قطر ، قلب الاستراتيجية الاميركية

قطر ، قلب الاستراتيجية الاميركية
الإثنين ١٩ ديسمبر ٢٠١١ - ٠٢:٤٩ بتوقيت غرينتش

عدم تناسب الدور الذي تضطلع به دولة قطر على مستوى الاقليم والعالم مع امكانيات هذه الدولة الصغيرة جغرافيا وانسانيا وحضاريا ، اثار العديد من التساؤلات حول حقيقة هذا الدور والجهات المحركة له والمؤثرة فيه.

الكثير من المراقبين يرون في تحركات قطر لاسيما قبل وخلال وبعد الثورات العربية التي قلبت الطاولة الاميركية وماعليها من مخططات ، امرا يثير الكثير من الريبة والشك ، فهو يدور في مجمله في نطاق الاستراتيجية الاميركية الرامية للالتفاف حول الثورات العربية والعمل على  حرفها ودفعها الى طريق مسدود بعد ان عجزت عن وأدها منذ البداية.

لماذا اختارت الاستراتيجية الاميركية قطر؟

يرى المراقبون ان وقوع الاختيار على قطر في تبنى الاستراتيجية الاميركية الغربية في منطقة الشرق الاوسط يعود الى عدة اسباب بينها :

1-عجز القيادة السعودية في تنفيذ الاستراتيجية الاميركية بهذه العلانية والوضوح القطري لاسباب عده منها ، تاريخ العلاقة التي تربط الكيان السعودي بالولايات المتحدة وموقف الرياض والوهابية السلبي والواضح والصريح من الثورات العربية والموقف المشكك للمواطن العربي من اي دور تضطلع به الرياض ، لارتباط هذا الدور بالاجندة الاميركية المعادية لتطلعات الشعوب العربية.

2-عدم وجود خلفية سلبية لقطر في ذهنية المواطن العربي كما هو الحال مع السعودية.

3-الطموح الجامح لقادة قطر بعد انقلاب الامير الحالي على والده  ، للعب دور اقليمي ودولي فاعل لاسباب شخصية ودولية وللخروج من دائرة الهيمنة السعودية.

4- عدم وجود علاقات رسمية بين قطر واسرائيل . صحيح ان الدوحة لاتعترف باسرائيل رسميا الا أنها تعترف بها ممارسة من خلال وجود مكتب المصالح الاسرائيلية في الدوحة وان العلاقة التي تربط الجانبين اكبر واوسع بكثير من اي سفارة ، بشهادة الاسرائيليين انفسهم.

 قطر والنموذج الاسرائيلي

 يرى الكثير من المراقبين ان هذا الدور الخطير الذي تضلع به قطر في تسويق الاستراتيجية الاميركية والعمل كقفاز يخفي القبضة الاميركية الضاربة ، كان سيصطدم بالامكانيات المحدودة لقطر، لولا الخطة الجهنمية التي طبقتها القيادة القطرية بدعم اميركي صهيوني واضح والمتمثل في اعادة تطبيق النموذج الاسرائيلي في هذه الدولة الخليجية الصغيرة.

المعروف ان اسرائيل ورغم احتلالها لاجزاء من الارض الفلسطينية الا انها نجحت في تتحول الى قوة  لايستهان بها رغم صغر مساحتها ، من خلال ثلاثة عناصر وهي قوة المال وقوة الاعلام والاعتماد الكلي على القوة العسكرية الاميركية.

قطر الصغيرة تحولت الى مخلب يمكن ان يجرح من خلال اعادة  تطبيق النموذج الاسرائيلي ، حيث وضعت عائدات الغاز والاستثمارات الاميركية الضخمة في هذا البلد الصغير امكانيات مالية ضخمة بين يد قادة هذا البلد.

اما النفوذ الاعلامي فبدأ منذ عام 1996 عندما انتقل جل طاقم اذاعة البي بي العربي الى قطر بعد المنحة التي قدمها امير قطر والتي بلغت حينها 150 مليون دولار لتأسيس قناة الجزيرة التي نجحت في خلال سياسة ذكية في كسب ثقة المشاهد العربي الذي كان حينها يعيش جحيم الاعلام الحكومي العربي الموجه.

موقف واشنطن وتل ابيب المناهض في الظاهر للجزيرة واستهداف مكاتبها في اكثر من مكان واستشهاد عدد من كودرها ، وتغطيتها الاعلامية لحرب افغانستان وكشفها عورات الحكام العرب ، كلها مجتمعة زادت من مصداقية هذا الوسيلة الاعلامية التي كانت تعد اعدادا لمثل هذا اليوم ، وهو ماحدث فعلا ، فقد تحولت الجزيرة الى ند للسي ان ان والبي بي سي بل واكثر تاثيرا. حيث كشفت وثائق وكيليكس ان حكومة قطر جعلت من الجزيرة وسيلة ضغط وسلاح يتم توجيهه وفقا لاجندات سياسية.

اما الدعم العسكري الاميركي فتمثل باكبر قاعدة عسكرية اميركية في المنطقة وهي قاعدة السيلية  التي تحتضنها قطر بالاضافة الى مطار العيديد والذي لايبعد سوى كيلومترات عن قصر امير البلاد.

 حقائق عن الدور القطري

 انخراط قطر في الاستراتيجية الاميركية وتحولها الى واجهة كبيرة لهذه الاسراتيجية يمكن تلمسه من خلال الحقائق التالية:

1-تحويل الجامعة العربية الى حصان طروادة للمشروع الصهيواميركي الغربي في المنطقة العربية بعد ان مهدت الطريق امام الناتو بالتدخل العسكري في ليبيا ، رغم ان قطر وجزيرتها كانتا من اكثر الاصوات عويلا على العروبة والاسلام عندما جرت السياسات الرعناء للدكتاتور العراقي صدام حسين ، العراق الى ويلات الاحتلال والفوضى.

