دلالات عملية راس لانوف بليبيا؟

دلالات عملية راس لانوف بليبيا؟
الأحد ١٨ سبتمبر ٢٠١١ - ٠٢:٢٧ بتوقيت غرينتش

17/9/2011 بقلم: زياد ابوشاويش Zead512hotmail.com

العملية العسكرية التي قام بها من يسميهم المجلس الانتقالي "بقايا" النظام السابق في راس لانوف أسفرت عن قتل خمسة عشر مسلحاً "ثورياً" من حراس المنشأة النفطية الخاصة بتكرير النفط وتصديره وإصابة أربعة آخرين بجروح.

يوم الاثنين الثاني عشر من أيلول (سبتمبر) الجاري قامت مجموعة كبيرة من السيارات المدججة بالسلاح والمقاتلين التابعين للمقاومة الليبية بالالتفاف حول مدينة راس لانوف لتتوجه مباشرة إلى مصفاة النفط التي تبعد خمسة عشر كيلو متراً عنها واقتحمتها بطريقة مفاجئة وصاعقة فقتلت من قتلت وجرحت من جرحت دون أن يتمكن باقي المسلحين في المنطقة وعددهم يربو عن المائة وخمسين "ثائراً" من اللحاق بهم أو حتى مقاومتهم، ويقول أحد هؤلاء المسلحين في معرض تبريره لنجاح الهجوم ونتائجه الدموية وحجم القوة المهاجمة أن المقاتلين الليبيين المهاجمين كانوا يرتدون زي المجلس الانتقالي ويرفعون أعلامه كي يمروا، وأنهم قاموا بخداع المفارز التي مروا بها ليصلوا إلى هدفهم وينفذوا هجومهم الناجح، ورغم أن هذه الخدعة جائزة في الحروب والمواجهات من النوع الذي يجري في ليبيا إلا أن تلك المعلومات لم تؤكد من أي مصدر آخر ولا دلائل على أنها صادقة.

في ردة فعل الرسميين من قادة المجلس وخاصة نائب وزير الإعلام في الحكومة المؤقتة خالد نجم قلل من أهمية العملية ووصفها بالغبية، كما أنه لم ينس تحديد حجم القوة الضاربة بأنها لا تزيد عن ثلاث سيارات وربما تكون أربعة. وفي تغطيتها للواقعة قالت قناة الجزيرة وشقيقتها "العربية" أن عدد السيارات كانت ثلاثة وأن قوات المجلس الانتقالي تطارد وتحاصر المهاجمين الذين لم تنس القناتان أن تصفهم ببقايا كتائب العقيد الليبي معمر القذافي.

إن ما جرى يوم الاثنين في منطقة المصفاة براس لانوف يشير لحجم المأزق الذي تواجهه قوات الناتو ومسلحي المجلس الانتقالي في سبيل بسط سيطرتهم وتصدير النفط بطريقة آمنة للخارج وهو الهدف الأسمى لحلف الناتو المشارك بكل قوته في الهجوم على ليبيا وقتل شعبها بذريعة حماية المدنيين والقضاء على حكم الزعيم الليبي معمر القذافي الذي نعرف جميعاً أنه انتهى منذ بدأت المؤامرة على بلاده قبل سبعة أشهر من الآن.

إن العملية المذكورة بأسلوبها والتكتيك الذي استخدمه منفذوها تشير إلى إمكانيات قتالية متميزة يملكها المقاومون الليبيون للتصدي للغزو الصليبي لبلادهم، والمغطى بمجموعة من العملاء والطامحين في وراثة العقيد، تدعمهم مجموعات إسلامية متطرفة لها صلات سابقة بالقاعدة وتعمل في خدمة السياسة الأمريكية في المنطقة والعالم. وقد لاحظنا أن القيادة العسكرية للعاصمة الليبية يرأسها رجل من القاعدة سبق اعتقاله في أكثر من بلد رغم نفيه لهذه التهمة أمام وسائل الإعلام، ناهيك عن تسويقه من جانب القطريين و"جزيرتهم" المحكومة بسياسة الإخوان المسلمين وحلفائهم الجدد في واشنطن.

لقد كشفت العملية عن هشاشة البناء العسكري والأمني لكتائب ما يسمى بالثوار وأظهرت بطريقة واضحة تصميم المقاومة الليبية على دحر الغزو الغربي لبلادهم وعلى شجاعتهم كذلك

إن الجانب العقائدي لطرفي الصراع سيظهر جلياً في الأيام القادمة وستنحوا الأمور عند عامة الشعب الليبي والعربي باتجاه فهم أعلى لكل ما جرى في ليبيا باعتباره عملية سلب كبرى قامت بها الدول الغربية وعلى الأخص الثلاثي المعروف أوروبياً "فرنسا وبريطانيا وايطاليا"، هذه الدول التي تعمل بإرشاد وتوجيه ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد استعاد الاستعمار قاعدته الكبرى في ليبيا كما استعاد النفط الليبي الذي أممه النظام السابق وصبغه بصبغة وطنية خالصة بحيث كان كل النفط الليبي تحت سيطرة الحكومة والشعب الليبي إنتاجاً وتكريراً وتسويقاً، وفي هذا كانت ليبيا متميزة عن كل دول المنطقة العربية.

إن تصريحات قائد القطاع العسكري لمنطقة راس لانوف في المجلس الانتقالي التي قال فيها أن القبائل الليبية المتواجدة هناك وعلى امتداد رقعة جغرافية كبيرة نسبياً وتلتف على هذا المرفأ والمصفاة من كل اتجاه باستثناء الشمال خانت العهد والميثاق وسهلت مرور هؤلاء الكوماندوز المقاومين للغزو الصليبي، في إشارة لاتفاقات شفهية أبرمت بين تلك القبائل وهؤلاء المسلحين على أساس عدم الاعتداء وترك المجلس يبسط سيطرته على البلد، وأن تلك القبائل لم تلتزم بما اتفق عليه وتركت الطريق مفتوحة للمهاجمين، بل وساندتهم وسهلت مهمتهم.

إن تلك التصريحات والتهديدات التي تضمنتها تشير إلى إفلاس أخلاقي وفكري لا ينسجم والاطروحات التي سمعها العالم عن الحرية والديمقراطية وحق الاختيار. إن تهديد هذا المسؤول العسكري بالتعامل مع هذه القبائل بالصواريخ والراجمات (وهذا ما قاله بالنص) يدل على ما ذهبنا إليه من تخبط حلفاء الناتو على الصعيد السياسي والإعلامي والعسكري، وستظهر معارك بني وليد وسرت وسبها وغيرها صحة ما نقول.

إن عملية راس لانوف هي إشارة البدء لمقاومة جدية تمتلك الرؤية والمنهجية كما التكتيك العسكري لإحباط مخططات الناتو وعملائه في ليبيا والخليج(الفارسي)، وإن تحديد معسكر العدو والحليف أمر يجب أن يحظى بأولوية كبرى عند المقاومين، ذلك أن قسماً كبيراً ممن سيقوا للقتال تحت راية الناتو لن يكونوا مستعدين للبقاء تحت رايته بعد اتضاح تفاصيل المؤامرة وبدء الصراع على النفوذ والمغانم بين هؤلاء، وأغلبيتهم كانوا من صبيان العقيد القذافي وحوارييه.

عملية راس لانوف الجريئة هي البداية وتشير معظم التوقعات أنها لن تكون الأخيرة، وأن المقاومة الليبية ستطور تكتيكات قتالية تربك الخصم ولا تعطي الوقت أو الراحة للغزاة كي يستقروا ويبنوا ممالكهم النفطية في بلد عمر المختار، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.