جوا الصندوق..

من الغزو إلى السيطرة المالية.. الهيمنة الأمريكية على العراق بعد 2003!

السبت ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٥
٠٥:٤٩ بتوقيت غرينتش
يسلّط برنامج"جوا الصندوق" الضوء على الهيمنة الأمريكية الشاملة على العراق منذ الغزو عام 2003، من الناحية العسكرية والسياسية والمالية والاقتصادية، وتأثيرها على السيادة الوطنية واستقرار الدولة والمجتمع العراقي.

الانتخابات العراقية في نوفمبر 2025

في شهر نوفمبر 2025، أُجريت الانتخابات النيابية في العراق، وهي سادس انتخابات برلمانية منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. تنافس فيها 7744 مرشحًا ضمن 31 تحالفًا انتخابيًا لانتخاب 329 نائبًا لمدة أربع سنوات.

شهدت الانتخابات تنافسًا بين عدة قوى عراقية بارزة، لكل منها رؤيتها في إدارة الدولة وتحديد أولويات الإصلاح. ورغم تباين الخطاب السياسي بين هذه القوى، إلا أن معظمها ركز على عناوين حياتية مشتركة مثل بناء مؤسسات فعالة، وتحسين الخدمات، ومحاربة الفساد.

غياب ملف السيادة العراقية في الحملات الانتخابية

ولكن من بين 31 تحالفًا و7744 مرشحًا، لم يذكر أي منهم في برنامجه الانتخابي مسألة سيادة العراق المنتهكة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. ولا يوجد أي تحالف انتخابي تناول هذه القضية، باستثناء عدد قليل جدًا من المرشحين — لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة — تحدثوا في خطابات متفرقة (وليس في برامجهم الانتخابية) عن السيادة العراقية المنتهكة من قبل الدولة التي غزت العراق وحاصرته وقتلت مئات الآلاف من أبنائه بعد عام 2003.

أدوات الهيمنة الأمريكية على العراق

بعد غزو الأراضي العراقية ثم الانسحاب عام 2011 قبل العودة تحت مسمى التحالف الدولي عام 2014، تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة على العراق عبر منظومة ضغط مرئية وغير مرئية تشمل:

التحكم المالي: التحكم بالتدفقات المالية عبر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، حيث تُحفظ احتياطات العراق بالدولار ومنصة التحويلات الخارجية.

النفوذ الأمني: النفوذ داخل المؤسسات الأمنية عبر برامج التدريب والدعم الفني والتقني.

التأثير السياسي: التأثير السياسي غير المباشر عبر العلاقات مع قوى فاعلة ودعم مسارات ما يُسمى إعادة هيكلة الدولة العراقية.

النفط والعقود: التأثير على مسار النفط والعقود وشروط الشركات الأمريكية.

الوجود العسكري المباشر: الوجود العسكري والتهديد الأمني والعسكري المباشر.

فعلى سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على شركات وشخصيات عراقية تتهمها بالتعاون مع إيران أو بتسهيل تجاوز العقوبات الأمريكية. كما دفعت واشنطن الحكومات العراقية إلى إبرام اتفاقات ضخمة مع شركات أمريكية في قطاعات الطاقة والنفط والتكنولوجيا والصحة، في محاولة منها لتطويق الاقتصاد العراقي وربطه بالمنظومة الأمريكية.

والأخطر من ذلك أن عائدات كل برميل نفط يبيعه العراق تذهب مباشرة إلى حساب في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بنيويورك، وبالتالي لدى واشنطن القدرة على التحكم في أموال النفط التي تُبقي العراق على قيد الحياة.


شاهد أيضا.. المرشحون لرئاسة الحكومة العراقية: قراءة في السيناريوهات المحتملة


الاجتماعات الأمنية قبل الانتخابات

في الأسبوع السابق للانتخابات، تحديدًا في 26 نوفمبر 2025، انعقد اجتماع تقني بين مسؤولين أمريكيين ومسؤولين عراقيين خُصص لمناقشة ملامح العلاقة الأمنية الثنائية ومستقبل وجود قوات التحالف في العراق.

هناك وجود عسكري أمريكي تعلن قوى سياسية عراقية معارضتها له، وقد صدر قانون عن مجلس النواب العراقي عام 2020 يوجب ترحيل القوات الأمريكية من بلاد الرافدين، ولكن هذا القانون لم يُنفذ.

