جو الصندوق:

هل ستغزو أميركا فنزويلا؟ وهل هجومها مقدمة لقلب حكومات العالم اللاتيني؟

السبت ٠٤ أكتوبر ٢٠٢٥
٠٧:١٧ بتوقيت غرينتش
تشهد أمريكا اللاتينية توتراً متصاعداً بعد إرسال الولايات المتحدة قطعاً بحرية وطائرات مقاتلة إلى البحر الكاريبي، في خطوة وُصفت بأنها تمهيد لعمل عسكري ضد فنزويلا، تحت ذريعة مكافحة تهريب المخدرات. وتتهم كاراكاس واشنطن بالسعي إلى السيطرة على مواردها الطبيعية وإسقاط حكومتها المنتخبة، في وقت تحذر فيه دول الجوار من تداعيات إقليمية خطيرة.

تتصاعد في أمريكا اللاتينية موجة توتر غير مسبوقة مع ازدياد المؤشرات على نية الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذ عمل عسكري ضد فنزويلا، في ظل تحركات بحرية وجوية مكثفة وذرائع تتعلق بمكافحة تهريب المخدرات، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة وأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.

وتعيش القارة اللاتينية اليوم مرحلة توصف بأنها الأخطر منذ أكثر من ستين عاماً، إذ يرى مراقبون أن ما يجري حالياً يتجاوز مجرد خلاف سياسي بين واشنطن وكاراكاس، ليشكل اختباراً جديداً لمعادلات النفوذ في نصف الكرة الجنوبي. الفرق الجوهري، كما يقول محللون، أن الاتحاد السوفياتي الذي كان يشكل قوة رادعة لواشنطن لم يعد موجوداً، وأن فنزويلا لا تمثل تهديداً حقيقياً للأمن الأميركي، ما يجعل التصعيد القائم ذا دوافع سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى.

التجربة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب تشير إلى أن الهدف المباشر هو فنزويلا، غير أن الغاية الأبعد تتمثل في تقويض الحكومات اليسارية في المنطقة التي ترفض، بحسب واشنطن، «الانصياع للسياسات الأميركية». وقد بدأ التصعيد الأميركي بشكل واضح عقب العدوان على إيران في يونيو 2025، حين سعت واشنطن إلى نقل الضغط نحو أمريكا اللاتينية بعد إنهاك خصومها في غرب آسيا.

وفي الوقت نفسه، استغلت الإدارة الأميركية انشغال روسيا بحربها ضد أوكرانيا لتوسيع نفوذها في مناطق أخرى من العالم، من خلال التلويح بالحروب التجارية وتهديد كندا والمكسيك بشروط سياسية واقتصادية جديدة، قبل أن تتجه أنظارها مجدداً نحو كاراكاس.

في يوليو 2025، نظمت فنزويلا انتخابات بلدية فاز فيها الحزب الاشتراكي المتحد بـ285 بلدية من أصل 335، وجاءت هذه النتائج بعد انتخابات تشريعية في مايو الماضي فاز فيها معسكر الرئيس نيكولاس مادورو بـ253 مقعداً من أصل 285. وقد قاطعت المعارضة الفنزويلية هذه الانتخابات، معتبرة أن مادورو، الذي أعيد انتخابه عام 2024، رئيس غير شرعي، فيما رفضت واشنطن الاعتراف بنتائج الاستحقاقين.

هذه التطورات أثارت غضب الإدارة الأميركية التي رأت في فوز التيار الاشتراكي دليلاً على فشل سياسة العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة منذ سنوات، فقررت تصعيد ضغوطها بشكل غير مسبوق. وفي الرابع من أغسطس 2025، أعلنت وزارة العدل ووزارة الخارجية الأميركيتان عن مكافأة مالية قدرها 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال الرئيس مادورو، متهمة إياه بالاتجار بالمخدرات وتصديرها إلى الولايات المتحدة.

