الملف الأول: غزة بعد الاتفاق
قامت حركة حماس، في إطار المرحلة الأولى من الاتفاق، بتسليم الأسرى الأحياء حتى قبل الموعد المحدد، في خطوة تؤكد التزامها بالاتفاق. وكانت قد أوضحت سابقًا أن تسليم جثامين الأسرى القتلى يتطلب وقتًا طويلًا، بسبب حجم الركام الهائل الناتج عن العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ عامين.
فقد بلغ حجم الركام في غزة قرابة 50 مليون طن، في ظل شح الآليات والمعدات اللازمة نتيجة الحصار الخانق على القطاع. هذا الواقع يجعل من مهمة العثور على جثامين الأسرى القتلى مهمة بالغة الصعوبة. وقد طُرحت هذه المسألة قبل توقيع الاتفاق، وتفهمها الطرفان الأميركي والإسرائيلي، إلا أن الاحتلال كعادته يحاول التنصل من التزاماته ويتذرع بعدم تسليم "العدد الكافي" من الجثامين.
رغم هذه العراقيل، تدخل الوسطاء لمحاولة تذليل العقبات، وقيل إن الاحتلال الإسرائيلي وافق على السماح بدخول مساعدات إنسانية مقابل الإفراج عن جثامين الأسرى. إلا أن الهلال الأحمر الفلسطيني أكد حتى الآن أنه لم يتسلم أي مساعدات من الجهات المعنية.
كما لم يُسمح بخروج الجرحى الفلسطينيين من غزة رغم حاجتهم الماسة للعلاج. الجانب المصري أعرب عن استعداده لتسهيل خروجهم، لكن الاحتلال الإسرائيلي يواصل عرقلة الأمر.
حازم قاسم، المتحدث باسم حركة حماس، صرّح بأن المرحلة الحالية حساسة للغاية. وأوضح أن المرحلة الأولى نُفذت بنجاح، أما المرحلة الثانية فتتعلق بمستقبل قطاع غزة. في المقابل، بنيامين نتنياهو يدعي ان من شروط المرحلة الثانية تفكيك سلاح حماس ونزع الطابع العسكري للقطاع، وهو ما ترفضه الحركة وتعتبره شأنًا وطنيًا لا يُحسم إلا عبر توافق فلسطيني داخلي.
في خضم هذه المواقف، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الحرب قد انتهت، وأننا بصدد الدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق. ويرى الخبراء أن هذا التصريح من شأنه أن يُضعف قدرة "إسرائيل" على عرقلة تنفيذ المرحلة القادمة.
لكن من الواضح أن الجانب الإسرائيلي يواصل المماطلة والعرقلة، إذ تارةً يعلن أنه لن يفتح معبر رفح كعقوبة لحماس، وتارةً أخرى يتحدث عن فتح المعبر أو السماح بدخول 300 شاحنة فقط من أصل 600 شاحنة يُفترض دخولها يوميًا إلى القطاع. حتى الآن، لم تدخل الكمية المطلوبة من المساعدات.
الاحتلال يتذرع بحماس، في حين أن الحقائق على الأرض تشير إلى سقوط شهداء في رفح والشجاعية نتيجة هجمات من الطائرات المسيّرة والآليات العسكرية الإسرائيلية. كما أن المساعدات التي دخلت لا تزال دون الحد الأدنى، ما يؤكد أن الاحتلال يسعى، كعادته، إلى إفراغ الاتفاق من مضمونه وتأجيل تنفيذه.
هذا النهج يتماشى مع شخصية نتنياهو المعروفة برفضها لأي اتفاقيات حقيقية، خاصة مع قوى المقاومة، وقد ينعكس ذلك على صورة "إسرائيل" بالكامل، التي تواجه عزلة دولية متزايدة، ظهرت ملامحها في جلسات الكنيست، قمة شرم الشيخ، وغيرها من المحافل.
في هذا السياق، نقل موقع "والا" العبري أن التحول الأميركي في الموقف تجاه ما جرى في غزة بدأ قبل نحو شهر، نتيجة موجة غضب شعبية وسياسية داخلية في الولايات المتحدة، ما وضع إدارة ترامب في موقف حرج. وقد نشرت صحيفة واشنطن بوست مؤخرًا أن ترامب خاطب نتنياهو بنبرة حادة قائلاً:من دون الدعم الأميركي، لن تصمد إسرائيل، ولن يكون لها وجود."
