من جهتها فان واشنطن الرافعة الاساسية لمعسكر الحرب على امتنا باتت على المستوى الدولي في حيرة من امرها في هذه الايام العصيبة عليها، كما على حلفائها وبصفة اكبر ربيبتها ‘اسرائيل’، التي ما كانت لتقوم لها قائمة لولا معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وهي ترى اليوم تصدع هذه المعادلة رويدا رويدا.
فالروس والصينيون ودول كثيرة في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية غادروا او في طريقهم لمغادرة سفينة الامم المتحدة، التي لطالما كانت الحامية الاساسية لاستمرار بقاء ‘اسرائيل’ من دون عقاب، وهو ما شهده العالم في اول مظاهره المعبرة في الفيتو الروسي الصيني المزدوج في مجلس الامن الدولي بوجه محاولات النيل من الدور السوري المقاوم.
اما الاحادية الامريكية المكتسبة فضل الهيمنة الآنفة الذكر، فقد اطيح بها في اكثر من موقع او يكاد مع تمرد او تململ او خروج العديد من القوى العالمية على قواعد النظام العالمي الرأسمالي التقليدي، الذي كان حتى الامس القريب بمثابة نهاية التاريخ فاذا به لدى البعض بداية نهاية عصر وانبلاج عصر جديد.
في منطقتنا العربية والاسلامية نقترب جميعا من اللحظة الحاسمة لكنها الحرجة كذلك، لاسيما لاولئك الذين طالما روجوا لسياسة ما بات يعرف بـ’النأي بالنفس′ او ‘عدم التدخل’ فيما بات يسمى تشويها وتحريفا بالصراعات الاقليمية.
ففي الملف النووي الايراني نقرأ انباء عن توسل امريكي للحوار المباشر مع طهران بعد ان خسر رهان ايقاف عجلات قطار التخصيب عندها، فيما تبدي طهران ‘غنجا’ محاولة فرض شروطها على الاخر وعينها على المتوسط بانتظار ساعة الحسم في ادنى الارض السورية.
وفي الملف السوري نرى الامريكي يتخبط بين اذعان للحل السياسي الذي يحاصر فريق اوباما الجديد، وبين البحث عن ذرائع للتدخل يستنجد بها حرسه القديم وعينه لا تغادر افق تل ابيب وهو يتساءل ان كانت الاخيرة ستنعم بمزيد من الامان عندما تحين ساعة التفاوض مع الروس والايرانيين، او ان المطلوب بعثرة اوراق التفاوض على امتداد سواحل المتوسط وبادية العراق الى ما بعد صيف استحقاق الرئاسة الايرانية؟
في هذه الاثناء نرى انظمة عربية ومسلمة عديدة تتخبط في خياراتها التي استعجلتها بين غارق في المستنقع الامريكي او مرعوب من مجرد التفكير في البحث عن طريق آمن للخروج من المأزق، او تمني النفس بالافلات من المحاسبة او الحساب باقل الخسائر ان حصلت الصفقة بين واشنطن وطهران من جهة، والتسوية بين الروس والامريكان من جهة ثانية، وبين باحث عن الامن والامان من خلال النأي بالنفس وعدم اتخاذ الموقف لصالح اي من الطرفين، ظنا منه انه لن يناله السوء طالما هو مختبئ خلف اصبعه.
على صعيد آخر فان حراك الشعوب العربية والاسلامية ماض باقصى سرعة وبقدر عال من الوعي ما يجعل كل محاولات سرقة ثوراته والحاقها بمقولة الربيع العربي زورا وبهتانا تذهب ادراج الرياح كلما تقدم الزمن في لعبة شد الحبال استعدادا للمنازلة الكبرى !
فربيعهم الذي ارادوه فتنة في اكثر من قطر عربي واسلامي يقترب من نهاياته غير السعيدة لكل فتان بغيض.
ان كان ذلك على صعيد التحريض بين العرب باتجاه استبدال عدوهم الحقيقي وهو الكيان الصهيوني، بعدو وهمي اسمه ايران او على صعيد تأجيج الفتن الطائفية والعرقية بين عامة المسلمين، لاسيما ما بـات يعرف باسم الفتنة السنية الشيعية!
وحده الكيان الصهيوني بات هو الراعي الرسمي والعلني والمفضوح في هذا المجال، بعد ان خرجت مقررات مؤتمر هرتسيليا الثالث عشر الداعية الى تأجيج الفتنة بين السنة والشيعة وتشكيل ما سموه بمحور عربي خير في مواجهة محور الشر الذي تقوده ايران.
كل المؤشرات تفيد بانهم لن ينجحوا في بلورة محور خانع تلعب اطرافه في ملعبهم الشرير في محاولة يائسة لوقف تدحرج كيانهم في واد سحيق، ذلك لان محور المقاومة آخذ بالاتساع يوما بعد يوم بعد ان تحرك لهيب الثورة والوعي ليشمل عامة المسلمين والعرب وبات هو الصاعد بفعل التغيير الحاصل في هندسة بناء العالم، عالم يتقدم بخطى متسارعة الى قمة جبل شاهق اسمه جبل الوحدة والتحرير واستقلالية القرار، حيث لا مكان فيه لمن لا يزال يقف على التلة متفرجا بانتظار نتائج معركة باتت نتائجها معلومة الحال وواضحة للعيان!
* محمد صادق الحسيني