خطة الولايات المتحدة لإشعال سوريا

 خطة الولايات المتحدة لإشعال سوريا
السبت ١٢ نوفمبر ٢٠١١ - ١١:١٥ بتوقيت غرينتش

12/11/2011 تقديم وترجمة: د. إبراهيم علوش alloush2011@gmail.com?

نقدم فيما يلي مشروع إسقاط النظام السوري وإشعال فتيل الدمار الداخلي في سوريا كما قدمه أليوت إبرامز في "مجلس العلاقات الخارجية"، أحد أهم مراكز الأبحاث الأمريكية المختصة بصنع السياسة الخارجية والمعروف بميوله الصهيونية والذي يصدر كل شهرين مجلة "الفورن أفيرز" Foreign Affairs المعروفة. 

 وأليوت إبرامز ليس فقط أحد أهم الباحثين المختصين بشؤون "الشرق الأوسط" في ذلك المركز، بل يعتبر أحد أبرز رموز المحافظين الجدد، وهو يهودي، وأحد أبرز أعمدة اللوبي الصهيوني في الإدارة الأمريكية.  وهو ليس مجرد باحث أو كاتب صحفي يعبر عن رأيه، بل سبق أن تسلم عدة مناصب رسمية رفيعة أسهم من خلالها بصنع السياسات الخارجية الأمريكية، وهو يتمتع بعلاقات متينة مع اللوبي الصهيوني وصناع القرار الخارجي الأمريكي حتى الآن، ويرشح أن يعود إذا عاد الجمهوريون للحكم في الولايات المتحدة عام 2012، وهو يمثل في جميع الأحوال وجهة النظر اللوبي الصهيوني إزاء الإستراتيجية الأمريكية الواجب إتباعها إزاء سوريا، وبالتالي فإن مشروعه أدناه لا بد أن يشكل أحد مدخلات السياسة الأمريكية إزاء سوريا في الأشهر القادمة. 

 وقد تسلم أليوت إبرامز ملف "الشرق الأدنى وشمال أفريقيا" في مجلس الأمن القومي الأمريكي بين نهاية عام 2002 وبداية عام 2005، حيث أشرف من خلال ذلك الموقع على ما يسمى "عملية السلام" و"المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية"، واشتهر أبان ذلك بصهيونيته المتطرفة.   وانتقل بعدها فوراً ليصبح نائب مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي لإستراتيجية الديموقراطية العالمية، أي لإثارة "الثورات" الديموقراطية، خلال فترة بوش الابن الثانية، حتى تسلم أوباما للسلطة رسمياً.  وقد أدار عدة مناصب تتعلق بالديموقراطية وحقوق الإنسان والمنظمات الدولية وأمريكا اللاتينية قبلها خلال فترة الثمانينات في ظل الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان.   وفي بداية فترة حكم بوش الابن اتهم إبرامز رسميا بتدبير الانقلاب على تشافيز في فنزويلا عام 2002، ونشرت وزارة الخارجية الأمريكية تحقيقاً رسمياً بالأمر برأته فيه طبعاً من التهمة الموجهة إليه.  وكانت قد وجهت له قبلها اتهامات رسمية تتعلق بفضيحة إيران-كونترا في الثمانينات، وحكم عليه بغرامة 50 دولاراً كاملة عداً ونقداً ومئة ساعة خدمة مجتمع، حتى عفا عنه الرئيس بوش الأب عام 1992.

 مشروع إسقاط النظام السوري:

 أهم ما في مشروع إبرامز أدناه لإسقاط النظام السوري هو أنه يكشف أننا لسنا إزاء ثورة شعبية ولا من يحزنون، بل إزاء مشروع أمريكي-صهيوني سافر لإسقاط القيادة السورية بسبب دعمها للمقاومات العربية، كما يقول هو في نهاية مشروعه، لا نحن.  ويأخذ ذلك المشروع شكل مؤامرة واضحة المعالم لكل من يقرأ السطور أدناه، فالحديث عن "مؤامرة ضد سوريا"، بالشكل العام المجرد، يجد تعبيراته الحسية الملموسة في اقتراحات إليوت إبرامز العسكرية والسياسية والاقتصادية المباشرة بصدد سوريا. 

