تكشف الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاء المركزي الإسرائيلي عن منحى متصاعد في أعداد من يغادرون الاراضي المحتلة، مقابل تراجع لافت في أعداد المهاجرين إليها.
إذ سجل عام الفين واربعة وعشرين أعلى موجة هجرة عكسية منذ عقود، بعدما غادر البلاد نحو ثلاثة وثمانين ألف إسرائيلي، مقابل عودة اربعة وعشرين ألف فقط، ليبلغ صافي الهجرة السلبية قرابة ستين ألف نسمة.
كما تراجعت الهجرة الوافدة إلى "إسرائيل" بنسبة اثنين واربعين بالمئة بين شهري يناير وأغسطس من العام الحالي.
في مقدمة أسباب الهجرة، تتصدر المخاوف الأمنية المشهد. فالتصعيد المتكرر على الجبهات، واتساع نطاق المواجهات مع فصائل المقاومة في غزة والضفة الغربية ولبنان، أعاد إنتاج شعور قديم لدى الإسرائيليين بأن البلاد لم تعد واحة أمان.
هذا العامل الأمني، الذي لطالما استخدمته الحكومات الإسرائيلية لادعاء التفوق والاستقرار، تحول اليوم إلى أحد أهم دوافع الخروج.
لكن العامل الأمني ليس وحده. فالتدهور الاقتصادي، وارتفاع كلفة المعيشة، وتراجع مستوى الخدمات، تضيف طبقة جديدة من الضغط.
شاهد أيضا.. الخط الأصفر في غزة: ترسيم جديد يبتلع نصف القطاع ويعمّق معاناة السكان!
تقارير اقتصادية إسرائيلية تشير إلى قفزات قياسية في أسعار الإسكان، وتراجع القدرة الشرائية، وتآكل الثقة بالسياسات المالية للحكومة، ما جعل شريحة واسعة خصوصا من فئة الشباب تبحث عن ملاذ بديل في أوروبا وأميركا الشمالية.
أما العامل الثالث، فهو الانقسام السياسي الداخلي. السياسات اليمينية المتطرفة، وأزمة النظام القضائي، دفعت آلاف الإسرائيليين إلى الاعتقاد بأن مستقبل الكيان يتجه نحو مزيد من التوتر وعدم اليقين.
ومع اتساع هذه العوامل مجتمعة، يجد كيان الاحتلال نفسه أمام أزمة مركبة: نزيف بشري، وتآكل ثقة داخلية، وتراجع جاذبية المشروع الصهيوني كوجهة للهجرة اليهودية.
أزمة لا تبدو عابرة، بل تعكس تحولا عميقا، وتفتح الباب أمام تحديات صعبة على كل المستويات سيكون من الصعب احتواؤها في المدى القريب.