"الجامعة العربية" ومؤامرة نحر المقاومة

الإثنين ١٤ نوفمبر ٢٠١١ - ٠٢:٣٨ بتوقيت غرينتش

في سابقة خطيرة لمسيرة العلاقات العربية البينية اتخذت "الجامعة العربية" موقفا تصعيديا تجاه سورية لايتناسب والحجم الشكلي المناط بهذه المؤسسة الرسمية التي يوجد مقرها في العاصمة المصرية القاهرة، إذ لايمكن وضعه ( الموقف) الا في خانة الانبطاح التام امام الاملاءات و الفرمانات الاستكبارية الصادرة من واشنطن وتل ابيب.

ويفاقم هذه الخطورة ان  تضطلع دويلة قبلية بدائية اسمها قطر معروفة بعمالتها المطلقة للاستراتيجية الاميركية سياسيا وعسكريا واعلاميا و بخدمة  مصالح واشنطن و تل ابيب  في منطقة الخليج الفارسي والشرق الاوسط ، بقيادة ما سمي بمبادرة الجامعة العربية لانهاء الازمة السورية، والتي تبين لاحقا ودون ادنى تأخير بانها لم تكن سوى "مؤامرة" يراد من ورائها توجيه ضربة قاضية الى دور دمشق الريادي في المنطقة وصولا الى تحطيم احدى اهم حلقات جبهة المقاومة والممانعة بوجه الغزو الغربي والمشروع الصهيوني في العالم الاسلامي.

   فاذا وضعنا هذا الهدف البغيض نصب اعيننا، يمكننا عندئذ وضع اليد على الهشاشة الماهوية ل"الجامعة" وقرارها المشين بتعليق عضوية دولة مناضلة مثل  سورية ، ومطالبة البلدان العربية بسحب سفرائها من دمشق، والاخطر من هذا وذاك تحريض القوات المسلحة في هذا البلد الآمن على التمرد والعصيان وحتى الانقلاب العسكري، وان جاء الخطاب تحت يافطة (دعوة الجيش السوري الى عدم اطلاق النار على المتظاهرين المعارضين) .

   اللافت ان القرار السيء الصيت ل"الجامعة" جاء بعد يوم واحد من خطاب العلامة السيد حسن نصر الله امين عام حزب الله في لبنان، بمناسبة (يوم الشهيد) بتاريخ 11/11/2011، والذي حذر فيه  (اميركا واوروبا وعملاءهما في المنطقة من (مغبة الامعان في ممارسة الضغوط والتحريض على سورية لجرها وايران الى القبول بما لم تقبلا به في الماضي) كاشفا النقاب عن تزايد المخاوف الغربية والصهيونية من تنامي محور المقاومة والممانعة في الشرق الاوسط وتعاظم دورهما نتيجة  انتصارالثورات الشعبية الاسلامية في العالم العربي، الامر الذي دفع الادارة الاميركية وحليفاتها الاوروبية الى تصعيد مواقفها الاستفزازية السياسية  و التلويح بالتهديدات العسكرية ضد طهران ودمشق ابتغاء ايقاف هذه المسيرة المباركة.

ومما يؤسف له وبمرارة ان تتقمص قطر دوراً استراتيجياً ولوجستياً يفوق حجمها الطبيعي آلاف المرات، معتمدة في ذلك على فتاوى (قرض الجسد الاسلامي) لعمنا " الشيخ يوسف"  ، ومعطيات النشاطات الاعلامية التفجيرية و المفخخة لقناتها التلفزيونية العتيدة في الدوحة ، والتي اوسعت الامة  (جزرا) و كرست صناعة الموت و الترويج  للجماعات التكفيرية وعملياتهم التخريبية و الارهابية  هنا وهناك منذ اكثر من عشرة اعوام ، الى جانب استقوائها المشين بالقواعد الجوية  و مراكز القيادات العسكرية الاميركية العليا الرابضة فوق اراضيها الصحراوية القاحلة في معسكر السيلية وقاعدة العديد الجوية وغيرهما.

   ويستغرب المراقبون كما ابناء المنطقة من تمادي حكام  قطر ومسؤوليها، في مواصلة تنفيذ هذه الوظيفة النيابية ، على الرغم من انها صارت تواجه في الوقت الحاضر كما هائلا  من  الكراهية و النفور والادانات الشديدة  من ابناء الامة الاسلامية  عموما ، ومن الشعوب الثائرة  في ليبيا وتونس ومصر خصوصا، مع انه يفترض بها ان تكون مدينة بالعرفان لمساهمات سلطات الدوحة  المزعومة في انجاح ثوراتها و دعمها ماليا وعسكريا واعلاميا؟!

   في هذا السياق يتساءل كثيرون  : أليس معيبا  ل "الجامعة " وحاضنتها  مصر العظيمة التي هي ( ام الدنيا )، ان تكون مطية تسوقها دولة مثل قطر، وهي ربما  لاتوازي في مساحتها حارة من حارات القاهرة المحروسة  ، فضلا عن انها لا تمتلك اية جذور حضارية او مدنية  أوحتى ديمقراطية  ، تؤهلها لزعامة الثورات العربية ناهيك عن ترؤس مبادرات حساسة  و خطيرة على شاكلة ايجاد مخرج للازمة الداخلية الراهنة في سورية.

   ربما كان من الافضل  للحكومة والمعارضة في الشقيقة سورية  ،عدم الاعتناء منذ البداية  بمبادرة  يقودها اشباه " ابي رغال " ،حتى لايضطر المسلمون والعرب الى سماع بيان نحر المقاومة ، يتلوه  حمد بن جاسم آل ثاني رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها ، على ما فيه من عنجهية  و إلحان  في طريقة قراءته  لنص كتب بلغة الضاد وتلي تحت قبة قصر المؤتمرات للجامعة العربية بالقاهرة ، تحقيقا لمآرب سيد ه الاميركي في البيت الابيض و زعمائه الصهاينة في اسرائيل و الولايات المتحدة و اوروبا  وكندا، وعلى مسمع من أميره الاكبر سعود الفيصل وزير خارجية السعودية ، الدولة التي تمثل قطب الرحى في كل هذا التكالب المسعور على دمشق . 

   بالتأكيد فإن السوريين  – معارضة و موالاة – مدعوون اليوم اكثر من اي وقت آخر الى طي صفحة الماضي ووقف النزيف الداخلي و وأد الفتنة العمياء االمشتعلة بتحريض خارجي بغية اغراق البلاد في أبحر من الدماء و المزيد من القلاقل و الفوضى و الانفلات .انهم مطالبون تماما  بنبذ الخلافات مهما عظمت ، و توسيع دائرة الحوار البناء  القائم على الاحترام المتبادل و الحرص الشديد على المصالح العليا للوطن ، وتفعيل المصالحة  و الوفاق و الانسجام  ، وحشد الجهود المخلصة من اجل صيانة الاستقلال و السيادة  و الكرامة  ، و بالتالي الدفاع عن دور دمشق المقاوم في مواجهة استهدافات المؤامرة  الاميركية - الاسرائيلية .

* حميد حلمي زادة ?