يستبيحون بلادنا ونمهد لهم الطريق !!

يستبيحون بلادنا ونمهد لهم الطريق !!
الثلاثاء ١٣ ديسمبر ٢٠١١ - ١٠:٤٩ بتوقيت غرينتش

11/12/2011 بقلم: زياد ابوشاويش Zead51@hotmail.com?

القلق الذي يسيطر منذ مدة على أغلبية الشارع العربي جراء تداعيات الأحداث الجارية في أكثر من بلد عربي له ما يبرره، بل إن وقائع الأيام الأخيرة وما نسمعه من أخبار تأزم الموقف في تلك البلدان يعصف بالمرء ويدفعه للصراخ والسؤال عن قيمة العقل في ظل حالة الفوضى والتفكك التي نشهدها تتوالى فصولاً هنا وهناك دون أن نعثر على بصيص أمل في تجنيب وطننا العربي كارثة محققة إن استمر الحال على ما هو عليه اليوم، وسواء كنا متفائلين أو متشائمين فإن كرة التدمير الحديدية المتدحرجة تجتاح كثير من المدن والبلدات العربية، ولا سبيل لوقفها سوى بمصدات كبيرة وقوية نفتقدها حتى هذه اللحظة.

التصريحات التي نسمعها بين الفينة والأخرى من شخصيات عربية وبعضها يحمل فتاوي ما أنزل الله بها من سلطان، وأخرى من مسؤولين أجانب توحي بأننا قوم مستباحون أرضاً وبشراً كتلك التي صدرت عن مسؤولين بريطانيين وأمريكيين حول ضرورة انسحاب القوات السورية من حمص وتحميلها مسؤولية أي قتيل يقع في المدينة وكأن حمص هذه ليست مدينة سورية أو أن سكانها ليسوا سوريين. وفي المقلب الآخر سمعنا الشيخ القرضاوي يخطب في بنغازي وفي ظلال الناتو وتحت حمايته فيهدد ويتوعد ويفتي بجواز الاستعانة بالقوات الأجنبية لحماية المدنيين في أي بلد عربي (باستثناء أولياء نعمته في الخليج(الفارسي)) وإسقاط الأنظمة الديكتاتورية على حد زعمه مع تحريض لا ينسجم مع روح العروبة والإسلام مارسه الرجل بعيد فتواه الباطلة ضد سورية وقيادتها داعياً السوريين لقتال جيشهم ومستلهماً التجربة الليبية الدامية التي تسببت فتاواه في إغراقها بالدم حيث نشاهد كل يوم الاشتباكات بين المجموعات المسلحة في طرابلس وغيرها من المدن الليبية.

إن دول حلف الناتو (الحليفة للعدو الإسرائيلي) معنية بشكل مباشر وبدون مواربة أو توضيح بأن تسعى لضرب سورية وتفكيكها خدمة لهذا الحليف ولطمأنة دول النفط العربية وقبائلها الحاكمة بأن الربيع العربي لن يصل ربوعها طالما بقيت في خدمة الحلف الاستعماري وتطبق أجندته في المنطقة، وقد بات معروفاً أن صمود سورية وتجاوزها لمحنتها الراهنة سيفتح الطريق لسقوط هذه العروش الكرتونية وعائلاتها الحاكمة، ولن تتمكن أمريكا والغرب كله من حمايتها أو عرقلة انهيارها.

