جاء طوفان الأقصى لا كعملية عسكرية فحسب بل كحدث هز البنية العميقة لما يعرف في الغرب بالثوابت الإسرائيلية.. تلك التي صنعت بعناية وروجت كحقائق فوق النقد.
لعقود تسللت إسرائيل إلى العقل الغربي دولة ديمقراطية متحضرة ضحية تدافع عن نفسها.. لكن حين انقلبت المعادلة وظهر الوجه الحقيقي للآلة العسكرية الإسرائيلية وهي تفتك بالأطفال والمدنيين وتحاصر المدن وتجوعها.. بدأت تلك الصورة تنهار قطعة قطعة.
لم يعد بالإمكان الترويج لأسطورة الجيش الاخلاقي ولا لأسطورة الدولة الديمقراطية في الشرق المظلم ولا لتهمة اللاسامية كسيف مسلط على رقاب كل من يجرؤ على نقض الاحتلال.
في ميادين الجامعات الغربية وفي شوارع العواصم الأوروبية وفي استطلاعات الرأي الأميركية بدأنا نرى جيلا جديدا يتحرر من ثقل الرواية المفروضة ويرى بعينيه ما لم تكن الأجيال السابقة تراه.
أما الكيان نفسه في عزلة غير مسبوقة.. تحاصره تقارير الجرائم وتلاحقه كاميرات الحقيقة وتحرجه مواقف حلفائه قبل خصومه.
نحن اليوم أمام مشهد متحول ليس فقط في ميزان القوى الميداني بل في خارطة الإدراك الدولي حيث لم تعد إسرائيل كما كانت تقدم ولم يعد الصمت الغربي كما كان يفرض.
خاض الجيش الإسرائيلي خلال العامين الماضيين حرب إبادة واسعة على قطاع غزة، استخدمت فيها كل أدوات القوة العسكرية والسياسية، ساعية إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني ومحو وجود المقاومة.
لكن الواقع على الأرض قلب الموازين، وكشف هشاشة الخطط الإسرائيلية التي باءت بالفشل.. لقد شهدت إسرائيل خسائر فادحة على أكثر من مستوى.. عسكريا لم تنجح في تحقيق هدفها الاستراتيجي الأساسي: تفكيك المقاومة وفرض السيطرة الكاملة على القطاع.
بل على العكس برزت المقاومة بشكل أكثر قوة وتنظيما، وأظهرت قدرة على الصمود والتجديد، متحدية آلة الحرب المتفوقة.
لكن الأثر لم يتوقف عند حدود ساحات القتال، بل امتد ليصل إلى قلب السياسة الدولية، حكومة بنيامين نتنياهو ارتكبت أخطاء فادحة أدت إلى عزلة متزايدة للكيان على الساحة العالمية.
الحرب التي شنها الاحتلال والجرائم التي ارتكبتها قواته أمام أعين العالم مزقت ما تبقى من صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان.
وقد انعكس هذا التراجع في مواقف الحلفاء التقليديين حيث بدأ الجيل الجديد في الولايات المتحدة وأوروبا يراجع مواقفه، متجهاً إعادة تقييم العلاقة مع إسرائيل.. إنتشرت موجات الاحتجاج في شوارع العواصم الغربية وارتفعت الأصوات الداعية إلى إنهاء الدعم العسكري والمالي، ما شكل ضربة قوية لسلاح إسرائيل السياسي.
على المستوى الدولي تزايدت الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية التي عززت من عزلتها، من تصويتات الأمم المتحدة إلى المقاطعات الثقافية والاقتصادية، ما أضعف من موقعها السياسي، وأثر بشكل مباشر على قدرتها في الاستمرار في سياسات الاحتلال.
في النهاية لا يمكن فصل الانكسار الميداني عن الانهيار الأخلاقي والسياسي، إذ تواجه إسرائيل اليوم أزمة وجودية حقيقية تتجاوز حدود الحروب التقليدية لتشمل فقدان الشرعية الدولية والرفض الشعبي العالمي، في حين يثبت الشعب الفلسطيني قدرته على الصمود والمقاومة في وجة آلة الحصار والقمر.
هذه الخسائر المركبة تمثل منعطفا حاسما في مسار الصراع، تعيد رسم خريطة التحالفات والمواقف الدولية، وتفتح الباب أمام مستقبل مختلف يشكل تحديا كبيرا للكيان الإسرائيلي وسياساته.
ولمناقشة هذا الموضوع تستضيف هذه الحلقة المختص بالشؤون الإسرائيلية الأستاذ علي حيدر، والباحث في الدولية للمعلومات الأستاذ محمد شمس الدين، والكاتب والباحث السياسي الأستاذ علي مراد.
للمزيد إليكم الفيديو المرفق..