المراقب للمشهد السياسي الليبي يرى بوضوح ان الدور القطري في استجداء تدخل الناتو في ليبيا كان لسحب البساط من تحت اقدام الثوار الليبيين وتلويث الحركة الثورية الليبية والالتفاف على الثورة ومصادرتها عبر تجيير الانتصار الذي حققه الشعب الليبي على الدكتاتور معمر القذافي في حساب الموقف الاوروبي الاميركي الانساني جدا !! ومساعدته الشريفة للشعب الليبيي !!، وهو امر اخذ بالتبلور منذ الان عندما فتح هذا التدخل شهية الغرب للنفط الليبي.

ويمكن تلمس ضجر الليبيين من الدور القطري من خلال تصريحات مسؤوليها الجدد ومن وابرزهم عبد الرحمن شلقم ممثل ليبيا في الامم المتحدة الذي انتقد الدور القطري في بلاده عندما اشار الى ان قطر تسير على نفس الطريق الذي سلكه القذافي وهو طريق جنون العظمة .

كما اخذت الاتهامات تتوالى على قطر لتدخلها ي الشان الليبي من خلال تاسيس احزاب موالية لها داخل ليبيا.

2-رفض الاحزاب التونسية للتدخل الليبي في بلادهم من خلال رفض دعوة امير قطر للمشاركة في اجتماع المجلس التاسيسي في تونس بعد الثورة . كما تعالت الصيحات  لمنع وصول الاموال القطرية الى داخل تونس للتاثير على العملية السياسية وتسويق اجندات قطرية لا تاخذ بالمرة مصلحة تونس والتونسيين في نظر الاعتبار، حتى وصل الامر الى احراق العلم القطري في بعض  التجمعات الاحتجاجية.

3- اكثرفصول الاستراتيجية الاميركية خطورة والتي تقوم قطر على تنفيذها بالحرف الواحد هي مهمة اسقاط النظام السوري الذي يعتبر العقبة الكاداء امام المشروع الصهيو اميركي في المنطقة والسند القوي لفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين والتي اذلت كبرياء الكيان الصهيوني وحماته.

ان المخطط الاميركي الصهيوني التي تنفذه قطر ضد سوريا يتمثل في جانب كبير منه في الحرب النفسية التي تشنها قناة الجزيرة التي تستند في ذلك الى تاريخ من المصداقية التي حققتها خلال السنوات العشر الماضية ، حيث تضخم هذه القناة وبشكل اصبح مشمئزا ما يجري في سوريا وبشكل اخرج هذه القناة من كل تلك الهالة التي كانت مرسومة لها ، فجل تقاريرها واخبارها وصورها عما يجري في سوريا مفبركة وغير صحيحة حتى ان المرء يصطدم وهو يزور سوريا ويمشي في شوارعها وعندما يعود الى الفندق ويجلس امام شاشة الجزيرة فيرى تلك الشوارع التي مر بها قبل لحظات قد تحولت الى ميادين حرب بين الجيش السوري ومنشقين !!!.

ولكن وبعد ان صدأت حربة الجزيرة كشفت القيادة القطرية هذه المرة عن ذات المخطط الذي قادته في ليبيا ، فقد بدأ العمل على ايجاد الارضية وتعبيد الطريق مرة اخرى للناتو واميركا ولكن هذه المرة الى سوريا بعد ان دعت قطر من ورائها الجامعة العربية !!!مجلس الامن الي تبنى الخطة القطرية العربية!!.

كما سربت العديد من الصحف العالمية وبينها الصحف الاسرائيلية !!خطة قطرية تتمثل بنقل مجموعات مسلحة ليبية دربتها قطر الى سوريا عبر تركيا للقتال الى جانب الثوار السوريين !!!.

4-التدخل القطري في مصر يأتي في المرتبة الثالثة بعد التدخل الاميركي والسعودي ، حيث تقوم قطر باغداق الاموال تحت مسميات مختلفة في مصر !!! لشراء بعض الذمم وتأسيس بعض الاحزاب والتنظيمات الامر الذي اساء الى الكثير من المصريين الذين رأوا في هذه المنح الاميرية تدخلا سافرا في الشان المصري واهانة لمكانة مصر الكنانة.

5- الملفت ان الدور القطري ليس محدودا كما يبدو في الاقليم العربي فقد تمددت قطر الى ابعد من ذلك !! حيث تقوم قطربافتتاح مكتب ممثلية لجماعة طالبان في الدوحة بمباركة من الولايات المتحدة ، الامر الذي ثار حفيظة الحكومة الافغانية التي استدعت سفيرها من الدوحة.

6- اما تصريحات المسؤولين القطريين بشأن تطورات الاحداث في المنطقة والتي تنطلق من عقلية لاتتفق مع مسؤولي دولة بحجم قطر، ومن بينها تصريح لوزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم الذي نصح الاردن بعدم استخدام الموانىء السورية والاستعاضة عنها بموانىء اسرائيل فانها اقل كلفة واكثر امنا!!!.

اخيرا على المسؤولين في قطر ان يعيدوا مرة اخرى حساب  الامكانيات التي في حوزتهم والطموح الذي نفخه فيهم البعض ، وهي مقارنة يحتمها المنطق والعقل السليم وخلاف ذلك سيكون حال قطر كحال تلك الضفدعة التي اردت ان تكون ضخمة مثل البقرة فأخذت تنفخ وتنفخ وتنفخ حتى انفجرت وماتت!!

*نبيل لطيف – خاص "العالم"