ثورات على انظمة ام على رؤساء؟

ثورات على انظمة ام على رؤساء؟
الإثنين ١٤ نوفمبر ٢٠١١ - ١٢:٢٩ بتوقيت غرينتش

الملاحظ والمتتبع لما سمي بـ ثورات الربيع العربي يرى ان كل هذه الثورات كانت قائمة على فكرة ضرورة تغيير النظام الحاكم ممثلا على وجه الخصوص في شخص رئيس الجمهورية، غير ان الذي حدث هو ازاحة الرؤساء فقط من على كراسيهم وبعض زبانيتهم ممن لم يسرعوا الى كسب ود الثورة والثوار، فهل تحققت اهداف الثورة فعلا، وهل كانت هذه الثورات على انظمة حاكمة ام على رؤساء فقط، وهل هو التحرير الناقص؟

بن علي هرب هل هي قرينة مطلقة على نجاح الثورة التونسية؟
لما قامت الثورة في تونس كان قبل ذلك كل العرب والعالم اجمع يؤمنون بأن الشعب التونسي اخر شعب عربي يمكن ان يثور على نظام بن علي، ولكن ذلك قد حدث، وحدث ما لم يكن متوقعا، فـ بن علي هرب ، وظن الكثير حينها ان تونس تشهد عهدا جديدا من الديمقراطية وانه تم تحقيق المبتغى، لكنهم اخطأوا، فرجال بن علي كانوا في الميدان خلال الثورة وحتى بعدها ينهبون ويسرقون ويغتصبون لكي تحيد الثورة عن طريقها وعن هدفها المنشود، فالتحدي مازال قائما بالنسبة للتونسيين، والانتخابات ماهي الا بداية المشوار الديمقراطي الحقيقي وخلافا لديمقراطية بن علي المزيفة وثقافة العري والسياحة الجنسية وفرض نزع الحجاب وكل ما له علاقة بالطابع الاسلامي لتونس، اما عن فوز النهضة فيخاف الكثير من ان يتكرر سيناريو الجزائر بداية التسعينيات من القرن الماضي، ان تم وقف المسار الانتخابي لقطع الطريق امام الجبهة الاسلامية للانقاذ ، غير انه في هذه الحالة الجيش هو من فعل ذلك اما في حالة تونس فالضغط لمنع اي توجه اسلامي سياسي لهذا البلد قد يكون خارجيا، فالمعسكر الغربي - الذي ساند التونسيين ولو باتخاذ المواقف فقط بعد تبين بوادر انهزام بن علي ـ لن يرضى بتنصيب حكومة ذات اغلبية اسلامية او توجه اسلامي قد تعادي مصالح الغرب ولاتعترف ولا تتعامل مع اسرائيل مستقبلا، فهل تندثر العلاقات التي كانت تربط تونس واسرائيل باندثار بن علي ولانقول نظام بن علي؟ الأكيد ان اسرائيل ولا الدول الغربية سترضى بوقوع هذا الامر، ولن يتركوا اشواط التطبيع مع تونس كل هذا الوقت تذهب سدى، اما عن الطريقة فالزمن هو وحده الكفيل بكشفها. اما عن رجال بن علي فالامر صعب، والصعوبة لا تكمن في مدى ولائهم لبن علي، لأن زمنه قد ولى وغاب وانتهى الى الابد ولكنها تكمن في طريقة تفكيرهم وهي الوقوف مع الواقف اي انهم سيندسون كالمنافقين مساندين الثورة شكلا وقلوبهم مع بن علي او مع خيراته، ايام كانوا يظلمون ويبطشون ويستولون دون وجه حق وبدون حساب على ثروات الشعب التونسي، وهؤلاء يمثلون الفئة الصعبة من اعداء التونسيين الاحرار، وقد رأيناهم في الصفوف الاولى في الثورة بعد ظهور بوادر انهزام بن علي مثلما كان المنافقون يتسابقون الى الصفوف الاولى في الصلاة زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما فعله الكثير ابان ثورات الربيع العربي.
هل غرق الفرعون نجاح حقيقي للثورة؟
اما في مصر، فالثورة على النظام تلخصت في شخص الرئيس وبعض المسؤولين مثلها مثل الثورة في تونس وليبيا، فها قد تنحى مبارك وحتى لو حكم عليه بالبراءة او السجن او الاعدام، وحتى لو اعدم الف مرة، فهل قامت الثورة على الفرعون فقط؟ الأكيد لا...لكن الواقع يقول نعم.
ما ان تبين الخيط الابيض من الاسود، وبدات تظهر ملامح غرق الفرعون حتى انقلبت الآية راسا على عقب، واكتظ ميدان التحرير، وتحول المدح السابق الى هجاء حاضر، ونزل السواد الاعظم ممن كانوا يتنعمون من فضل الفرعون (اموال الشعب المصري) الى ميدان التحرير، ليساندوا مخافة ان يعادوا من طرف الشباب الثائر.
اما رجال مبارك، فتم الاكتفاء ببعض المسؤولين السابقين في الدولة وتم تقديمهم الى المحاكمة ـ والتي قد نسميها مؤامرة- دون المسؤولين الاخرين ومنهم مدير المخابرات المصرية ونائب الرئيس السابق اللواء عمر سليمان، والمشير حسين طنطاويô الى غير من ذلك من المسؤولين الأمنيين على وجه الخصوص. فهل جلب التحرير الناقص الديمقراطية الناقصة؟
