وکانت ولادته عليه السلام في فترة حافلة بالحوادث والظروف السياسية في مرحلة الصراع وتوتر العلاقات في الخلافة العباسية بين الامين والمآمون .
ولم تکن الحوادث السياسية ، وظروف الصراع لتنتهي دون ان تنعکس آثارها على حياة الامام الرضا ، وبالتالي على حياة الامام الجواد عليهم السلام ، فلقد توجه نظر المامون الى الرضا عليه السلام واستدعاء الى عاصمة خلافتة " مرو " فاضطر الامام الي القبول بعد رفض وامتناع .
وقبل ان يتوجه الامام الرضا عليه السلام الى مرو اصطحب معه ولده الجواد وانطلق من المدينة الى مکة ليزور البيت الحرام ويودعه لانه کان يعلم بانه لارجعة له بعد هذه ابدا .
لقد طاف الامام الرضا عليه السلام حول البيت طواف الوداع ، وطاف معه ولده الجواد الذي کان عمره الشريف نحو اربع سنوات يحمله الخادم علي کنفه لصغر سنه .
لقد احس الجواد عليه السلام بقلبه الکبير وروحه اليقظ لوعة الفراق ،ومرارة البعد عن ابيه ، وادرک ان لالقاء بعد اليوم بينهما لذا اطال الوقوف عند الحجر متعلقا به يلم به غم فراق والده وامامه ، لقد شق عليه ان يعود وحيدا الى المدينة ويفارق اباه الذي قرأ في رسالة وداعه للبيت الحرام انه لن يعود .انتهت لحظات الوداع وحانت ساعة الفراق ويالها من ساعة .. وعاد الامام الصبي الي المدينة يحمل اشواق الحب وتوجه ابوه الي موو وقلبه يتلفت نحو المدينة ويتابع رکب الجواد الحبيب والالم يعتصر قلبه الکبير .
وقد وصل الامام الرضا عليه السلام مرو وحل في عاصمة الخلافة العباسية يومذاک وقلبه متعلق بولده الجواد وامل الامة من بعده ، ومن هناک راح يراسله ويخاطبه ويواصل الاهتمام به واسداء النصيحة والارشاد له ، وقد ذکر المؤرخون ان الرضا عليه السلام کان يخاطب انه الجواد - وهو يکاتبه - بالتعظيم والاجلال ويکنيه بابي جعفر .
واحاطت بفترة انتقال الامامة الى الامام الجواد عليه السلام مشکلة خطيرة ، فقد اثارالجدل والحوار حول شخصية الامام ، بسبب صغر سنه وعدم بلوغه يوم توفي ابوه ، وفد سلجت لنا کتب التاريخ جانبا من تلک المناظرات حول شخصية الامام الجواد عليه السلام ولياقته في هذه السن للامامة .
وبعد مناطرات عدة اقر العلماء والفقهاء بالامام رغم صغر سنه ليستمر في مواصلة خط آبائة ومسيرته الرساليه فيتحمل اعباء الامامة العلمية والسياسية .
لقد ساهم الامام الجواد عليه السلام طيلة فترة اماته التي دامت نحو سبعة عشر عاما في أعناء مدرسة اهل البيت العلمية وحفظ تراثها والتي امتازت في تلک المرحلة بالاعتماد على النص والرواية عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلى الفهم والاستنباط من الکتاب والسنة بالاضافة الى اهتمامها بالعلوم والمعارف العقلية التي ساهم الائمة وتلامذتهم في انمائها واغنائها وتوسيع مداراتها حتى غدت صرحا شامخا وحصنا منيعا للفکر الاسلامي وللشريعة الاسلامية .
واعتمد الامام الجواد عليه السلام مثل ابائه في منهجه العلمي على عدة اساليب منها :
1- اسلوب التدريس وتعليم التلاميذ والعلماء وحثهم علي الکتابه والتدوين وحفظ مايصدر عن ائمه اهل البيت عليه السلام وامرهم بالتاليف والتصنيف .
2- اسلوب تعين الوکلاء ونشرهم في انحاء مختلفة من العالم الاسلامي ليکونوا دعاة الى الاسلام والعمل به وتبليغ احکامه .
3- اسلوب المناطرة والحوار العلمي .
هذا وامتازت الفترة السياسية التي عاشها الامام الجواد عليه السلام - وهي زمان الخليفتين العباسيين المامون والمعتصم - بانها فترة خف فيها بحسب الظاهر الاضطهاد والارهاب نسبة الى الفترات وان کان الخط العام للسياسة العباسية امتدادا لما سبق . ولکن هذه السياسة لم تستمر طويلا وسرعان مالجأ الحکام العباسيون الى اذي اهل البيت عليهم السلام والتضييق عليهم .
ورغم کل هذا فان التاريخ يؤکد لنا من خلال استقراء الوثائق السياسية التي صدرت عن الامام الجواد عليه السلام ( الرسائل والاحاديث ) والمواقف التي صدرت من السلطة العباسية تجاه الامام ودراستها نستطيع ان ندرک ان الامام کان يمارس نشاطه في الخفاء وکان له مقام قيادي عميق الاثر في وجدان الامة ووعيها .
لذلک نجد المامون يستقدم الامام الجواد عليه السلام من المدينة سنه (211 ) ه ويقوم بتزويجه من ابنته ام الفضل ويدخل في نزاع مع اعمامه بني العباس بسبب ذلک التزويج ، في محاولة منه لاستيعاب موقف الامام الجواد عليه السلام وضمه الي حاشيته واحتواء حرکته الجماهيرية في المجالين الفکري والسياسي .
لکن الامام عليه السلام کان على العکس من ذلک ، کان يرفض البقاء في بغداد ليکون بعيدا عن حصار السلطة ومراقبتها ويعود الي المدينة المنورة ليسقط الخطة ويحقق الاهداف المرتبطة به کامام للامة ورائد من رواد الشريعة .
وبعد موت المامون جاء المعتصم للسلطة ، فکان کاسلافه العباسيين على خوفه من امامة اهل البيت عليهم السلام ومکانتهم العلمية والسياسية ، فاستدعي الامام الجواد عليه السلام من المدينة الى بغداد عام (219) ه خوفا من تألق نجمه واتساع تاثيره ، وليکون على مقربة من مرکز السلطة والرقابة ولعزله عن ممارسة دوره العلمي والسياسي والشعبي .
وفعلا تم استقدام الامام الجواد عليه السلام من المدينة الى بغداد ولم يبق في بغداد الا مدة قصيرة حتى اقترف المعتصم جنايه قتل الامام عن طريق دسه السم اليه في اواخر شهر ذي القعدة عام (220 ) ه .
بعد هذه الحياة القصيرة في امتدادها الزمني التي دامت نحو خمس وعشرين سنة ، المديدة في آثرها العقائدي والتاريخي ، المليئة بالمآثر والجهاد العلمي والسياسي انتقل الامام شهيدا مظلوما الى جوار ربه ببغداد ودفن في مقابر قريش مع جده الامام موسي بن جعفر عليهما السلام .
وبمناسبة ميلاد هذا الامام الهمام تتقدم الوحدة المرکزية للانباء باحر ايات التهاني والتبريکات الى امام العصر الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف والى قائد الامة اية الله العظمى الخامنئي والى کافة المسلمين واحرار العالم وعشاق الحق داعين الباري ان يمن على الاسلام بالنصر والکرامة انه سميع مجيب .