كنت قد كتبت مقالاً سابقاً حين دب الخلاف بين الجولاني والبغدادي، وقلت حينها أن الظواهري قد وقَّع على شهادة وفاة “داعش” ، حيث أنه ناصر “جبهة النصرة”، والظواهري بحكم توجهاته الأمريكية فقد استمع لأوامر (CIA) برفع الغطاء عن “داعش”، لأن القادم سيجعل منها حمالة الحطب، وحمالة كل أوزار الإرهاب، فكل القتلة ملائكة إلا الدواعش منهم، وكل الموبقات صغائر إلا موبقات الدواعش فهي فواحش، وهذا ما يحدث فعلاً ، فالحرب على الإرهاب تحتاج لإرهابيٍ يجتمع عليه المحاربون، فيربح الجميع، فالولايات المتحدة تضحي بأحد حلفائها في سبيل تلميع حلفاء آخرين من “جبهة اسلامية” “وجبهة نصرة” و”جيش حر” والبقية،وتقدم ورقة اعتمادٍ لجنيف2 من خلال إرضاء بوتين، ومن ثم إلصاق كل الإرهاب بطرفٍ واحد، ليصبح كل من تبقى من إرهابين هم ملائكة،تستطيع القول أنهم معارضة يمكن التفاوض معهم،وأنهم مقاتلون من أجل الحرية، وهذا ينطبق على جميع الآخرين في ذلك التحالف البغيض من سعوديين وصهاينة وأعراب وأغراب.
أما سوريا وحلفاؤها فليس لديهم أي مانع من أن يترافس البُغاة والطغاة، ويحتربون حد التطاحن، فكل نفسٍ يزهقونها تصب حتماً في صالح تقصير عمر الحرب، وهي منجاة لنفسٍ بريئة كان سيسلبها قاتلهم ومقتولهم، وبالعودة لتصريحات وزير الإعلام السوري عمران الزعبي، نستنتج أن سوريا لا تميز بين الإرهابين على أساس العرق أو اللون أو الدين، فلا فرق بين إرهابي وإرهابي إلا بالواجهة، فكلهم خدم للصهيونية، تقدم بعضهم وتؤخر بعضهم، تضع بعضهم وترفع بعضهم، وتضرب البعض وتحتضن البعض حسب الحاجة والمصلحة، وهو ما يعني أن الحكومة السورية استبقت محاولات الولايات المتحدة لتجميل بعض صنوف الإرهاب بإزالة الأقنعة، ووضعهم جميعاً في سلة واحدة،ولكن لا بأس لديها من احترابهم، فهو يوفر الجهد والدم على الجيش العربي السوري، أما جنيف وأطرافه المقبولة للتفاوض فهذا أمرٌ آخر، فلن يصبح العدناني أو الجولاني أو زهران علوش أطرافاً تصلح للتفاوض حتى لو حاربوا داعش لمصلحة صهيوأمريكية.
يقول عظيم الدون ميشيل كيلو، ليس للداخل تمثيل حقيقي في الائتلاف، وهذا يعني بالضرورة أن الائتلاف لا يمثل إلا نفسه،وهذه حقيقة، حيث أن من صنَّع الائتلاف هو نفسه من صنَّع الإرهاب،ولكنه أبقى خطوط الدعم المالي في يده، فالأموال التي تذهب للائتلاف هي مصروف جيب، يعني ما يكفي لتنقلاتهم واستراحاتهم واجتماعاتهم الفندقية، ولم يمنحهم المال ليتم تسليح “المجاهدين” من خلالهم، وإلا لملكوا بعض قرار، وقام هو بتسليح الإرهابيين في الميدان، فأصبح مالكهم، وحين كان أصحاب التمويل في وئامٍ وتبات، كان الإرهابيون في خندقٍ واحد يركبهم عفريت واحد اسمه إسقاط النظام، ولكن حين اختلف من يملكون المال تشرذم أصحاب اليد الدنيا وتعددت عفاريتهم، فأصبحنا نرى عفاريت “الصحوات” و”المرتدين” و”الكفرة” وما خفي كان أعظم.
قد نكون على أعتاب مرحلة جديدة من المؤامرة على سوريا، تتمثل بتصنيع جسم جديد لما يسمى بالمعارضة على شاكلة الائتلاف، وإعادة انتاجه بشكل جديد يتلائم مع المتغيرات،أما ميدانياً فالأمر واضح للعيان بإعادة إنتاج إرهابٍ جديد يصلح ليكون ورقة تفاوضية، أما الجيش العربي السوري فهو لا يقرأ هذا ولا ذاك، وهو مستمر بتطهير البلاد من هذه الأرجاس، فاجرهم وأكثرهم فجوراً، ولا تعنيه تلك الأقنعة ولا أصحابها، وهؤلاء الرجال سيجعلون من أي جنيف بعيداً عن أقدامهم مجرد حفلة لالتقاط الصور التذكارية، وما يخطونه بالحديد والدم هو طاولة الحوار الوحيدة.
* ايهاب زكي -بانوراما الشرق الاوسط