ايران واستراتيجية حماية الامن الوطني و الاقليمي

ايران واستراتيجية حماية الامن الوطني و الاقليمي
السبت ١٧ سبتمبر ٢٠١١ - ٠١:١١ بتوقيت غرينتش

تواصل الجمهورية الاسلامية تعزيز قدراتها العسكرية وتطوير امكاناتها الذاتية في مجالات التسلح الدفاعي والتكنولوجيا النووية السلمية باتجاه تقوية بناها التحتية في هذا المضمار.ولا يخفى على احد ان هذا التوجه يمثل حاجة مصيرية لأي مجتمع يسعى الى الحفاظ على استقلاله السياسي والاقتصادي، والدفاع عن سلامة اراضيه في مواجهة التحديات والمخاطر المحتملة.

ويأتي تدشين المرحلة الاولى من محطة بوشهر لتوليد الطاقة الكهربائية وانتهاء المرحلة الثالثة من مناورات (حماة الولاية) الجوية بالقرب من مدينة تبريز، اضافة الى عمليات تطهير اماكن حدودية شمال غرب البلاد من عصابات الاشرار والمجموعات الارهابية، استجابة لمتطلبات حماية الامن الوطني وتبديد اية هواجس او مكامن قلق يمكن ان يتسلل منها الاعداء  لتعكير صفو الطمأنينة والاستقرار والامان في ايران، بالترافق مع دفع العملية التنموية لفائدة المصالح العليا للدولة والشعب.

لقد قطعت طهران طيلة اكثر من 32 عاما اشواطا مهمة جدا على طريق انجاز الكثير من المكاسب والابداعات الجبارة ولاسيما في حقل التقانة النووية وعالم الفضاء والدفاعات الصاروخية، في مظهر يوحي بقوة الى تنامي شوكة الجمهورية الاسلامية في الاختصاصات الصناعية والعلمية والعسكرية، الامر الذي يعطي زخما جديدا للخطوات القادمة على مستويات معادلة التوازن الاستراتيجي في منطقة الشرق الاوسط ، وسد الابواب بوجه اية نزعات استفزازية او نوايا عدوانية قد توسوس بها نفوس  بعض القوى المريضة  في النصف الآخر من الكرة الارضية حيال منظومة الامن الاقليمي والاسلامي. وفي هذا المضمار تأخذ طهران بعين الاعتبار اهمية الاعتماد على القدرات الذاتية لدول المنطقة  في سبيل حماية هذه المنظومة بعيدا عن اية تدخلات تستهدف المساس باستقرارها تحت اية ذرائع او شعارات سياسية زائفة.

فمن المعروف ان ثمة سلوكيات ومواقف لاطراف غربية تعكف،من خلال استغلال عملياتها العسكرية في ليبيا ومن قبل في افغانستان وباكستان والعراق، على العبث والاخلال بالامن الاقليمي الاسلامي لغايات عديدة ، يتقدمها فك الخناق المطبق على تل ابيب التي باتت تعاني من ازمات داخلية عنيفة ،تفاقمت مؤخرا بوتيرة متسارعة بعد اقتحام السفارة الاسرائيلية في القاهرة الاسبوع الماضي وهروب السفير والدبلوماسيين الصهاينة مفزوعين تحت جنح الظلام من العاصمة خوفا من غضبة الجماهير المصرية الثائرة.

وبما ان من ثوابت الجمهورية الاسلامية الايرانية، تطوير جهوزياتها في مقابل المخاطر والسلوكيات الاستفزازية المعادية الصادرة عن واشنطن والعواصم الاوروبية، فانه تتزايد اهمية هذا التطوير بملاحظة حملات التصعيد السياسية والاعلامية  وتوالي الضغوط والعقوبات الاقتصادية على طهران بسبب مواقفها الاستقلالية الرافضة للتدخل في شؤونها و دول الجوار  ، أو في تفاصيل المشهد العام للمنطقة العربية و الاسلامية.