لم يكن هذا الاتهام جديداً في السياسة الأميركية تجاه خصومها، إذ سبق أن استخدمت واشنطن اتهامات مشابهة لتبرير تدخلات عسكرية في دول أخرى. غير أن الجديد هو اقتران التصعيد السياسي بتحركات عسكرية ميدانية واسعة. فقد أمر الرئيس ترامب بنشر ثلاث سفن حربية قاذفة للصواريخ قبالة السواحل الفنزويلية، إلى جانب طراد صواريخ ومدمرة متمركزة في المحيط الهادئ جنوب بنما وسفينة هجومية برمائية تقل على متنها نحو 4500 جندي من قوات المارينز، جميعها مجهزة بصواريخ توماهوك الهجومية القادرة على ضرب أهداف داخل الأراضي الفنزويلية بدقة عالية.

المتحدثة باسم البيت الأبيض وصفت الحكومة الفنزويلية بأنها «كارتل إرهابي لتهريب المخدرات»، وزعمت أن مادورو «هارب من وجه العدالة». وبالتوازي مع الحشود البحرية، أرسلت الولايات المتحدة 10 طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى جزيرة بورتوريكو الواقعة في البحر الكاريبي، والتي تعدّ إقليماً تابعاً للولايات المتحدة، في خطوة اعتبرها مراقبون إشارة واضحة إلى احتمال أن تكون هذه القواعد نقطة انطلاق لأي هجوم محتمل على فنزويلا.

ويرى محللون أن التصعيد الأميركي يأتي في إطار استراتيجية أشمل تهدف إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي في أمريكا اللاتينية، خصوصاً بعد صعود حكومات يسارية في دول مثل البرازيل وتشيلي والمكسيك. وتعتبر واشنطن أن هذه الحكومات تمثل تحدياً مباشراً لنفوذها التقليدي في المنطقة، في حين تؤكد فنزويلا أن ما يجري ليس سوى محاولة جديدة لإسقاط نظام شرعي والسيطرة على ثروات البلاد الهائلة من النفط والغاز والذهب.

ومع اتساع الحشود العسكرية وارتفاع نبرة الخطاب السياسي، تتزايد المخاوف من انزلاق الأوضاع نحو مواجهة مفتوحة قد تهدد استقرار القارة بأكملها. وبينما تبرر واشنطن خطواتها بأنها «لحماية أمنها القومي»، تصف كاراكاس هذه التحركات بأنها «عدوان سافر وانتهاك صارخ للقانون الدولي»، مؤكدة استعدادها للدفاع عن سيادتها بكل الوسائل.

وهكذا، يقف العالم اليوم أمام مشهد يعيد إلى الأذهان أزمات الحرب الباردة، لكن هذه المرة في غياب توازن الردع القديم. وبين خطاب «مكافحة المخدرات» وشعار «حماية الديمقراطية»، تبدو الحقيقة أكثر تعقيداً: صراع نفوذ جديد تدور رحاه حول من يملك القرار والموارد في أمريكا اللاتينية.

المزيد في سياق الفيديو المرفق...

0% ...

آخرالاخبار

قتلى وجرحى باشتباكات مسلحة غرب طرابلس في ليبيا


قبائل جبل راس والعدين ومقبنة في الحديدة تُعلن النفير العام


العراق:جدل سياسي بعد إدراج حزب الله وأنصار الله على قائمة الإرهاب


تفكيك خلية ارهابية غرب العاصمة طهران


البحرية الأمريكية تؤكد انضمام مدمرة إلى قواتها في منطقة البحر الكاريبي


بقائي: العقوبات القسرية أحادية الجانب جرائم ضد الانسانية


بالفيديو ... موكب سيارات يرفع أعلام حزب الله يجوب شوارع في بغداد​


إيرواني: الإجراءات القسرية أحادية الجانب انتهاكٌ لحقوق الإنسان والحق في التنمية


الرئيس بزشكيان يغادر محافظة كهكيلويه وبوير أحمد عائدا إلى طهران


سوريا...توغل إسرائيلي جديد في ريف القنيطرة