تقرير البسيوني .. اعتراف واعتذار أم استقواء واصرار؟

تقرير البسيوني .. اعتراف واعتذار أم استقواء واصرار؟
الأربعاء ٣٠ نوفمبر ٢٠١١ - ٠٥:٥٢ بتوقيت غرينتش

يزداد الغضب الشعبي الساخط والعارم قوة وعزما وارادة في استعادة حقوقه المغتصبة في الديمقراطية والحرية والعيش السليم والعدالة الاجتماعية ، ورفضاً للطغمة القمعية والدموية والاجرامية الحاكمة في البحرين يوما بعد آخر ليؤكد للجميع من أن السيناريوهات الهزيلة لآل خليفة لم ولن تنطلي عليه ابدا.

 وفيما القمع والتنكيل يدخل شهره العاشر ومخاض الحرية آت لا محالة والنظام يقتدي بمن لا يفقهون النظام والحرية انشودة الثائرين على طرفي الجسر الرابط بين البحرين والسعودية ، وفيما لم يجد نظام آل خليفة امتداح اميركا او غيرها من الدول الغربية ولا العربية العميلة مثله كالسعودية بل زاد  ذلك الامور سوءاً وتدهوراً سارع النظام القمعي الخليفي الى خطو خطوة تضليلية اخرى كما فعل في الماضي من عهد ملكي وميثاق منامة موقع ووعود يقطعها الملك على نفسه امام اعيان البلاد في تحقيق الاصلاحات والالتزام ببنود الدستور وغيرها ، ولكن هذه المرة بنشر تقرير لجنة تقصي الحقائق اراد  من ورائه تلطيف صورته اقليميا ودوليا وليس داخليا لان الشعب البحريني الأبي ليس معنيا بما جاء فيه ويعرف كل المعرفة خواء محتوياته والاعيب محرريه ونوايا من يقف من ورائه.

تقرير ساوى بين القاتل والمقتول وبين المجرم والضحية وبين الذئب والحمل وبين الظالم والمظلوم ليخرج النظام الفاسد والفرعوني الماكر من ورطة العدالة والسقوط ويبريء ساحته من ارتكاب العنف والتجاوزات الممنهجة التي اصر طيلة أكثر من تسعة أشهر على العمل بها مما ادى الى سقوط أكثر من 46 شهيداً وآلاف المصابين والمعتقلين من شباب وكبار ورجال وحرائر وهدم 35 مسجداً والصاق التهم بصغار الضباط والمسؤولين والجنود وغالبيتهم من المرتزقة الاجانب وهو تزييف كبير لواقع لمسه كل بحريني وشهد عليه الاعلام العالمي والمنظمات الدولية والحقوقية مما دفعها الى اعلاء اصواته اعتراضاً لما يدور من انتهاكات صارخة في البحرين .

   ولكن منذ اللحظة الأولى من صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق (البسيوني) في البحرين وكلمة الملك حمد التي واكبته والشارع البحريني يزداد التهابا ورفضا ويوسع دائرة احتجاجاته ضد الاثنين معا وللخديعة الكبرى التي اراد من ورائها هذا النظام الدموي ان يحسن صورته امام الرأي العام العالمي بعد ان ازدادت الضغوط الدولية عليه وعلى من يدعمه من آل سعود الوهابيين المحتلين باسم "قوات درع الجزيرة" وفور بدء الانتفاضة المباركة لابناء البحرين الأباة بذريعة وجود تدخل أجنبي (من جانب ايران) في الربيع البحريني وهو ما نفاه تقرير لجنة البسيوني جملة وتفصيلاً ليدل كل الدلالة على ان تحرك الشارع البحريني هو مطلب وطني بحت .

   فهذا التقرير الهزيل الذي اخذ من الشارع البحريني والرأي العام العالمي حوالي خمسة اشهر لاعداده (من 29/6 وحتى 23/11/90)  خاصة وان كل من له ادنى خلفية على كتابة التقارير الحقوقية والسياسية وحتى الادارية يعرف جيداً من ان كتابة مثل هذا التقرير لايحتاج الى أكثر من اسبوع أو اسبوعين على اكثر تقدير وبحجم كبير من الصفحات جمعت غالبية معلوماتها من المواد المتوفرة على صفحات الشبكة العنكبوتية (الانترنت) وانه ليس بتقرير يمكن ان يحسب له حتى حساب واحد ومعلوماته ليست بجديدة أو جدية كونها تفتقد للتدقيق والمحاسبة وهو بالاحرى يجب ان نقول انه نسخة معدلة من روايات وتقارير وزارة داخلية النظام الخليفي التي ألفها الرأي العام العالمي والبحريني من قبل .

   كما ان صدور التقرير لم يمنع السلطات الاجرامية البحرينية من مواصلة اجراءاتها القمعية والتعسفية ضد ابناء الشعب البحريني وتظاهراته السلمية للمطالبة باصلاحات دستورية والافراج عن جميع المعتقلين والمعتقلات وعودة المفصولين الى دراستهم واعمالهم ، حيث اطلقت العنان أكثر من ذي قبل لآلته العسكرية القمعية ضد المواطنين الابرياء والعزل ومهاجمة التظاهرات المسالمة وحتى ان مراسم تشييع الشهداء لم تنج هي الاخرى من الحقد الطائفي البغيض لال خليفة على ابناء البحرين الاباة.