و يبدو ان الزعماء الغربيين منتشون اليوم – حتى الثمالة – بسبب دورهم الكريه في عمليات الناتو بليبيا، رغم ان الاوضاع  لم تحسم بعد في هذا البلد الذي يبدو ان عليه دفع فواتير باهظة لقاء التدمير الاميركي – الاوروبي في مدنه وبناه التحتية بفعل الغارات الجوية الحربية و العمليات العسكرية الغربية.ولعل هذا هو الذي فتح شهية شخص متهور مثل الرئيس الفرنسي نيكولاساركوزي ذي الاصول اليهودية  والمنحاز حتى النخاع لإسرائيل ،على التلويح بامكانية تنفيذ هجمات وقائية ضد ايران، ان هي لم تتراجع عن ثوابتها ، وذلك قبل قدومه هو و رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون الى طرابلس للتفاهم حسب ما هو في حكم المؤكد بشأن امتيازات باريس و لندن من النفط والغاز الليبيين  .

صحيح ان الاطراف الاوروبية حاولت تأويل تصريحات ساركوزي، والتقليل من خطورتها على طهران، الا ان استراتيجية التحالف الغربي الصهيوني، ومع ملاحظة نصب جزء من منظومة الدرع الصاروخية للناتو في تركيا،عودتنا على انها لايمكن الا ان تنطوي على معاداة الجمهورية الاسلامية واحتواء مكانتها المرموقة في المنطقة والعالم، وكذلك نظرا لدورها التأثيري والحيوي في دعم محور المقاومة والممانعة بالشرق الاوسط ، والتزامها في الوقت الحاضرمهمة تقديم واجب الدعم والاسناد والمشورة للثورات الشعبية الرافضة للانظمة الدكتاتورية المتعاونة مع المشروع الصهيوني .

ومن الواضح ان رؤية طهران الى حماية الامن الوطني  والحفاظ على السلام  والهدوء في المنطقة والعالم الاسلامي، تستند الى ارضية حقيقية قوامها الحرص الشديد على مصالح الشعب الايراني وابناء الامة العربية و الاسلامية’ باعتبارهم يشكلون جميعا قوة سياسية واقتصادية و تعبوية عظمى،كما  يمثلون زخما ايمانيا مهابا، تتكامل في مابينها وتشترك معا في اواصر الاخوة والعقيدة والجيرة والتاريخ والجغرافيا والمصير الواحد، حيث ان الجمهورية الاسلامية الايرانية  اكدت باستمرارعلى أنها تريد المحبة والخير للآخرين، لكنها لن تقف مكتوفة الايدي امام صانعي الشر والعدوان القادمين من وراء القارات من اجل اشاعة الارهاب والموت والفوضى في الشرق الاوسط.
 
ان من يقرأ الاستراتيجية الاميركية عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ويستعرض سلوكيات الولايات المتحدة في الشرق الاوسط طيلة السنوات العشر الماضية، يجد بوضوح ان واشنطن كانت مصابة بهزة داخلية عنيفة سبقت تلك الاحداث لم تعد معها قادرة الا على تصدير مشاكلها الى الخارج، في عملية هروب الى الامام املا في العثور على ما يخلصها من ازماتها المستعصية ،عبرقرع طبول الحرب واطلاق عمليات الغزو والاحتلال وصناعة التوترات تلو الاخرى في العالم الاسلامي الزاخر بالثروات والخيرات.  فالتطورات المتسارعة في الشرق الاوسط كانت تشير بما لايدع مجالا للشك الى ضعف دور "اسرائيل" وهي الحليفة الاولى لاميركا، في القيام بخدمة حراسة المصالح الاحتكارية الرأسمالية للولايات المتحدة والدول الغربية، لاسيما بعدما منيت بهزيمة نكراء في ايار 2000 عندما طردها رجال المقاومة الاسلامية من معظم المناطق المحتلة في جنوب لبنان، فضلا عن ترنح تل ابيب امام انتفاضة الاقصى المباركة في فلسطين (28 ايلول 2000).

لقد عرضت هاتان القضيتان، الاستراتيجية الاميركية لهزات عنيفة ، وقد تزامن معها  تنامي دور مشروع الاسلام السياسي في بلدان مثل تركيا وباكستان و افغانستان  وبلدان جنوب شرق آسيا، اضافة الى اتساع نفوذ الحركة الاسلامية اكثر فاكثر في مصر وبلدان المغرب العربي. وفي فلسطين المحتلة - تحديدا – أدت حركتا (حماس) و (الجهاد الاسلامي) دورا نضاليا اذهل العدو الصهيوني الغاصب، ما دفع واشنطن الى ممارسة مزيد من الضغط والابتزاز على الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ابتغاء حمله على توقيع نسخة جديدة من معاهدة كامب ديفيد.