القصف والتهديدات العسكرية الأمريكية

في يونيو 2025، كانت الأجواء العراقية مستباحة بالكامل من قبل الطائرات الإسرائيلية للاعتداء على إيران بدعم أمريكي مباشر. رغم ذلك، لم تتبنَ أي جهة عراقية مرشحة للانتخابات النيابية بندًا صريحًا بشأن وجود القوات الأمريكية في العراق. كذلك لم تتبنَ أي كتلة عراقية مرشحة أي بند للمطالبة بتحرير الأموال العراقية من سلطة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بنيويورك.

ببساطة، واشنطن رغم الانسحاب العسكري الجزئي، ما زالت تمتلك شبكة تأثير تمتد من المال إلى الأمن إلى العلاقات الدولية، تجعل القضايا المرتبطة بها حساسة أو من غير الممكن طرحها انتخابيًا. وقد تبدلت الأدوات من الأدوات العسكرية المباشرة إلى شكل من أشكال القوة الناعمة، ولكن مع وجود عصا عسكرية يمكن استخدامها عند الحاجة.

الخطوط الحمراء الأمريكية وأثرها على السياسة العراقية

هذا التحول خلق في العراق واقعًا يجعل أي قوة سياسية مدركة للخطوط الحمراء الأمريكية التي لا يمكن تجاوزها من دون تكلفة كبيرة. ولهذا السبب، ليس من الصعب فهم الأسباب وراء تجنب الكتل والمرشحين الحديث عن الوجود العسكري الأمريكي وعن الهيمنة المالية الأمريكية.

أبرز هذه الأسباب هو الخوف من العقوبات ومن الحصار المالي ومن تصنيف الفصائل إرهابية، ما يعني إمكانية تعرضها لاعتداءات عسكرية مباشرة. وهنا من الضروري ألا ننسى أنه من عام 2019 إلى عام 2024، أي في مرحلة ما بعد هزيمة تنظيم داعش في المرحلة التي كان الوجود الأمريكي فيها بالعراق حصريًا ورسمياً ضمن التحالف، تعرضت شخصيات وفصائل وقوى مسلحة رسمية عراقية لغارات أمريكية معلنة.

جاءت هذه الغارات إما بذريعة الرد على اقتحام السفارة الأمريكية ببغداد في نهاية عام 2019، أو لاغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الشهيد الجنرال قاسم سليماني ورئيس أركان الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في مطلع عام 2020، أو بذريعة الرد على عملية نفذتها فصائل عراقية ضد موقع للجيش الأمريكي في الأردن في مطلع عام 2024.

السيطرة المالية الأمريكية على العراق

أما تجاهل المال العراقي في نيويورك فهو لأنه من أخطر أدوات النفوذ الأمريكي، حيث إن 90% من عمليات العراق بالدولار تمر عبر نظام تراقبه الولايات المتحدة الأمريكية. وأي خطأ أو تدهور في العلاقة قد يؤدي إلى تعطيل التحويلات الخارجية وتقييد البنوك العراقية أو تجميد جزء من الاحتياطيات، مثلما حصل بإشارات محدودة في عامي 2022 و2023.

باختصار، للولايات المتحدة الأمريكية هيمنة شاملة على العراق عسكريًا وأمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا وماليًا. والأسباب التي تمنع القوى السياسية العراقية من إثارة هذه الهيمنة هي ذات الأسباب التي توجب على القوى السياسية العراقية فتح هذه الملفات.

العراق بين المخاطر والصمت الانتخابي

ليس من المنطق أن يكون بلدك خاضعًا لهذا المستوى العالي من المخاطر الخارجية، وأن تحول الولايات المتحدة الأمريكية سماء بلدك إلى ممر للطائرات الإسرائيلية للاعتداء على دولة جارة، وأنت تتجاهل هذا القدر من المخاطر بذريعة التهديد الأمريكي.

غياب المرشحين الراغبين في فتح هذه الملفات يُظهر مدى ضعف العراق اليوم أمام واشنطن ويكشف مدى هشاشة الاستقرار الأمني والمالي في العراق. وهذا الصمت ليس من باب الحكمة وأكيد ليس بمحض الإرادة، وإنما هو صمت مفروض بمعادلات القوة والهيمنة الأمريكية.

