مؤتمر طهران وفلسطين و الصحوة الاسلامية

مؤتمر طهران وفلسطين و الصحوة الاسلامية
السبت ٠١ أكتوبر ٢٠١١ - ٠٥:١٨ بتوقيت غرينتش

تحتضن طهران من جديد المؤتمرالدولي لدعم الانتفاضة الاسلامية الفلسطينية بحضور قادة و كوادر الفصائل الاسلامية و الوطنية الفلسطنية و اللبنانية الى جانب رؤساء و مندوبي المجالس البرلمانية و الفعاليات الدينية و الثورية والاهلية لما يزيد على 100 دولة , جاؤوا الى العاصمة الايرانية لنصرة هذه القضية العادلة و التأكيد على التماهي الروحي و التعبوي و الوجداني بين الصحوة الاسلامية المعاصرة و نضالات اهلنا الصامدين في فلسطين و القدس الشريف.

و من خلال قراءة ورقة العمل مؤتمر طهران الدولي المنعقد برعاية مجلس الشورى الاسلامي و متابعة لجنة فلسطين و رئيسها السفير حسين شيخ الاسلام , نستطيع الخروج باهم محصلة و هي ان أحرارالصحوة الاسلامية العالمية و الثورات  العربية الشعبية قرروا بأن ( زمن الاستفراد بانتفاضة الشعب الفلسطيني وجهاده المشروع  قد ولى , و أنَّ الامة الاسلامية بأسرها تقف اليوم في  المقدمة وجها لوجه لمكافحة اسرائيل الغاصبة و سلوكياتها الرعناء  وتمردها على كل المعاهدات و الاعراف الدولية التي تتم  بمباركة صريحة وضوء اخضر من اميركا و الاتحاد الاوروبي.)

و ازاء ذلك يتحمل هذا المؤتمر النهضوي الحاشد مسؤولية عظمى على مستويين: الاول في  بلورة مفهوم الامة الاسلامية و تعيين وظائف و ادوار مكوناتها  حكومات و مفكرين و فقهاء و مناضلين و مثقفين و جماهير، في عملية التصدي للمشروع الغربي – الصهيوني، لكيلا تتكرر الاخطاء السابقة , و تكون هذه المهمة قائمة على ارضية صلبة من التلاحم المصيري والتضامن و التآلف و التكامل والتعاون على البر و التقوى , و برؤية عقائدية ايمانية سديدة  لا مكان فيها للتكفير و التطرف الاعمى و النعرات المذهبية و الطائفية و العرقية.

اما المستوى الثاني فانه يتمثل في ترشيد الصحوة الاسلامية المعاصرة ورص قواها و امكاناتها و طاقاتها الخلاقة  توخيا لوعي الاولويات و التحديات و تقويم البرامج و الممارسات  السياسية والاجتماعية و الفكرية من اجل تقوية البنى التحتية و دفع عجلة التنمية و الاعمار و تحقيق الاكتفاء الذاتي اعتمادا على القدرات الوطنية ، وصولا الى صيانة الاستقلال  بشقيه السياسي و الاقتصادي ، والغاء اية التزامات باطلة قد يمكنها الاخلال بالسيادة الناجزة، على ان يتم اطلاق حصيلة كل ذلك  باتجاه المعركة الحقيقية للامة في سبيل تحرير فلسطين و القدس الشريف  والمسجد الاقصى و كنيسة المهد و الجولان السوري و الجنوب اللبناني  والعراق و افغانستان و باكستان , و العمل دون هوادة في سبيل ازالة الكابوس الاستكباري الجاثم على صدورنا جميعا مسلمين وعربا , والذي سيظل يقض مضاجعنا حتى تأزف ساعة الحسم الثوري لجماهيرالامة و تعود هذه الربوع الطيبة الى اهلها و اصحابها الخيرين بعد تطهيرها من دنس الصهاينة و الغزاة الغربيين القادمين من وراء القارات والمحيطات.