الملف الثاني: مهمة القوات العربية والدولية في غزة
وفي موضوع مهمة القوات العربية والدولية في تنفيذ آليات اتفاق غزة، قال خبير قناة العالم في الشأن العسكري، الفريق الركن عبد الكريم خلف، إنّ الكيان يعيش صدمة شديدة بسبب وجود حركة حماس بشكل فوري وفاعل على الأرض في كل المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال، حيث فرضت حماس سلطتها المطلقة هناك، واستتب الأمن خلال ساعات، وهو ما يُعد فشلاً ذريعًا لجيش الاحتلال، خاصة بعد سنتين من العدوان.
وأوضح الفريق عبد الكريم خلف أن حماس لم تتأثر بالهجمات الشديدة والقاسية التي استخدم فيها الاحتلال كل الوسائل والتقنيات والأسلحة والدعم، رغم كل ذلك بقيت حماس قوية على الأرض.
وحول موضوع وجود الجيش الأميركي في المرحلة الثانية، أشار إلى أن فريق التفاوض الأميركي قدّم خطة من 21 نقطة، لا تتضمن بندًا واحدًا متعلقًا بنزع سلاح حماس. وقال إن المرحلة الثانية من الاتفاق من المفترض أن تشمل تبادل الأسرى، حيث تم تسليم أربعة أسرى من الداخل، وما تبقى حوالي 20 أو أقل.
وأضاف أن من المقرر أن ينتشر 200 مراقب أميركي في مناطق الحدود داخل الكيان الإسرائيلي، وليس داخل قطاع غزة، إلى جانب مراقبين عرب وربما فرنسيين وبريطانيين، لدعم جهود مراقبة وقف إطلاق النار.
ونبّه إلى أن حماس تسيطر بشكل مطلق على الأرض والامتداد الميداني في غزة، وأن وجود قوات دولية محدودة ومسلحة بأسلحة خفيفة وعربات مدرعة لا يمكن أن يفرض سيطرة فعلية على القطاع.
وتطرق إلى عرقلة الاحتلال فتح معبر رفح للسماح بخروج الجرحى ودخول المساعدات، رغم استعداد الجانب المصري لتسهيل ذلك، مؤكداً أن الاحتلال ما زال يمارس المماطلة والعرقلة.
كما ذكر أن معظم المعدات الثقيلة التي تساعد في عمليات الإنقاذ والبحث دُمرت خلال العدوان، مما يزيد من صعوبة مهام استخراج الجثث من تحت الأنقاض.
وعن الدور الميداني للقوات الدولية، قال الفريق الركن عبد الكريم خلف إن هذه القوات ستقتصر على مناطق الحدود مع الكيان، وستدير الملف من خلال مركز تنسيق مشترك يضم ضباطًا من الولايات المتحدة والدول العربية، مثل قطر، والأردن، بالإضافة إلى ضباط من بريطانيا وفرنسا.
ونبّه إلى أن هذه الأطراف الدولية والعربية المشاركة في الملف لا ترغب في وجود حماس قوية، خاصة بعض الدول مثل مصر والأردن والسعودية والإمارات التي تعتبر حركة الإخوان جزءًا من هذه البيئة التي ترفضها.
وقال إن تهديدات ترامب المتكررة باستخدام القوة إذا لم تسلم حماس أسلحتها ، أصبحت "أضحوكة"، لأن حماس ما زالت قوية وقادرة على تنفيذ عمليات نوعية، وهو ما شكل أزمة حقيقية لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف أن الهدف الإسرائيلي من هذه التهديدات هو تحويل غزة إلى نموذج مماثل لسوريا أو جنوب لبنان من حيث العمليات الأمنية والاستخباراتية، والتي تتضمن طائرات مسيرة واغتيالات، لكن هذه الممارسات ممنوعة بموجب بنود الاتفاق.
الملف الثالث: القدرات العسكرية الإيرانية.. صاروخ قادر البحري
وفي ملف قدرات إيران العسكرية، قدم الخبير الأمني والاستراتيجي، العقيد الركن عبد الكريم خلف، تحليلاً مفصلاً حول الترسانة الصاروخية البحرية الإيرانية، مسلطاً الضوء بشكل خاص على صاروخ "قادر" الباليستي المضاد للسفن، ومؤكداً على تقنياته المتقدمة ودوره المحوري في حماية السواحل والمضايق الإيرانية.