خلفية تاريخية للهيمنة الأمريكية

في مدينة جنيف السويسرية عام 1991، توجه وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر إلى وزير الخارجية العراقية طارق عزيز وبعد اثني عشر عامًا، كانت تهديدات بيكر قد تحققت. غزت الولايات المتحدة الأمريكية العراق بعد حصار شامل أدى إلى تجويع العراقيين وقتل مئات الآلاف منهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.

قد يعتبر البعض أن سبب الحصار الأمريكي للعراق هو غزو صدام حسين للكويت، ولكن هناك أسباب أخرى.




شاهد أيضا..'التحالف الدولي' ينهي وجوده في بغداد والانبار وينتقل لكردستان العراق


تحليل اقتصادي وتأريخي للغزو الأمريكي

أستاذ علم الاجتماع والمنظر الاقتصادي الإيطالي جيوفاني آريغي يعتبر أن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 واحتلال البلد لم يكن مجرد خطأ استراتيجي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بل نقطة انعطاف تاريخية في الدورة الطويلة للرأسمالية المالية الحديثة. هو يعتبر أن العراق كشف نهاية دورة هيمنة أمريكية بدأت عام 1945.

هذه المقدمة ضرورية قبل الدخول في تفاصيل الوضع العراقي لفهم أهمية هذا البلد وما يمثله في العالم ونظرة الرأسمالية المالية والإمبريالية له.

دورات الهيمنة الاقتصادية بحسب آريغي

يقسم آريغي تاريخ الرأسمالية المالية إلى أربع دورات هيمنة: جنوية، وهولندية، وبريطانية، وأمريكية. في كل دورة تتقدم القوة المهيمنة عبر: مرحلة توسع إنتاجي ، ومرحلة توسع مالي ، وأزمة

وحرب أو تدخل عسكري بهدف إنقاذ الهيمنة.

الانهيار

يعتبر آريغي أن الولايات المتحدة الأمريكية دخلت مرحلة الأزمة المالية والديون منذ سبعينيات القرن الماضي عندما فقدت موقعها الإنتاجي لصالح دول شرق آسيا، وبالتالي أصبحت بحاجة إلى الاعتماد على القوة العسكرية لحماية موقعها المالي. مثل العراق بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أرضًا خصبة لإعادة ترسيخ هيمنتها بالقوة المسلحة.

أهمية العراق الجيوسياسية والنفطية

لماذا العراق تحديدًا؟ لأنه وفقًا لآريغي مثل قلب الاحتياطي النفطي العالمي ونقطة ارتكاز النظام المالي القائم على الدولار. اعتبرت الولايات المتحدة العراق مهمًا من الناحية الجيوسياسية لضبط التوسع الصيني، وكونه أيضًا ورقة ضغط على أوروبا وروسيا في مجال الطاقة.

يقول آريغي إن الحروب التي تشنها الإمبراطوريات في لحظات ضعفها تُسرّع سقوطها، تمامًا كما كانت حرب البوير تمثل بداية نهاية الإمبراطورية البريطانية — أي الحرب التي وقعت في جنوب أفريقيا بنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

التفاصيل في الفيديو المرفق ...

0% ...

آخرالاخبار

الاحتلال يرتكب 7066 انتهاكا بحق فلسطينيي الضفة والقدس في نوفمبر


قتلى وجرحى باشتباكات مسلحة غرب طرابلس في ليبيا


قبائل جبل راس والعدين ومقبنة في الحديدة تُعلن النفير العام


العراق:جدل سياسي بعد إدراج حزب الله وأنصار الله على قائمة الإرهاب


تفكيك خلية ارهابية غرب العاصمة طهران


البحرية الأمريكية تؤكد انضمام مدمرة إلى قواتها في منطقة البحر الكاريبي


بقائي: العقوبات القسرية أحادية الجانب جرائم ضد الانسانية


بالفيديو ... موكب سيارات يرفع أعلام حزب الله يجوب شوارع في بغداد​


إيرواني: الإجراءات القسرية أحادية الجانب انتهاكٌ لحقوق الإنسان والحق في التنمية


الرئيس بزشكيان يغادر محافظة كهكيلويه وبوير أحمد عائدا إلى طهران