المصالحة والبلاسيبو السياسي

المصالحة والبلاسيبو السياسي
الأربعاء ١٤ سبتمبر ٢٠١١ - ٠٦:٤٧ بتوقيت غرينتش

14/9/2011 بقلم د.مازن صافي Clove_yasmein@hotmail.com

هل توقيع اتفاق المصالحة كان نوع من أنواع البلاسيبو السياسي .. وكي لا نذهب بعيدا في تفسير مقصدنا أخي القارئ ، تعال نذكر أهمية البلاسيبو كعلاج ... واليك القصة التالية : يحكي أن أحد المرضى  المصابين بالربو نزل في فندق فخم. وفي الليل فاجأته الأزمة وشعر بحاجة للهواء المنعش فاستيقظ مخنوقاً يبحث عن مفتاح الضوء، وحين لم يجده بدأ يتلمس طريقه للنافذة حتى شعر بملمس الزجاج البارد. ولكنه عجز عن فتح النافذة فكسر الزجاج وأخذ يتنفس بعمق حتى خفت الأزمة. وحين استيقظ في الصباح فوجئ بأن النافذة كانت سليمة تماماً، أما الزجاج الذي كسره فكان خزانة الساعة الضخمة الموجودة في الغرفة!! ما حدث هنا أن الرجل وقع تحت تأثير البلاسيبو أو العلاج بالوهم .. فهذا صديقنا الذي كسر الزجاج ؛ من المعتقد أنه تحسن بالفعل لأن رئتيه تصرفت وكأن هناك أوكسجين حقيقي دخل الغرفة. وفي التجارب التي يعطى فيها المرضى أدوية وهمية (كحبوب السكر) يستجيب الجسم وكأنه يتلقى بالفعل العلاج الحقيقي!!

وهذا ما حدث في الشارع الفلسطيني بعد توقيع المصالحة .. انتعشت الآمال وبدأت التجهيزات لما بعد مأساة الانقسام .. وبدأت الشعب يتنفس الراحة النفسية .. ويبحث عن أوراقه كي يرتبها من جديد .. فهذا تاجر انتكست تجارته وهذا موظف " قرف" البقاء بلا عمل .. وهذه مؤسسات بدأت تجهز في برامج جديدة تعيد لها فعاليتها وحضورها .. وهكذا .. السؤال هنا .. هل الشعب حطم جدار الصمت ... وهل هذا الجدار هو نفسه جدار الانقسام .. أم أن هناك جدار آخر ..؟!

بعد حفل توقيع المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام الداخلي بين حركتى فتح الذي تم في العاصمة المصرية صباح الأربعاء، 4 مايو 2011قال النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الدكتور أحمد بحر "اليوم حق للشعب الفلسطيني أن يفرح وأن تجتمع كل الفصائل احتفالا بانجاز هذه المصالحة والاتفاق التاريخي العظيم". وأيضا قال عضو المجلس الثوري لحركة فتح محمد النحال (أبو جودة ): "تأخرت فرحتنا بالوحدة الوطنية لأكثر من أربع سنوات, لقد أرهقنا هذا الانقسام البغيض, الذي شجع إسرائيل على شن حربها الواسع على مدينة غزة وأن تقتل وتجرح الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني".

المصالحة كانت استجابة للجمهور الفلسطيني الذي خرج في آذار يطالب بإنهاء الانقسام والاحتلال .. كان التوقيع أشبه بمعجزة سياسية .. فلم يكن أحد يتوقع أن يكون التوقيع بالسرعة التي تمت .. وراح المحللين كل يفسر حسب رؤيته سبب حدوث هذه المعجزة ..

الواضح أن تنفيذ وتطبيق بنود المصالحة يمكنها شفاء آثار الانقسام .. وهذا يرتبط ايضا بالنوايا السليمة والفعل التصالحي المشترك وتفاعل الكل الفلسطيني نحو ذلك .. وهنا أرى أن القيادات الفلسطينية منوط بها دور كبير وأهمه أن يملأ العقل السياسي الفلسطيني الجماهيري بروح  الأمل والتفاؤل وبحتمية الوحدة .. والأفكار المقبولة والغير مثبطة تعمل بشكل رائع نحو ذلك وأما الأفكار النارية والمحبطة فتعمل على إعادتنا الى مربع أجواء الإنقسام .. وهذا ما لم يتوقعه أحد  في لحظات التوقيع وعرس الاحتفال بذلك .. هذه التصريحات هي الايحاء المؤثر السلبي والذي ينخر نفسيا في المجتمع  ونحن بأحوج ما يكون للمصالحة الداخلية المصالحة المجتمعية ..

إن التأثير السلبي على النفسية يعمل على إحداث فجوات في القناعات ، وبالتالي تزيد من الفزع مما يحدث توقع الفشل التام .. وهذا يؤدي إلى نوبات من الصداع السياسي .. ان المصالحة بالبلاسيبو تعتمد بصورة أساسية على الرسائل الايجابية التي يتلقاها المجتمع ويتجاوب معها .. فعند توجيه تصريح تفاءلي عبر وسائل الإعلام المختلفة يصبح الحديث عن " الفرح والالتحام المجتمعي " .. وفي المقابل عند توجيه تصريح تشاؤمي يصبح الحديث عن " الفزع والانفصال المجتمعي " ..

إن مجتمعنا الفلسطيني فيه الخير الكثير .. فهو يمكنه أن يقوم بتسكين أوجاعه وبل تسخير إراداته وقدرته للبناء في ظل أسوا الظروف وأصعبها بحيث يكون الأداء التصالحي راقيا ويحدث شفاء سريع من الحالة الانقسامية المرفوضة من الكل الفلسطيني ..

وهنا لا بد من إشراك الكل الفلسطيني والمؤسسات المختلفة والغير مؤطرة والمستقلة والمهنية والاجتماعية وكافة القوى السياسية في العملية التصالحية المجتمعية والمؤسساتية بجميع مراحلها على نحو يحقق سرعة انجاز وتطبيق بنود المصالحة ..

إن التسامح والرغبة الحقيقية في إنهاء كل مظاهر الانقسام وتحقيق المصالحة هي من الأشياء التي تفتح الطريق الآمن للجسم الفلسطيني ، وتفتح الأفاق الحقيقية لمشروع تشكيل الحكومة والاعمار وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني .. وهذا معناه الشفاء من الانقسام والاستجابة الجماهيرية لبرامج المصالحة ...

إن التسامح والمغفرة أداة قوية لمساعدة المجتمع الفلسطيني والمصالحة الداخلية على العمل بكفاءة وهذا يرتبط أن تكون المعالجة جذرية وأيضا أن يكون التسامح حقيقي وليس إعلامي أو شكلي ..

تنويه : البلاسيبو هو العامل النفسي المعزز والمكمل للعامل الحقيقي وفي حال المزج بينهما تكون الاستجابة فعالة وسريعة ..