  الجدير بالذكر ان طهران كانت قد عقدت قبل عشرين عاما مؤتمرها الدولي الاول لدعم الثورة الاسلامية في فلسطين ، وكان بحق تظاهرة سياسية و شعبية مدوية جاءت ردا على مؤتمر مدريد  (عام 1991 ) مادفع اسحق شامير رئيس حكومة العدو الصهيوني آنذاك الى تجاهل المهمة التي ذهب من اجلها الى اسبانيا ، وتوجيه سهام احقاده و كراهيته الى طهران و المناضلين الذين توافدوا على العاصمة الايرانية من كل حدب و صوب . ومع ان شاميرهذا معروف بأنه مجرم حرب ومن مؤسسي العصابات التي ارتكبت المجازر الارهابية ضد المواطنين الفلسطينيين الابرياء  قبل النكبة ، الا انه لم يخجل من وصف مؤتمر طهران السابق  ب"الإرهابي "، كما قدم في كلمته امام ممثلي اميركا والاتحاد السوفييتي السابق  والاتحاد الاوروبي و الامم المتحدة إضافة الى مبعوثي الدول العربية المشاركة ، رؤية تشاؤمية للغاية عن مستقبل السلام ، مع ان مؤتمر مدريد   كان قد استبق بدعاية سياسية واعلامية ضخمة عالميا دامت عدة سنوات ، وتم تسويقه على انه سيكون مفتاح الحل لجميع المشاكل والازمات في المنطقة ولا سيما الصراع العربي- الصهيوني .

 لكن و بعد مضي عقدين  من الزمن ايقن المسلمون والعرب واحرارالعالم  بأنه  (لا مدريد  ولا مابعدها من المؤتمرات و الاتفاقيات و المعاهدات  المحمية برعاية القوى الكبرى و كفالتها) افضت الى تحقيق  السلام و لا انصاف السلام و لا  أرباعه بالشرق الاوسط ، في ظل التعنت الصهيوني ، والتعامي الغربي المطلق عن استهتار تل ابيب بمؤسسات الشرعية الدولية و قراراتها الملزمة. كما ان السمة البارزة للعشريتين تجسدت في تمادي اسرائيل الغاصبة في  الهمجية والعدوان و العربدة و ضرب القوانين الدولية عرض الحائط ، دون ان يرتد طرف للغربيين من ادعياء المبادئ و القيم الحضارية  ،الذي يتباكون اليوم على الحريات و حقوق الانسان والديمقراطية في العالم العربي ، وهم لايتورعون عن تصديرها الينا شئنا أم ابينا عبر الحروب وأعمال الغزو والاحتلال لغايات لا يشم منها سوى رائحة الدم  و البترول والغاز، وهم الثروتان اللتان تزخر بهما البلاد الاسلا مية طولا و عرضا.   

   لقد دأبت الاستراتيجية الاستكبارية للتحالف الاميركي – الاوروبي – الاسرائيلي في الفترة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول (2001 )على تكريس حالات اليأس والقنوط و الاستسلام في نفوس العرب و المسلمين ، وتحميلهم مسؤولية التفجيرات الارهابية في نيويورك رغم  ما اكتنفها من غموض وسوداوية، الى جانب ما تسرب من معلومات مثيرة عن وجود أصابع صهيونية وراءها نظرا لتغيب نحو ( 4000 ) موظف يهودي يوم الحادث بالذات، مع ان لهم مكاتب و عناوين شغلية في منظمة التجارة العالمية  ، اضف الى ذلك الطريقة المريبة التي استخدمتها ال (سي آي ايه ) في القاء القبض على زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن قبل إعدامه رميا بالرصاص فورا بتاريخ (2 ايار 2011 ) وهو بين اهله و ذويه في قصرمحصن بأحد الاحياء الفاخرة في العاصمة الباكستانية اسلام آباد، في حين ان العقل و المنطق كانا يفرضان على واشنطن الإبقاء على حياته مهما كلف الامر ووضعه رهن الاستجواب و المحاكمة، ليسمعوا ملابسات واسرار تدميربرجي المنظمة بتلك الطريقة المريعة، من فم العدو رقم واحد للولايات المتحدة نفسه ، لا أن يتم  قتله و دفنه بتلك العملية السريعة التي من المؤكد أنها اثارت شكوك و استهزاء الامم و الشعوب من اقصاها الى اقصاها ، نظرا للتبريرات السخيفة الغيرمقنعة ، والصورة الفوتوغرافية  المزورة  للجثة التي قدمتها السلطات الاميركية  للرأي العام العالمي  ووضعتها تحت تصرف وسائل الاعلام وشبكات التلفزة المحلية والدولية ،والتي لم تلبث ان سحبتها مباشرة بعد افتضاح امرها وثبوت انها كانت مفبركة ومن صنع فنان في ( الفوتوشوب ).

