اللافت ان هذا الرجل اراد ان ينشر السلام في الاراضي الفلسطينية المحتلة، والتي شهدت ابشع ابادة جماعية ارتكبت باسلحة امريكية في العصر الحديث، بشهادة المحكمة الجنائية الدولية، بينما لم نسمعه يذكر الابادة في خطابيه الطويلين المملين امام الكنيست الصهيوني، وقمة شرم الشيخ في مصر، بل على العكس تماما بارك للكيان الاسرائيلي انتصاره على الشعب الفلسطيني الاعزل، وهو انتصار ما كان ليتحقق لولا دعم امريكا، وفقا لاعتراف صريح لهذا الرجل المملوء بعقد النقص والمهووس بالاضواء والاستعراض، وهذا الرجل ليس سوى الرئيس الامريكي دونالد ترامب.
ترامب زار فلسطين المحتلة ليعلن من هناك انه اوقف حربا كانت مستعرة منذ 3000 سنة!!،وبشر بالسلام، بينما الجميع يعلم، ان قرار وقف الحرب في غزة فرض عليه وعلى تابعه نتنياهو، بفضل المقاومة الملحمية للمقاومة الاسلامية، والصبر الاسطوري لاهالي غزة، والموقف المشرف لشعوب العالم التي تظاهرت واحتجت وعرّت الحكومات الغربية والمنظمات الدولية، التي تواطأت مع المجرمين، فما كان من ترامب مضطرا الا ان يقدم نفسه كحمامة سلام، لانقاذ الكيان الاسرائيلي، من ورطته التي جعلت منه كيانا معزولا ومنبوذا امام العالم الجمع، والا لا يمكن اعتبار مسرحية ترامب الاستعراضية، محاولة حتى للوصول الى السلام، فالرجل كما نتنياهو، لا يعترف بوجود شعب فلسطيني اصلا، بل لا يعترف حتى بحقهم في الحياة، فهو اعمى واصم وابكم، ازاء الابادة التي تحدث في غزة منذ عامين وكل همه كان حياة20 اسيرا اسرائيليا فقط، لذلك افتخر امام الكنيست انه شريك في انتصار "اسرائيل"، وانه قدم لها ما لم يقدمه اي رئيس امريكي سابق، فهو اعترف بالقدس عاصمة للكيان الاسرائيلي ونقل سفارة بلاده اليها، وكذلك اعترف بضم مرتفعات الجولان المحتلة، وتمنى ان تكون "اسرائيل" اكبر، في اشارة ضمنية الى تاييده لضم الضفة الغربية للكيان ايضا، اما السلام في غزة وفقا لفهم ترامب، فهو عبارة عن منح اهلها الحق في الحياة على ارض لا تحمل اي هوية، وتدار من قبله ومن قبل سيىء الصيت توني بلير، وفي حال رفض هل غزة هذا السلام فان الموت والجحيم سيكون نصيبهم.
هل هذا الرجل المتعجرف والدموي هو رجل سلام؟. المضحك انه يستجدي جائزة نوبل، وهي الجائزة التي منحت هذا العام لصنيعته الفنزولية، الامر الذي حزّ في نفسه كثيرا، حيث كشف عن حقيقتها عندما اعلن انه كان يقف وراءها ويشجعها ويدفعها للعمل ضد بلادها، بذريعة الدفاع عن الديمقراطية في فنزولا. ولكن يبدو ان مضيفيه في الكيان الاسرائيلي حاولوا جبر خاطره في استقبال استعراضي ضخم وكذلك فعلوا في شرم الشيخ عندما اصطف خلفه قادة 20 بلدا في العالم، ليحدثهم عن عبقريته وذكائه وحكمته وحبه للسلام، وعمله على وقف 7 أو 8 حروب في العالم، لكن نوبل تجاهلت كل ذلك!.
وعلى ذكر الحروب الوهمية التي اوقفها ترامب والتي بلغت “ثماني حروب” حسب زعمه. وهي حروب كذبها حتى اصحابها، وفي مقدمتها الحرب الاثيوبية المصرية حول سد النهضة والتي هي مجرد خلاف دبلوماسي، حوله ترامب إلى حرب ضروس لم تحدث، ثم أعلن النصر. وحرب كشمير، التي هي مجرد اشتباكات محدودة، نسبت له تهدئتها رغم نفي الهند وباكستان. ثم حرب صربيا وكوسوفو، وهي حرب كانت قد انتهت عام 1999!. وحرب أرمينيا وأذربيجان، حيث إلتقط صورة في البيت الأبيض مع رئيسي البلدين دون التوقيع على اي شيء. وكذلك حرب الكونغو ورواندا، أو الاتفاق الهش، الذي لم يشمل الفصيل الأهم، لكن ترامب أعلن النصر بتغريدة من تويتر. واليوم حرب غزة، وهي الحرب التي رفضت بلاده وقفها 6 مرات في مجلس الامن الدولي، ومدت الكيان الاسرائيلي باسلحة فتاكة، حتى ترامب لم يكن يعرف طبيعتها الا انه ارسلها الى نتنياهو نزولا عند رغبة الاخير، وفقا لاعتراف ترامب امس امام الكنيست، بينما وقف الحرب لا يعني لدى ترامب، لا من قريب ولا من بعيد، اي اعتراف بالوجود الفلسطيني ولا بدولتهم.
رغم اننا مع وقف حرب الابادة الاسرائيلية الامريكية في غزة، الا اننا لا يجب ان نقع في فخ المسرحية الترامبية، التي لم تتقدم باي رؤية للصراع الدائر في المنطقة بسبب الاحتلال الاسرائيلي وبسبب الدعم الامريكي الاعمى للاحتلال، الذي انتقل بسبب هذا الدعم الى مستويات خطيرة من التوحش، الذي لم يعد يعترف لا بحدود ولا بسيادة للدول ولا بحقوق الانسان ولا بالقانون الدولي، وهو توحش لا يمكن ردعه ما دام، رجل السلام ترامب، يقف وراءه ويدعمه بكل اسباب القوة، وهو دعم يؤكد صوابية موقف محور المقاومة، الذي يرفض القاء السلاح تحت اي ظروف، ففي حال تسليم المقاومة سلاحها، ستدخل المنطقة برمتها بالعصر الاسرائيلي الاسود.