أشار الفريق خلف إلى أن صاروخ "قادر" هو صاروخ باليستي يُستخدم لاستهداف جميع الأهداف البحرية فوق سطح الماء، ولا يُستخدم للأعماق، ويتميز بتقنيات حديثة تمنحه قدرة وصول تصل إلى 300 كيلومتر، وهو مدى يُعتبر متوسطاً في نطاق الصواريخ البحرية. وأوضح أن هذا الصاروخ يتمتع بمرونة في الإطلاق، إذ يمكن إطلاقه من الجو أو من سفن سطح البحر أو حتى من منصات أرضية ثابتة أو متحركة على طول السواحل.
وفي تفاصيل المواصفات التقنية، ذكر الخبير أن الصاروخ يمتلك رأساً متفجراً كبيراً يتجاوز وزنه 200 كيلوغرام، وتصل سرعته إلى نحو 1100 كيلومتر في الساعة، وهي سرعة تقل بقليل عن واحد ماخ. ويُعد الطيار الآلي عالي الدقة، المثبت على رأس الصاروخ، ميزة تقنية فارقة، حيث يتيح للصاروخ الطيران بارتفاع منخفض جداً يتراوح بين ثلاثة وخمسة أمتار فوق سطح البحر، وقد يرتفع إلى ما بين 20 و30 متراً خلال مسيره، مما يجعل مهمة رصده من قبل الرادارات المعادية صعبة للغاية. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع "قادر" بقدرات عالية على المناورة باستخدام وسائل الحرب الإلكترونية لتفادي الدفاعات المضادة التي تحاول إسقاط الصواريخ البحرية. وأوضح خلف أن هذا الصاروخ يُصنف ضمن صواريخ كروز، مشيراً إلى أنه نسخة مشابهة، ولكنه أكثر تطوراً من الصاروخ الصيني "C-802"، الذي يمتلك رأساً حربياً أصغر ومواصفات أقل بقليل. كما بيّن أن الصاروخ يستخدم محرك نفاث يشبه محركات الطائرات.
وبشأن دمج الصاروخ في سياق الحروب الحديثة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والحرب الإلكترونية، أكد الفريق خلف أن "قادر" مصمم بتقنيات تسمح له باستخدام وسائل الحرب الإلكترونية المدمجة في الطيار الآلي الخاص به. وأوضح أن الصاروخ يعتمد على التوجيه الذاتي بعد تزويده بالبيانات الأساسية عند الإطلاق، دون الحاجة لتدخل مستمر من جهة الإطلاق الأصلية، ما يضمن وصوله إلى الهدف بدقة عالية جداً. وأشار إلى أن قدرته على الحفاظ على مسافة محددة فوق سطح الأرض أو البحر، بغض النظر عن انخفاض أو ارتفاع التضاريس، يمثل تقنية ملاحة بالغة التعقيد والدقة. وشدد خلف على أنه بمدى 300 كيلومتر، يصبح من الصعوبة بمكان اعتراض الصاروخ، خاصة إذا كان الهدف لا يبعد أكثر من 200 كيلومتر، حيث يصبح الوقت الفاصل بين الإطلاق والوصول قصيراً جداً.
وعن دوره الاستراتيجي في الأمن الإقليمي، قال العقيد خلف إن صاروخ "قادر" مصمم بشكل أساسي لحماية مضيق هرمز ومنطقة الخليج الفارسي وسواحل إيران الممتدة على بحر قزوين والبحر العربي. وأوضح أنه يمكن تأمين كل هذه السواحل بسهولة من خلال المنصات التي توضع على الساحل، وليس في داخل البحر، مما يتيح ضرب أي أهداف بحرية قادرة على الوصول إلى العمق الخليج الفارسي ومناطق هرمز وخليج عمان.
الملف الرابع: وحدة الظل؛ قوةُ إخفاءٍ أسقطت استخبارات عالمية
تحظى وحدة "الظل"، التابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام، بمكانة محورية في هندسة عملية إبقاء الأسرى الإسرائيليين بعيداً عن متناول الترسانة الاستخبارية والمعلوماتية للكيان الإسرائيلي.