بيد ان هذه المؤامرة ذهبت ادراج الرياح، كما فشل الرئيس الاميركي بيل كلينتون  حينئذ في اخراج الولايات المتحدة من مأزقها الداخلي. و عندما تسلم جورج بوش الابن والمحافظون الجدد في الحزب الجمهوري مفاتيح البيت الابيض نهاية العام 2000  كان ذلك ايذانا ببدء عهد العربدة الاميركية في المنطقة والعالم ، بشكل لم يشهد التاريخ له مثيلا على الاطلاق.

لقد بدا واضحا ان صقور السياسة الاميركية وبتوجيه من اللوبي الصهيوني، كانوا بشعاراتهم ومواقفهم المتشددة، يحضرون شيئا ما للمنطقة، وقد تأكدت تلك الهواجس اثر وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001 و تدميرالبرجين في ظروف غامضة للغاية ،  فكان ذلك بمثابة (كلمة السر) لاشعال شرارة الحروب  وعمليات الغزوالاميركية في افغانستان (2001 ) والعراق( 2003)، واطلاق العدوان الصهيوني على لبنان (تموز 2006)، وتكريس مصطلح الاحادية القطبية للولايات المتحدة في العالم.

لكن يبدو ان الرياح لم تجر بما تشتهي سفن النظام الرأسمالي العالمي والاحتكارات البترولية الدولية، فبعد مرور 10 أعوام على الممارسات الهمجية لواشنطن في العالم الاسلامي، يجد الجميع ان السحر انقلب على الساحر، في برهان ساطع على ان ما اسس على باطل فان نتائجه لن تكون سوى سراب.فقد استفزت لغة العربدة والاملاءات الظالمة ،الامتين العربية – الاسلامية على مقاومة التهديد الاميركي – الصهيوني، بشكل لم يخطر حتى على بال صناع القرار الدوليين. وهاهي الانظمة الفاسدة التابعة للتحالف الغربي الصهيوني، تتهاوى وتنهار وتتأرجح ، وقد اخذت القوى التحررية المناضلة مواقعها في اجهزة الدولة  لتغيير الواقع الفاسد، واعادة الاعتبار لكرامة الشعوب المسلمة، كما هو حاصل في تونس ومصر واليمن و البحرين و الاردن وليبيا خلال ربيع الثورات، وألقت بكل المؤامرات والتحركات المشبوهة للحكومات الاميركية والاوروبية، في سلة المهملات.

 وعلى الرغم من  كل الاستثمارات المالية الضخمة التي رصدها زعماء النظام الغربي ،الا ان مخططاتهم باءت بالفشل الذريع حتى الآن ،وقد اتضح لهم انهم لم يقبضوا سوى الريح ، وذلك بعدما رأوا بأم اعينهم ما لم يكن في الحسبان عندما اقتحم الثوار المصريون مقر السفارة الاسرائيلية في القاهرة وطردوا الدبلوماسيين الصهاينة بشكل مخز ، في مشهد مرشح لأن يتكرر في عواصم عربية واقليمية اخرى وربما في القريب العاجل-    

صفوة القول ان مجموعة التطورات الراهنة تضع  طهران وجها لوجه امام مسؤولية ابداء قدر اكبرمن الجهوزية والدقة في مجال رصد التطورات القائمة والاستعداد للتعامل مع اية احتمالات او احداث طارئة قد  تضمر الشر والعدوان لايران ، او حتى لسورية و المقاومة المؤمنة في لبنان وفلسطين. كما ان طهران وبتشغيلها المرحلة الاولى من محطة بوشهر النووية لتوليد الطاقة الكهربائية ، تؤدي واجبها  في مضمارتسريع عجلة المنجزات العلمية من اجل تأمين تطلعاتها في التنمية والتقدم و الرخاء  توخيا  لرفاهية الشعب الايراني وتلبية احتياجاته المعيشة والحياتية، وهوابسط هدية يمكن ان تقدمها الدولة لهذا الشعب لقاء صموده وصبره وتضحياته ووقوفه الشجاع بوجه مسلسل الضغوط والعقوبات الغربية  .
 *حميد حلمي زادة?