في هذا المضمار يجمع العلماء و المفكرون و المراقبون على أن اعظم إنجاز سجلته الصحوة الاسلامية المعاصرة , هو انها دفعت بالقضية الفلسطينية الى واجهة الاحداث  بقوة, و قوضت المخططات التي سعت الى حشر ابناء الانتفاضة في زوايا القتل اليومي الجماعي و الخضوع و الحصار الظالم  و المفاوضات العبثية , والوعود الكاذبة. و ازاء ذلك اتفق ابناء الثورات الشعبية  على ان مسيرات الانتصارالناجز على الانظمة الدكتاتورية والقواعد الفاسدة في بلدانهم ، لن تستقيم دون اقتلاع الشراك االشيطانية من طريقها، وان بقاء سفارات و ممثليات و بعثات تابعة ل" اسرائيل "بين ظهرانيهم ، سوف يعرضهم لا محالة الى طعنات نجلاء مستقبلا، الامر الذي سيضع  تضحياتهم و ومنجزاتهم و تطلعاتهم المحقة في عين العاصفة ، الا إذا حزموا امرهم وقاموا بقطع  دابر أي نوع من التمثيل الصهيوني في اوطانهم .

ان الشعب المصري المؤمن  كان قد اكتوى قبل غيره بنيران التطبيع مع العدو الصهيوني على خلفية معاهدة كامب ديفيد، لكنه زلزل بثورته الاسلامية التحررية في( 15 يناير/كانون الثاني 2011) اكبر قاعدة رسمية متواطئة مع التحالف الاميركي – الاسرائيلي في المنطقة. فقد اطاح بالفرعون المخلوع حسني مبارك والقى به و مرتزقته وراء قضبان المحاكم حتى ينالوا جزاءهم العادل. كما زحف نحو مقرسفارة اسرائيل في القاهرة وحاصرها ثم اقتحمها  وأجبرالسفير والدبلوماسيين المذعورين على الفرار ليلا ، في موقف ثوري و رسالي يعكس اصالة أبناء ارض الكنانة .

لقد اكد هؤلاء الاحرار يجاريهم في ذلك اخوان العقيدة والدم والمصير المشترك في تونس و السعودية  و البحرين وليبيا و الاردن و قطر و الامارات و اليمن و سائر بلدان العالم الاسلامي ، على تواصل حميم بين الصحوة الاسلامية  المباركة و فسطين التي طالما جادوا بتضحياتهم من اجلها ،وسط أجواء من القلق و ردود الفعل الشديدة ، باتت تسيطر على الادارة الاميركية و الحكومات الاوروبية و الكيان الصهيوني، مخافة انقلاب السحر على الساحرو تحول الثورات الشعبية المعاصرة في القريب العاجل  الى زحف جماهيري هائل يكتسح من امامها كل  الذين ارهقوا الامة و اهدروا كرامتها واذاقوها مرارات  الاستضعاف والتبعية والجور طيلة العقود الطويلة الماضية.

بقلم:حميد حلمي زاده