   وقد تفننت سلطات آل خليفة الفرعونية دون غيرها من السلطات الفرعوينة الطاغية وتقدمت عليها بخطوات جديدة في قمع وقتل واستباحة دم الشعب المظلوم والاعزل وابتدعت اسلوباً جديداً في هستيرية القمع والقبضة الحديدة بدهس المتظاهرين والمارة في الشوارع عمداً بسياراتها الأمنية وتهشيم اجسادهم وتكسير عظامهم وتشويه صورهم حتى لا يعرف احد لتزيد من التخويف والترعيب ضد المخالفين لسياستها الدكتاتورية الدموية الطائفية وتحد من تصاعد المعارضة التي اضحت متفشية في جميع ربوع البحرين ومختلف اقوامها واطيافها الدينية دون استثناء .

   وهذا ما يدل ان ما جاء في تقرير البسيوني ظلامة وخطير جداً على ابناء الشعب البحريني رغم كشفه همجية ووحشية سلوك النظام الطائفي بازلامه ومرتزقته ضد شعب اعزل مسالم لكنه سعى الى ابعاد الملك حمد وافراد اسرته من الاتهامات الموجهة اليهم في القمع القسري والاجرامي لشعب اعزل على خلفية طائفية  ووازن بين اصحاب الحق  وانصار الباطل وبين السلطة الجائرة والشعب المظلوم وهو ما يهدد السلم الاهلي وعودة الاستقرار الى البلاد ، ومنح الذريعة للنظام في مواصلة اجرامه وتنكيله بالشعب الاعزل والمظلوم.

   لقد قام التقريرعلى أسس طائفية بدلاً من أن يقوم على أرضية حقوقية وسياسية حقيقية ، شدد من خلاله ادعاءات النظام المخادع في طائفية الحراك الشعبي وتعميق الخلاف القائم بين السلطة والشعب  وتشديد الجو الذي غابت فيه لغة الحوار وساد اجواءه القمع والقتل للمطالبين بالاصلاحات في الشوارع وفي منازلهم وداخل المعتقلات ، وتجاهل عمليات بلطجة مرتزقة النظام من المتجنسين والمستوردين من السعودية وباكستان والهند والبعث العراقي فيما انكر عمليات الفصل الجماعي على أسس طائفية والتعذيب الجنوني الممنهج للمعتقلين على الهوية ليكون هو الآخر حصار جديد يحاصر به النظام الثورة الشعبية العارمة .

   واعاد تقرير لجنة تقصي الحقائق في البحرين ما صدر من تقارير مشابهة لاحداث مأساوية اخرى شهدها القرن الجديد وتشابه في اعداده ونسخته مع ما جاء في تقارير المنظمات الدولية  التي تتشدق بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان لما جرى ويجري من انتهاكات صارخة لابسط هذه الحقوق من قبل القوات الاميركية المحتلة في العراق وافغانستان من بغرام وحتى غوانتانامو مروراً بابو غريب ومطار بغداد وما خلص اليه تقرير لجنة تقصي الحقائق للامم المتحدة عام 2009 بخصوص الحرب على غزة وعرف بتقرير "ريتشارد غولدستون" القاضي السابق بالمحكمة الدستورية لجنوب افريقيا والمدعي السابق للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين ليوغسلافيا السابقة ورواندا حيث ساوى بين انتهاكات المحتل الصهيوني الاجرامية الخطيرة وبين المقاومة الفلسطينية المشروعة في تصديها لهذه العنجهة الدموية .

   والآن وبعد ان اكد التقرير على الانتهاكات الصارخة لنظامك الطائفي القمعي الهستيري وشدد على وطنية الثورة البحرينية وعدم وجود تدخل اجنبي فيها لا من ايران ولا من غيرها من الدول الاخرى ما اثبت صحة معلومات وادعاءات المعارضة والمنظمات الحقوقية الدولية وبات من الضروري ان تنسحب قوات ما تسمى ب"درع الجزيرة" السعودية الوهابية المحتلة الخروج فوراً من البحرين وضرورة وقف القمع الممنهج والمتواصل على خلفية طائفية ومنح الشعب البحريني الاعزل والمسالم لحقوقه المسلوبة والمغتصبة طبقا لدستور البلاد ، ماذا يا "جلالة" الملك "حمد" هل يمكن اعتبار التقرير اعتراف واعتذار وسعي نحو اصلاح ما افسدتموه بصدق وصفاء نية وعزم وطني راسخ أم استقواء واصرار على مواصلة دوامة العنف والقمع والتنكيل بابناء الشعب المسالم ؟ .

   وهل يا ترى ان الامر بتشكيل لجنة وطنية مكلفة بدراسة ومتابعة سبل تطبيق توصيات لجنة تقصي الحقائق أمر واقعي يراد منه معاقبة المجرمين الحقيقين من هم؟ ومن يكونوا ؟ ، أم هو اتلاف ومضيعة للوقت على نفس الشاكلة بغية ابقاء المجرمين ومن يرفضهم الشعب على مسند السلطة ؟ وهل ستشهد الايام المقبلة مرحلة جديدة تكتب بدماء البحرينيين وشهيد جديد يزف كل يوم من ابناء البحرين برصاص الشوزن أم بغازات القتل الممنهج المباعة اميركيا والمستخدمة وطنيا بدعم الاشقاء او بالدهس الوحشي بسيارات يابانية تقودها مرتزقة هندية او باكستانية تحت يافطة قوات الامن الخليفية ؟ فرغم ان غالبية المراقبين والرأي العام العالمي وقاطبة الشعب البحريني يعرف انها لعبة كاذبة جديدة ، سنمنحكم هذه الفرصة عسى ان تفيقوا من سباتكم يا طغاة ويعود الأمن والاستقرار لربوع البحرين وأهلها الكرام.

بقلم – جميل ظاهري