 ونلاحظ بالتحديد أن إليوت إبرامز يبني كل نظرته للمجتمع السوري من الزاوية الطائفية السنية-العلوية، وهو يستخدم خطاب طائفي فج في مهاجمته للقيادة السورية نرفض مساجلته من حيث المبدأ.  والمظاهرات المليونية التي خرجت مع الإصلاح والحوار وضد التدخل الخارجي في سوريا لم تخرج من بين صفوف العلويين فحسب، ولا المواطنون السنة أقل حرصاً على سيادة سوريا واستقلالها وعلى حمايتها من شر الفتنة من غيرهم، فهذه كلها أكاذيب وفتنة، ونرفض مبدأ التفريق بين سني وعلوي أصلاً، والمواطنون السوريون أخوة وشركاء في حرصهم على وطنهم وبلادهم، يشاركهم في ذلك كل المواطنين العرب، لكن إستراتيجية إسقاط القيادة السورية التي يقترحها إبرامز تقوم على إثارة ذلك التناقض المفتعل واستثماره وتصعيده للحد الأقصى، مع السعي لدفع "المجلس الوطني السوري" ليظهر وكأنه يسمو فوق النقمة الطائفية، ونؤكد على تعبير "ليظهر" الذي يستخدمه إبرامز تكراراً، من خلال موافقة "المجلس الوطني السوري" على "حماية دولية للأقليات في سوريا" مثلاً.!  وتكسب الولايات المتحدة بهذا على الجهتين، جهة إسقاط النظام وجهة تقديم السياسة الأمريكية كحامي للأقليات، في نفس الوقت الذي تقدم فيه نفسها كمدافع عن حق الطائفة السنية بتسلم الحكم، ويعيد بلاد الشام إلى عصر الوصاية والامتيازات الأجنبية، كما أنه يستند لتعزيز الدور التركي في سوريا وفي إسقاط الحكم، كما يقول إبرامز نفسه. 

 وفي خضم مثل ذلك الخطاب الطائفي البغيض، لا يألو إبرامز جهداً في استخدام لغة دبلوماسية لتهديد الأقليات بالذبح والسحل إذا لم تقف مع مشروع إسقاط النظام، ويعدها بالحماية الدولية إذا وقفت مع ذلك المشروع.  وهذا الخطاب، فضلاً عن كونه بلطجة أمريكية، فإنه يستهدف لا مفهوم السيادة السورية فحسب، بل مفهوم المواطنة نفسه، على غرار المشروع الصهيوني في كل الإقليم، فهو يعني إعادة إنتاج سيناريو العراق في سوريا، مع انقلاب الأدوار المسرحية حسب الحاجة: زعم الدفاع عن الشيعة في العراق في وجه صدام، وزعم الدفاع عن السنة في سوريا في وجه الأسد. 

 ولا يتظاهر إبرامز أبداً بأن ما يجري في سوريا هو حراك سلمي، بل يبدأ فوراً بالحديث عن المعارك المسلحة بين "النظام العلوي" والتمرد المسلح المستند إلى "أغلبية سكانية سنية" حسب زعمه، بالتحديد، يتحدث إليوت إبرامز عن إسقاط النظام السوري عبر: 1) عزل النظام عن قواعده في الجيش والشعب، 2) تفجير حرب أهلية داخلية تتم تغذيتها عبر أطراف ودول ثالثة، بدون التدخل المباشر للولايات المتحدة، وصولاً لمناطق الحظر الجوي والملاجئ الآمنة، و3) وعبر تشديد العقوبات الاقتصادية من خلال تركيا والاتحاد الأوروبي .

 وكل هذا بتنا نرى آثاره في سوريا على الأرض اليوم.  وهكذا يبدو واضحاً طبيعة المشروع "الديموقراطي" الذي تدعو له الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا.

نقطة أخيرة، قد لا تكون هناك حاجة للتذكير بها لولا حالة التفكيك التي بتنا نعيشها، ولولا النفس الطائفي المقيت في ورقة إبرامز أدناه.  نحن قوميون عرب نؤمن أن العرب كلهم مواطنون متساوون بالحقوق والواجبات، ونرى أن الهجمة اليوم تنصب على إزالة آثار المشروع القومي العربي بكل فروعه وتجلياته، وبأن الخارجين عن العروبة هم المتعاونون مع الناتو وأعوانه بغض النظر عن طائفتهم.  ونرى أن ما يراد لسوريا هو حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وأن العاصم من ذلك الشؤم الكالح هو التمسك بمفهوم المواطنة السورية والحس القومي فوق أي اعتبارات طائفية أو عرقية.  ونرى أن نافثي الشر ودعاة الفتنة ليسوا من العروبة أو الإسلام في شيء، وأنهم ليسوا أصحاب مشروع ديموقراطي بأي شكل، بل أصحاب مشروع دمار وعودة للاستعمار.  سوريا قوية، وليست لقمة سائغة، ولا هي دولة تنقصها المياه أو الأراضي الزراعية أو الصناعات أو تشكو من ضيق المساحة، وجيشها وشعبها وقواها الأمنية ليست بلا أنياب فتاكة، ولسوريا رصيد كبير في الشارع العربي مهما حاولت "الجزيرة" و"العربية" والفضائيات الصفراء أن تحجمه، وقد بدأت تعود في الوطن العربيٌ كثير من الشخصيات والقوى إلى رشدها بعد انكشاف حقيقة مشروع "الإصلاح" الأمريكي، وحقيقة تورط التحالف الإخواني-الليبرالي فيه، وإليكم أدناه عينة واضحة منه لأولي الألباب.