ويرى المراقبون بان انتصار سوريا قيادة وحكومة وشعبا على هذه " المؤامرة الدنيئة"، عززت مصداقية دمشق في مضمار الامساك بزمام المبادرة والتحكم بالاعمال الارهابية الهوجاء التي لم تعد قادرة على التأثير في الشارع والمجتمع، فصبت جام احقادها على تمثال الفيلسوف الشاعر (ابي العلاء المعري)، "بدوافع طائفية" لایعقلها احد، وقد غاب عن بال التكفيريين والقتلة واللصوص ، انهم بهذا السلوك الارعن اسقطوا انفسهم من اعين الشعب السوري و برهنوا على انهم حفنة من الجهلة الحمقى الذين لا يقيمون أي اعتبار او احترام لرموز الحضارة الاسلامية والعالمية ومنهم حكيم بلاد الشام المسجی فی مدینة (معرة النعمان) ، الامر الذي يجعلنا نستذكر قول الشاعر المرحوم محمد مهدی الجواهري فيه:
لثورة الفكر تاريخ يحدثنا
بأن الف مسيح دونها صلبا
ففي نظر هؤلاء المجرمين تبدو الحياة والفکر وکأنهما إمعان في العمى والضلالة والاثارة، اكثر منهما طلبا للامن والسلام والتسامح والابداع ، وازاء ذلك فقد ثبت لابناء الشعب السوري انَّ هذه النماذج من البشر لايمكن ان تلبي التطلعات الانسانية ولن تستطيع ان تمثل القيم الثورية والمبادئ الاخلاقية ابدا لا في بلادهم ولا في غيرها.
في ضوء هذه السلوكيات، لم نستغرب قط اعلان رئيس اركان الجيش الاميركي الجنرال ريموند اوديرنو بأن "خطط التدخل المباشر في سوريا جاهزة" مضيفا في خبر نقلته (وكالة واشنطن دي برس) "ان الرئيس باراك اوباما يعتقد انه يمكن التعامل مع الازمة في سوريا دبلوماسيا بالعمل مع شركائنا".
واضح من كلام هذا الضابط الرفیع ان الادارة الاميركية التي تشرف على الحرب الدولية في سوريا بکل حذافیرها، ليست مقتنعة بجدوى التدخل العسكري في هذا البلد الذي يعيش تماسكا شعبيا فريدا من نوعه، لانه يراقب عن كثب النتائج الكارثية لسلوكيات الجماعات المتطرفة على مستوى تدمير الوطن والمواطن، والتي لم توفر حتى المعالم الحضارية وروائع التراث الفکری العالمي التي تزخر بها سوريا طولا وعرضا.
فالاستراتيجيا في عقلية الجماعات التكفيرية المسلحة التي تمولها وتحتضنها السعودية وقطر والامارات وتركيا، والتي توجهها الاجهزة العسكرية والاستخبارية الاميركية والصهيونية هي: (إما ان تقتل او يقتلك غيرك).
وفي مواجهة هذه العقلية يمكن القول ان المسؤولية الملقاة على عاتق المتشدقين بحماية الامن والسلم الدوليين، هي اليوم مضاعفة اكثر من أي وقت مضى، خاصة وان عقلاء المعارضة السورية في الداخل والخارج يرفضون ان يكونوا "جسرا" لعبور المتشددين المعتوهين، وقد باتوا امضی قناعة بان الحوار والحل السياسي هما الضمانة الحقيقية لبقاء سوريا بعيدا عن متناول ايدي القتلة المحترفين واسيادهم السعوديين والقطريين واخوان تركيا، ومن ورائهم تجار الحروب الغربيين والصهاينة.
فالثابت ــ اذا ــ هو ان سوريا بصمودها ومقاومتها، قد تمكنت من تقويض "مشروع المراهنين على التطرف" لاغراق البلاد في اتون الحرب الطائفية والتكفيرية، وتشويه النموذج الرائع للتعايش السلمي بين ابناء الشعب السوري على اختلاف اديانهم ومذاهبهم ومشاربهم.
وفي هذا الاتجاه لا نشك ابدا في ان هذا التعايش الحضاري هو الذي أجبر الاميركيين والاوروبيين والخليجيين على التراجع عن لغة "قرع طبول الحرب"، الأمر الذي اكده وزير الدولة السوري لشؤون المصالحة الوطنية علي حيدر في حديثه لتلفزيون (المنار) عندما قال: (إن الحل السياسي يمر عبر الحوار وبالثوابت الوطنية المتمثلة بوحدة الارض والشعب وان عدونا واحد، فالعدو ليس وجهة نظر) مضيفا (ان تطور الاوضاع الداخلية في اميركا والتغييرات التي حصلت في فريق الادارة بالولایات المتحدة والانتخابات الفرنسية والوضع الاقتصادي في اوروبا اضافة لمجموعة معطيات اخرى، كانت تقودنا الى ان الجميع لن يستطيعوا الذهاب الى ما
لا نهاية في لعبة عض الاصابع وان الذي سيتألم اولاً منها هم الاوروبيون والاميركيون وليس السوريين مع كل حجم المعاناة التي يتعرضون لها).
باختصار نقول ان "الطائفية التكفيرية" منيت بالهزيمة و الخزی والافتضاح بواسطة شعب سوريا قبل الجيش والسلطات، لانها لا تجسد اهداف التغيير والاصلاح والحیاة الحدیثة ابدا، بقدر دورها المرعب في اشاعة الموت والخراب والارهاب لیس في هذا البلد المقاوم وحسب بل وفی العالم الاسلامی برمته.
*حمید حلمی زادة