحظة الأخيرة ونظّم صفوف بعض الأشخاص”.

استمرت الحرب الكلامية مع إسماعيل الصلابي، رئيس المجلس العسكري في بنغازي، فدعا هذا الأخير إلى استقالة المجلس الوطني الانتقالي معتبراً أن أعضاءه هم “بقايا من حقبة القذافي” و”مجموعة من الليبراليين الذين لا يحظون بأي دعم في المجتمع الليبي”.

يصرّ مقاتلون كثيرون، من أمثال الصلابي، على أنهم لعبوا دوراً أساسياً في إسقاط القذافي، ويذهب البعض إلى حد اعتبار أن سيطرتهم السريعة على طرابلس فاجأت المجلس الوطني الانتقالي وأنهم هزموا ما سمّوه خطة حلف الأطلسي التي تقضي بتقسيم البلد بين شرق وغرب.

بحسب رأيهم، كانت استراتيجية حلف الأطلسي تهدف إلى تجميد الصراع في الغرب وتحويل البريقة إلى الخط الفاصل بين الشرق المحرَّر والغرب الذي يقع تحت سطوة القذافي.

برز الآن مصدران متصادمان للشرعية في ليبيا: تشتق الشرعية الأولى من الصراع المسلّح من جهة، بينما تنجم الشرعية الفعلية عن القيادة التي عيّنت نفسها بنفسها وتحظى بدعم الغرب من جهة أخرى، ويبدو أن الفريقين عالقان في صراع بارد (أو ربما ساخن) حول معالم مستقبل ليبيا وطبيعة نظامها السياسي وسياستها الخارجية.

 يبرز هذا الصراع بطرق مختلفة في أنحاء المنطقة، ففي جميع الأحوال، يهدد منطق الاحتواء والسيطرة الذي تفرضه القوى الخارجية التوجّهات الداخلية لمختلف الثورات، لكنّ المسألة الأهم تتعلق بما إذا كان ربيع العرب سيؤدي إلى تغيير مدروس ومحدود يخضع لإشراف جهات مختصة، حيث يحل اللاعبون الجدد مكان اللاعبين القدامى، لكن من دون تغيير قواعد اللعبة، وهكذا قد تقع حروب بالنيابة عن طريق مجموعات نخبوية محلية بهدف إعادة إحياء النظام القديم لكن بِحُلّة جديدة، وهذا ما تريد أن تعرفه مختلف القوى الخارجية.

لقد رحل القذافي فعلاً، لكن قد تتحول ليبيا الآن إلى ساحة معارك متعددة لا تقتصر على صراعات بين عناصر حلف الأطلسي والمقاتلين ميدانياً، بل تشمل أيضاً صراعات بين القوى الخارجية التي تدخلت في الحرب– مثل الفرنسيين المصممين على إثبات تفوقهم السياسي والاقتصادي؛ والإيطاليين الذين يعتبرون ليبيا أرضاً تابعة لهم؛ والبريطانيين الذين يريدون الحفاظ على عقودهم؛ والأتراك الذين يسعون إلى إعادة إحياء نفوذهم في هذه المنطقة التي كانت تحت سيطرة السلطنة العثمانية قديماً؛ ولا ننسى اللاعبين الخاسرين في النظام الناشئ، أي الصينيين والروس.

صحيفة الغارديان البريطانية - سمية الغنوشي