الخريف الامريكي

الخريف الامريكي
الأربعاء ٠٥ أكتوبر ٢٠١١ - ١١:١٣ بتوقيت غرينتش

5/10/2011 معن بشور naceur.khechini@gmail.com

نستطيع ان نطلق على الاحتجاجات الاسبوعية المتعاظمة في شارع المصارف (وول ستريت) في نيويورك اسم "الخريف الامريكي" بكل ما للكلمة من معانٍ وتداعيات وايحاءات.

واختيار وصف "الخريف الامريكي" لا يعود لأن موعد اولى هذه المسيرات جاء متطابقاً مع الايام الاولى من فصل الخريف ، ولا فقط من كون الاستخدام المفرط لتعبير "الربيع العربي" من قبل الادارة الامريكية قد أثار فينا مخاوف وهواجس وحتى مواجع، بل ايضاً لأن من يواكب التطورات السياسية الاقتصادية والاجتماعية يلاحظ دون صعوبة، ان الامبراطورية الامريكية التي كانت تهيئ نفسها للسيطرة على العالم كلّه في القرن الواحد والعشرين قد أصيبت بعوارض الشيخوخة وهي لم تدخل بعد العقد الثاني من هذا القرن.

وأخطر ما تواجهه الامبراطورية المهتزة اليوم، ليست هذه الازمة الاقتصادية والمالية والسياسية التي تضرب في عمق الدولة الأكبر والأغنى في العالم فحسب، بل حال الانكار المرعبة التي تتخبط بها ادارتها في سياساتها، الداخلية والخارجية، الاقتصادية والاجتماعية، الاستراتيجية والعسكرية ، كما في ادائها التشريعي والتنفيذي، وهو الاداء الذي أعتبرته مؤسسة بروكينغر  للتصنيف الأئتماني السبب الرئيسي في اعاقة تخفيض الدين والعجز في الموازنة.

وأيّاً تكن الاتجاهات التي قد تندفع اليها الولايات المتحدة الامريكية في السنوات القادمة والتي قد تصل الى حد تفكك كيانها الموحد من فيدرالي الى كونفدرالي يضم تجمعات اربع او خمس – حسب توقعات الصديق والخبير في الشؤون الامريكية الدكتور زياد الحافظ – فإن ما هو أخطر من الانكار الامريكي ، ومعه الانكار الاوروبي، هو ذلك الاصرار من جهات عربية واقليمية على انكار هذا التراجع المتسارع في نفوذ واشنطن وقوتها والذي تتعدد مظاهره رغم "الهجمات المرتدة والمتعددة" التي يحاول البيت الابيض ان يشنها في غير منطقة، وفي غير مجال،  للايحاء بأن كل شيء ما زال تحت السيطرة.

حال الانكار الشاملة هذه، أمريكياً وأوروبيا، عربياً وإقليميا، تفسّر رهان البعض على تدخل أمريكي، او دور أوروبي، في هذه البلد أو ذاك، في هذه القضية أو تلك، بكل ما يقود إليه هذا الرهان من حسابات خاطئة، وممارسات خطرة وعنف دموي وعنف مضاد ثم ندم حيث لا ينفع الندم.

وإذا كان البعض يرى في الالتزام الأمريكي الفاضح بالمشروع الصهيوني، والذي شهدت منابر الأمم المتحدة آخر فصوله قبل أيام، تأكيداً على علاقة وثيقة بين الامبريالية والصهيونية ، إلا أن هذا الالتزام يكشف كذلك ضعفاً خطيراً في قوة واشنطن ونفوذها، ومثل هذا الضعف ينكشف عادة أمام "الحلفاء" قبل أن ينكشف أمام الخصوم..

فهل يقرأ المعنيون بشؤون المنطقة، من سياسيين ومثقفين وإعلاميين، في كتاب التحولات الدولية، خصوصاً في فصل التحولات الأمريكية والأوروبية، ويستنتجوا الدروس الصحيحة من هذه القراءة ؟ بل هل يجري المعنيون، حكاماً ومعارضين، المراجعات المطلوبة فيقلع المراهنون، دون تردّد، عن رهاناتهم الخاسرة والدامية، ويستجيب القادرون ، دون تلكؤ، لمطالب شعوبهم المشروعة.

 

*رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، الامين العام السابق للمؤتمر القومي العربي