القتال المستمر في سورية واستمرار الحل الأمني بما ينتجه من مفاعيل سلبية، وما يقدمه للأعداء كمادة إعلامية سهلة ورخيصة يشير إلى خلل كبير في عقلية من يدير هذا الحل سواء كان ذلك في سورية أو في اليمن أو مصر أو غيرها من الدول. ولأننا معنيون بسورية ونعتبر الأزمة فيها ذات أضلاع وزوايا متعددة ولا يمكن معالجتها ببيان هنا أو تنديد هناك، فإنه بات ملحاً الطلب من القرضاوي وغيره من العربان الكف عن التدخل في الشأن السوري إلا بالكلمة الطيبة وبالدعوة لوقف القتال والمصالحة والتفاهم على طريق الانتقال السلمي للمرحلة المتقدمة من الديمقراطية وحقوق الإنسان بأقل الخسائر، وفي المقابل نهيب بالحكومة السورية أن تستمع جيداً إلى ما قاله الرئيس الأسد في حديثه الأخير مع الصحفية الأمريكية حول الأخطاء التي يقع فيها المسؤولون السوريون في معالجة الحراك الشعبي ومطالبه العادلة، كما عليهم أن يدققوا فيما قاله حول أنه لا يعطي الأوامر للقوات السورية بإطلاق النار على المتظاهرين وهذا يعني أن ما ذكره حول الأخطاء في المعالجة باتت النهج العام للسلطة والحكومة والمؤسسات الأمنية وهذا يتطلب إعادة النظر في كل المعالجة القائمة حالياً آخذين بعين الاعتبار مجمل التصريحات والوقائع التي تجري بما فيها تحضيرات الهجوم على القطر العربي السوري تحت ذرائع مختلفة يجب أن لا يكون قتل المتظاهرين واحداً منها من الآن فصاعداً. ولا نريد هنا المزايدة على أحد لكننا حذرنا منذ بداية الأزمة أن طريقة إدارتها ومعالجتها من قبل الحكومة والقيادة السورية خاطئة ويجب تغييرها وإلا وضعت سورية في موقف حرج وخطير، والمؤسف أن ما توقعناه وغيرنا حدث وبتنا أمام واقع معقد وملتبس كان الخروج منه في حينها أسهل بكثير.

إن مواجهة الفتاوي والأباطيل الغربية ومثيلاتها العربية لا يمكن أن تكون باعتماد حل أثبتت الأيام أنه عقيم ولا ينتج سوى المزيد من الخسائر لسورية على كافة الأصعدة.

إن الحل الأمني يمكن أن يكون مناسباً لمواجهة المجموعات المسلحة، وربما يكون الأمر اضطرارياً، لكن الأفضل هو تجفيف الغطاء والدعم الشعبي لهؤلاء عبر تعريتهم، والتوقف عن مواجهة التظاهرات السلمية بالقوة، كما التوقف عن الاعتقالات التي لا يمكن أن تبقى سرية وفي طي الكتمان، ناهيك عن تغيير المعاملة غير الإنسانية التي يلقاها المعتقلون الذين لا يصمتون وتصل شكاواهم إلى الجمهور خارج المعتقلات.

سورية تستحق منا جميعاً الوقوف بجانبها لمواجهة المؤامرات الخارجية والداخلية التي تستهدف تركيعها ومن ثم ضمها إلى سرب المسبحين بحمد أمريكا وإنسانية الكيان الصهيوني، غير أن ذلك لا يمكن أن يلغي الشق الأهم في المواجهة مع هذه المؤامرات والتحريض ألا وهو حرية الشعب السوري وحقه في اختيار ما يشاء لنظام حكمه الذي يتم التعبير عنه سلمياً فيما نراه هنا وهناك في البلد دون اعتبار كبير للشعارات المتطرفة التي لم يعد بالإمكان لجمها في ظل الدماء التي تسفك سواء من الجيش ورجال الشرطة والأمن أو من المتظاهرين، وحتى هؤلاء المسلحين المغرر بهم لابد من مخاطبتهم بالحكمة وباستخراج ما يبطنون من وطنية وحب لبلدهم قبل أن نطلق النار عليهم ونقتلهم.

الصورة قاتمة والحكم الرشيد هو الذي يسعى لتغييرها نحو الأفضل وفي سورية أو غيرها هو المعني قبل غيره بتقديم الحلول قبل أن يقترحها المغرضون أو يفتي بها موظفون متخصصون في التدليس والضحك على عقول الناس عبر استخدام الدين أو تزوير الوقائع والحقائق.