الأهداف المعلنة للحرب
وفيما إذا كانت الحرب تُقاس بتحقيق النتائج، والنتائج تُقدر بحسب الأهداف المرسومة، فهل حقق الكيان الإسرائيلي ما كان يسعى إليه من خلال الأهداف التي وضعها وهل كانت هذه الحرب المباغتة متوقعة:
أكد د. يوسف نصر الله وهو كاتب وباحث لبناني، أن العدوان الإسرائيلي الأمريكي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد دشن مرحلة جديدة من المواجهة وأدخل المنطقة في مرحلة حرجة وحاسمة وحساسة. ما جرى كان صراعاً استراتيجياً أُريد لنتائجه أن تتجاوز الأهداف المعلنة، والتي يمكن إجمالها في أربعة أهداف:
الهدف الأول: تفكيك البنية التحتية النووية لإيران بما يؤدي في أقصى الحدود إلى حذف وإحباط البرنامج النووي الإيراني بالكامل، أي ما يُسمى بـ "النموذج الليبي"، وفي أدنى الحدود إلى إخراج إيران من كونها دولة عتبة، أي تأخير إمكانية حصولها على القنبلة النووية.
الهدف الثاني: المس بالبرنامج الصاروخي الباليستي لإيران، الذي بات كبح جماحه وتقييده بعد المواجهة الأخيرة من أهم المطالب الأمريكية الإسرائيلية.
الهدف الثالث: الدفع باتجاه تغيير النظام بعد النيل من هيبته وإضعافه، والسعي إلى إطلاق ديناميات داخلية تساعد في تقويضه، انطلاقاً من تقدير أن تغيير النظام وحده هو الذي يكفل معالجة كل المشكلات التي أوجدها.
الهدف الرابع: الإتيان بإيران مُدمّاة إلى طاولة المفاوضات، أي جلبها إلى محادثات تأثرت بضعف استراتيجي، لكن هذه المرة ليس للمساومة على قدراتها النووية وإنما للمساومة على استقرار نظامها وعلى وقف الحرب.

ما وراء الأهداف المعلنة!
ولفت نصر الله إلى أن الجانب الأمريكي قد وصل إلى حالة استعصاء على طاولة المفاوضات. من الواضح أن هناك تشدداً إيرانياً، وأن نتائج الحرب يُراد لها أن تتجاوز الأهداف المعلنة إلى صياغة شرق أوسط جديد - وهم يعلنون عن هذا الأمر صراحة - ورسم معالم المنطقة وهندسة مستقبلها وتحديد موازين القوى فيها للعقود المقبلة.منوها إلى أن ذلك يهدف ليس فقط إلى تكريس الهيمنة الأمريكية، بل إلى تأبيدها وتأصيلها، كما يهدف ليس فقط إلى دمج "إسرائيل"في محيطها لتصبح ذات وجود طبيعي وحضور طبيعي، وإنما إلى دمج المحيط في "إسرائيل" لتصبح "الأسرى " اليوم هي عنوان المرحلة السياسية الجديدة.
شاهد أيضا.. اللواء صفوي: احتمال اندلاع حرب جديدة وارد... ونعدّ لاسوأ الاحتمالات
الفشل الأمريكي–الإسرائيلي
وأوضح أن السؤال المحوري هو: الفشل في تحقيق هذه الأهداف المعلنة وغير المعلنة، والفشل في كسر الإرادة الإيرانية، قاد الطرفين الأمريكي والإسرائيلي إلى النزول المهين عن شجرة السقوف المرتفعة والأهداف الطموحة والأوهام الكبرى التي عاشت في عقولهم. هذا ما نراه في الحرب وصورة النهاية التي جرت في آخر 48 ساعة من الصراع الذي استمر 12 يوماً.
المفاجآت الإيرانية
ونوه نصر الله إلى أن ما حدث خارج عن المفهوم المتوقع - حسب أدبياتهم - أن يقوم الجانب الإيراني بخمس موجات من الاستهداف الصاروخي للعمق الإسرائيلي دون أن يرد الجانب الإسرائيلي، وخارج عن المفهوم أيضاً أن يقوم الجانب الإيراني باستهداف مركز القيادة الوسطى للجيش الأمريكي في المنطقة دون أن يرد الجانب الأمريكي.