كما ان الامر الغريب في معظم الدول العربية هو ان الحكم يمارس فعليا من طرف جهاز المخابرات، وكل يوم نرى ونسمع ونقرا عن هذا الامر وحتى الشعوب العربية لاتمل الحديث عن هذا الموضوع، وبالتالي لماذا تم تجنب ـ باتم معنى الكلمة ـ اللواء عمر سليمان؟ لماذا تتم محاكمة المسؤولين المدنيين او الاداريين فقط في معظم دول الثورات؟ ام انه الخوف من العسكر؟ ولماذا يسرع الثوار في بداية الثورات الى معانقة الجنود ورفعهم على اكتافهم؟ وهذا هو بيت القصيد في كل الثورات العربية، فعندما تسأل اي مواطن عربي عن سبب تخلف الدول العربية يجيبك ان نظام الحكم عسكري، وعندما تقوم الثورة وتنتهي تتم محاسبة المسؤولين المدنيين، فهل هذا عدل؟ اما عن الوجوه الاخرى، والتي كانت في صلب نظام الفرعون، فقد استبدلت القناع واصبحت تترشح دون خجل او استحياء حتى الى منصب الفرعون الاكبر.
اما ااشيء الغريب والمدهش هو قبول او تقبل الشارع المصري لبعض الوجوه المنافقة سياسية كانت ام فنية او رياضية...الخ، والتي كانت تتهافت في يوم من الايام لالتقاط الصور مع حسني مبارك وسرعان ماانقلبت عليه لتسارع الى التقاط الصور في ميدان التحرير مع الشباب الثائر، فهل هذا معناه ان مصر ستنهار بدون هذه الوجوه المنافقة؟ بالطبع لا، فمصر اكبر من هذا بكثير وكثير.
هل كان القذافي ابليسا وحيدا دون جن؟
اما عن الثورة الليبية فالامر نفسه تقريبا وهذا من حيث المبدأ لا الوسائل، فالثورة اكتفت بشخص القذافي وبعض المسؤولين، اما عن القادة السابقين الذين سارعواالى الكفر بالقذافي فقد تم الصفح عنهم ـ رغم كل ما فعلوه ـ ومن طرف من ليسوا اهلا للصفح. فلماذا لاتتم محاكمة هؤلاء المسؤولين بطريقة عادلة باعتبار ان من اهداف اي ثورة احقاق الحق وابطال الباطل؟ وان كانوا نزهاء فعلا فعلام يخافون؟ وهل كان القذافي ابليسا وحيدا يعمل دون مساعدة جنه؟ ولماذا تحول هؤلاء الجن في لمح البصر الى ملائكة الآن؟ وهم الآن يتحدثون ويروون تجاربهم على مختلف الفضائيات عندما كانوا في نظام ابليس الوحيد ، ام انهم طبقوا المثل الاحنبي القائل: عندما يكون القط بعيدا، الفئران تخرج للعب فقد سكتوا لنصف قرن ايام كان القذافي حيا ام الآن وبعد مقتله فقد جادت قريحتهم بكل ما هو معاد للعقيد، والسؤال هنا هو للحكام العرب:اهؤلاء هم من كنتم تثقون بهم؟
عندما تقطع الراس يموت الجسم:نظرية خاطئة.
هذا ما حدث ثوراتنا العربية بعدما تم التخلص من الحكام وبطرق مختلفة ولم يتم التخلص فعلا من الانظمة الحاكمة، وهذا هو حجر الزاوية، اين تتم ازاحة الحاكم وحده دون نظامه وهذا امر غير كاف في بعض البلدان العربية وغير لازم في بلدان اخرى، حيث ان هروب بن علي لا يضمن التغيير الحقيقي وتنحي مبارك لا يعني الانتصار الفعلي وقتل القذافي لا يمثل الفوز الملموس، وبالتالي فالأنظمة هي المعنية بالتغيير، وقد نجد احيانا ان الحاكم ليس وحده المسؤول عما يحدث لشعبه وخير مثال عربي في هذه النقطة هو الجزائر، فالرئيس بوتفليقة غير مسؤول بدرجة اولى عما يعاني منه الكثير الجزائريين من رشوة ومحسوبية وفقر مدقع وطبقية متوحشة...الخ، والنظام باكمله مسؤول عن تفشي هذه الافات، فالبرلمان والمجالس الشعبية البلدية والولائية منتخبة من طرف الشعب وهو الذي يتحمل مسؤولية اختياره، اما عن الجيش فالشعب راض عن مضض وبالتالي الرئيس بوتفليقة رغم صلاحياته الواسعة لايستطيع احداث تغيير حقيقي دون الشعب، وهو ـ والحق يقال- لم يحدث ضررا بالشعب الجزائري مثلما فعل بعض الحكام الدكتاتوريين العرب، وهو لم يرسل جيشه ليقتل ابناء الشعب ويغتصب نساءهم، وهذا رغم انتهاجه لبعض السياسات الانفتاحية الانبطاحية التي لاتلائم طبيعة وتركيبة الشعب الجزائري. وفي الاخير، هل يتم قبول او تقبل رجال واعمدة الانظمة البائدة بعد هذه الثورات من باب التوبة الجزئية والاكتفاء بالاطاحة بالرؤساء فقط وبعض الوجوه البارزة؟ وهل سيتم القضاء على هذه الانظمة تدريجيا للحفاظ على مصالح الشعوب؟