هذه الوحدة، التي تُعرف بـ"الكتيبة الغامضة" وإحدى أهم القوات الخاصة في كتائب القسام، استطاعت منذ تأسيسها في عام 2006 وحتى الآن أن تُبقي جميع الأسرى الإسرائيليين في دائرة المجهول، وهو ما يُعد إنجازاً أمنياً واستخبارياً فريداً. تأسست وحدة "الظل" بناءً على طلب مباشر من القائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف، وقام بتشكيلها الشهيد باسم عيسى. الهدف الأساسي والرئيسي من تشكيل هذه الوحدة هو "تبييض سجون العدو وكسر القيد عن آخر أسير فلسطيني في الاحتلال"، مما يجعل مهمتها الأساسية الحفاظ على الأسرى الإسرائيليين في يد المقاومة لاستبدالهم لاحقاً ضمن صفقات تبادل ضخمة، على غرار صفقة "وفاء الأحرار".
المعلومات المتوفرة عن هذه الوحدة شحيحة للغاية، حيث أن هويات أعضائها غير معروفة للعامة، وليس هناك رقم محدد لعدد عناصرها. هم يعيشون حياة طبيعية بين الناس، ولكنهم في الحقيقة من ذوي الخبرة الكبيرة في المجال الأمني والاستخباراتي، ويتمتعون بقدرات قتالية عالية. كما أنهم تلقوا تدريباً على إدارة الأمور من الناحية التكنولوجية والأمنية والاستخباراتية، مما يجعلهم متطورين جداً في هذا المجال. اللافت أن هذه الوحدة تعتمد على أساليب بدائية في عمليات إخفاء الأسرى، وهو ما يُعتقد أنه السر وراء بقائهم خارج نطاق الرصد الإسرائيلي حتى هذه اللحظة، رغم كل ما يمتلكه العدو من قوة وتطور تكنولوجي واستخباراتي.
ويُحسب لوحدة "الظل" استمرار نجاحها في قطاع غزة، الذي لا تتجاوز مساحته 360 كيلومتراً مربعاً. فبالرغم من وجود العملاء والجواسيس والاستخبارات الإسرائيلية، وتحليق الطائرات الإسرائيلية والبريطانية فوق القطاع، لم يتمكن الاحتلال من كشف أماكن وجود أسراه، خصوصاً بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر، حيث لعبت الوحدة دوراً كبيراً في إبقاء أسرى جدد بعيدين عن الكشف حتى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار. تم الإعلان عن وجود الوحدة لأول مرة في عام 2006 عبر فيديو قصير يرصد كيفية قيام المقاومين الفلسطينيين بأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وكيفية الحفاظ عليه لمدة خمس سنوات بقي خلالها في الأسر دون أن يتمكن الاحتلال من كشف مكانه. الإعلان الرسمي عن وجود الوحدة جاء في عام 2016. وقد نجحت هذه الوحدة في تحقيق أبرز عملياتها عبر الحفاظ على شاليط لمدة خمس سنوات، ومن ثم تحقيق صفقة تبادل كبرى (صفقة الأحرار) عام 2011، حيث تم مبادلة الجندي الإسرائيلي بأكثر من ألف أسير فلسطيني، من بينهم القيادي الشهيد يحيى السنوار.
تلتزم وحدة "الظل" بالتعامل مع الأسرى الإسرائيليين بناءً على التعاليم الإسلامية، من حيث حسن المعاملة وحماية الكرامة الإنسانية وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم. وفي الحرب الأخيرة على غزة، ظهر مقاتلو هذه الوحدة بشكل واضح، وهم يرتدون اللباس الأسود ويضعون أقنعة سوداء على وجوههم، ما أثار تساؤلات حول هويتهم. ولا شك أنهم اضطروا إلى نقل الأسرى مرات عديدة في ظل القصف الإسرائيلي الكثيف، لكنهم حافظوا على سلامتهم. وفي عام 2024، كشفت وكالة "سند للمصادر المفتوحة" عن عدد كبير من طلعات التجسس للطيران الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي فوق القطاع. ورغم كل هذا الحشد الاستخباري الدولي، تمكنت وحدة "الظل" من كسر كل هذه الاستخبارات، وليس فقط الاستخبارات الإسرائيلية، في معرفة مكان وجود الأسرى في قطاع غزة.