مشيرا إلى أن هذا الفشل قاد الطرفين الأمريكي والإسرائيلي إلى طلب تسويات بشروط مختلفة، وقادهما إلى ما يُسمى بربط النزاع القائم بمعادلة "الهدوء مقابل الهدوء".
صمود إيران ومعادلة الردع
واعتبر نصر الله أن صمود إيران وحده كان كفيلاً بإفشال الحرب وتعطيل أهدافها، وكان كفيلاً بتأكيد رواية النصر الإيرانية. كما أن الرد الإيراني القوي والمؤثر والمؤلم كان كفيلاً أيضاً باستعادة مستويات الردع وإعادة الاعتبار لموازين القوى في المنطقة، والحيلولة دون تجرؤ الطرفين الأمريكي والإسرائيلي على استباحة الداخل الإيراني وعلى جعله امتداداً للعدوان المتواصل والمستمر على لبنان وغزة.

تداعيات السابع من أكتوبر
ولفت نصر الله إلى أن تداعيات السابع من أكتوبر لا شك أن الإسرائيلي فوجئ بها وتعرض إلى هزيمة منكرة في لحظة الهجوم. التقدير الإسرائيلي الأمريكي كان آنذاك أن تجاوز تداعيات السابع من أكتوبر لا يكون إلا من خلال إخراج حماس من معادلة الصراع، وضرب حزب الله في لبنان، وتقويض النظام السوري - حيث اتهموا إيران أنها خلف هذه العملية - وصولاً إلى إسقاط النظام الإيراني. لا يمكن لـ"إسرائيل" أن تتعافى من الآثار السلبية والهزيمة المعنوية والمادية التي لحقت بها - لكن المعنوية هي الأصل في الهزيمة النفسية - من دون هذه الخطوات العسكرية المتسارعة التي ستؤدي لاحقاً، بتقديرهم، إلى ضرب النظام الإيراني وإسقاطه.
ونوّه نصر الله إلى أن ما حدث أن مجموعة من الخطوات التي اعتبرها الإسرائيلي ناجحة، سواء على مستوى توجيه ضربة عسكرية لحماس أو توجيه ضربة عسكرية لحزب الله وصولاً إلى سقوط نظام الأسد، فتحت الشهية الإسرائيلية الأمريكية للذهاب بعيداً في استهداف إيران، وشجعت الإسرائيلي والأمريكي على الذهاب بعيداً لضرب إيران والدفع باتجاه إسقاط النظام.
وأوضح نصر الله أن إيران فوجئت بالضربة الأولى. كانت إيران تتوقع، بتقديرها، أن تحدث ضربة إسرائيلية، لكن كانت تتوقعها ليس في لحظة الضربة الفعلية، بل بعد جولة المحادثات التي كانت مقررة. كل الإجراءات والأجواء السياسية وما سُمي بالتضليل السياسي والإعلامي أوحى أن هناك ضربة، ولكن هذه الضربة قد تكون مؤجلة بناءً على نتيجة جولة التفاوض الأمريكي التي كانت مقررة بين الجانب الأمريكي والجانب الإيراني.
شاهد أيضا.. صدق ترامب.. الحرب بين ايران و"اسرائيل" لم تنته
الضربة الأولى وإعادة ترتيب الداخل
ورأى نصر الله أن الضربة الأولى كانت ضربة مؤلمة. تعرضت إيران لخسارة معنوية وخسارة مادية وخسارة على مستوى الكادر القيادي في الحرس الثوري والجمهورية. لكن ما يُسجل لإيران أنها سارعت وبوقت قياسي لإعادة ترتيب البيت الداخلي من خلال الإجراءات التي اتخذها السيد القائد والقيادة الإيرانية الحكيمة والتعيينات التي أجرتها سريعاً واتخاذ قرار الرد على الضربة. هذه هي الخطوة الأولى وأن الخطوة الثانية هي البناء القانوني والبناء السياسي لعملية الرد. حاولت إيران وسعت إلى توفير مشروعية دولية لعملية الرد.
خلص نصر الله إلى أن حرب الاثني عشر يومًا انتهت بفشل أمريكي–إسرائيلي في تحقيق الأهداف المعلنة وغير المعلنة، مقابل نجاح إيران في فرض رواية النصر، وتكريس معادلة الردع التي ستبقى حاضرة في معادلات الصراع بالمنطقة.
ضيف البرنامج:
-د. يوسف نصر الله كاتب وباحث لبناني
التفاصيل في الفيديو المرفق..