هذه الحقيقة كانت ولحسن الحظ ماثلة امام العراقيين مقترعين ومرشحين، الا ما ندر، وهذا ما يفسر تحشيد القوى السياسية لجماهيرها، من اجل المشاركة الواسعة في الانتخابات، التي رات فيها هذه القوى محاولة استباقية لسد الطريق امام الفتن التي تسعى امريكا من خلال بعض المحسوبين عليها، زرعها بين ابناء الشعب العراقي.
ان وجود عراق واحد موحد وقوي ، يمثل تهديدا للمخطط الصهيوامريكي، الهادف الى اضعاف و تشتيت دول المنطقة والهاء شعوبها بصراعات، لا جذور لها بين ابناء الشعب الواحد، مثل الصراع الطائفي والعرقي والديني والمناطقي، وهي صراعات دخيلة جاءت مع الغزو الامريكي للمنطقة، وما نشهده اليوم في سوريا و السودان واليمن وليبيا، وما محاولة تكرار هذا السيناريو في لبنان، الا تطبيقات عملية للمخطط الامريكي الصهيوني، الذي يراد تنفيذه في العراق عبر القوة الناعمة بعد ان فشلت القوة الخشنة المتمثلة بالاحتلال الامريكي و العصابات الارهابية والتي كانت اخرها داعش.
يرى العراقيون ان المشاركة في الانتخابات واجب يفرضه العقل في كل الأوقات والظروف وفي بعض الأحيان واجب يفرضه الدين عندما يتعلق بالحفاظ على النفس المحترمة من القتل والحفاظ على الدين من الضعف او الزوال ، والظروف التي يمر بها العراق والمنطقة اليوم جميعها تدفع العقلاء ان يشاركوا في الانتخابات، التي تمثل محطة مصيرية لتحديد مستقبل الشعب العراقي، وبالتالي تحديد مستقبل المنطقة برمتها.
اكدت مصادر خبرية متباينة، ان المشاركة الانتخابية كانت واسعة هذه المرة، واعادت للاذهان مشاركة العراقيين في اول انتخابات بعد سقوط الصنم عام 2005 ، حيث شارك العراقيون في تلك الانتخابات ، رغم المخاطر الجمة التي كانت تمثلها الجماعات التكفيرية التي هددت باغراق العراق بالدماء، حيث فجر الانتحاريون اجسادهم النتنة بالابرياء لمنعهم من المشاركة ، حتى لجا الارهابيون الى زرع العبوات الناسفة واستخدام القناصة لافشال العملية الانتخابية، الا ان ارادة العرقيين كانت اقوى ، لادراكهم التحديات التي كانت تنتظرهم والمؤامرات التي تحاك ضدهم.
اليوم يستشعر العراقيون ذات الخطر الذي استشعروه قبل 20 عاما ، بل ان مخاطر اليوم اكثر تعقيدا، في ظل وجود ادارة امريكية متنمرة وعنجهية ومتغطرسة ، تفرض ارادتها بالقوة العسكرية والاقتصادية، ضاربة بالقوانين الدولية وبسيادة الدول بعرض الحائط، وفي ظل وجود كيان صهيوني متوحش لا يرى هناك من رادع يقف امامه توحشه ، بفضل الدعم الامريكي الاعمى، الذي حوله الى وحش يحاول التهام كل من يقف امامه.
يعلم العراقيون اكثر من غيرهم، بسبب الغزو الامريكي الذي تعرض له بلدهم، أن كل تدخل أمريكي في شؤون الدول الأخرى كانت نتائجه سلبية على السلام والاستقرار في تلك الدول والمنطقة بأسرها. وان امريكا تسير وفق استراتيجية محددة بالنسبة للعراق وهو عدم السماح للعراق ان يكون قويا، وكان الرئيس الامريكي السابق جورج بوش برر هذه السياسة بقوله ان امريكا لا تريد ان تجعل من العراق دولة تستهدف دول الجوار. وهذا الموقف هو الذي كان يبرر تصريحات الامريكيين فيما بعد ، من ان داعش سيبقى في العراق 30 عاما. لكن لولا المرجعية العليا ولولا الحشدالشعبي، لكانت داعش مازالت تعبث بالامن العراقي.
امريكا لم تكف يوما عن التدخل بالشان العراقي، واليوم تمارس تدخلا مباشرا في الشأن الانتخابي العراقي عبر الضغوط السياسية والاقتصادية، ولكن وبفضل وعي الشعب العراقي الذي رايناه اليوم في طوابير امام مراكز الاقتراع، سيتم واد المخططات الامريكية الرامية للدفع بالعراق نحو حظيرة المشروع الابراهيمي الذي تتربع على عرشه اسرائيل"، وهو امر لم ولن يحدث مادام العراقيون بهذا المستوى من الوعي، الذي يستشعر الخطر قبل وقوعه، ويرون في امريكا التحدي الاكبر الذي يجب ان يواجهونه، على ضوء ما يجري في الاقليم من ماسي، بسبب التدخل الامريكي والوحشية الاسرائيلية.